وتقدر الاحصائيات بأن الولايات المتحدة تصرف حوالي 13 بليون دولار في مجالات الطب البديل، مع ملاحظة ان 80% من هذه المبالغ لا يتم تعويضها عن طريق شركات التأمين، كدليل على عدم الاعتراف بالطب البديل بشكل كامل..
ورغم ذلك فهناك خلط في مفاهيم وماهية الطب البديل ومدى نجاحه عملياً، والفرق بينه وبين الطب الحديث المبني وفق المبادئ العلمية الغربية الحديثة، المعتمدة على البحث العلمي الحديث وتزداد الحيرة حين يلحظ التحفظ بل وربما المعارضة من قبل بعض المتخصصين في المجالات الطبية والعلمية للطب البديل..
وبالطبع فإن العالم العربي ازداد اهتمامه بموضوع الطب البديل وبالذات كونه يعمق بعض الاساليب التراثية والشعبية في العلاج، مع التأكيد على انه تنقصنا الاحصائيات التي توثق مدى انتشار الطب البديل وفعاليته في الدول العربية.
من منطلق تثقيفي، وفي فصل الصيف الذي قد لا يحتمل تكثيف الكتابة النقدية المعتادة مني، اتطرق في مقال اليوم الى موضوع الطب البديل، وابدأ بتعريف الطب البديل بأنه النظام او الممارسة الطبية التي تقع خارج النظام الطبي السائد او المهيمن، ويقع تحت ذلك مايزيد عن ثلاثة الاف موضوع او نوعية من الممارسات الطبية التي يمكن تصنيفها ضمن مسميات الطب البديل، وبعض تلك الممارسات او النظريات في الطب البديل تتحول من الايام لتصبح ضمن الممارسة الطبية المعتادة، بعد اثبات جدواها علمياً وفق الاساليب البحثية المناسبة، وفق تطورها للعمل وفق منهج علمي واضح وبعضها يحمل من الخرافة والخيال ما يؤدي الى استحالة فهمه، فضلاً عن تطوير منهج علمي يدرسه.
واختصاراً يمكن النظر الى الطب البديل ضمن سبعة فروع رئيسية كالتالي:
1ـ الطب الروحي، ويشمل ذلك كل ماله علاقة بالتأثير على العقل لاحداث تغيير جسمي مثل القراءة الدينية، او الرقية حين تستخدم كعلاج، التنويم المغناطيسي، اليوغا، عمليات الاسترخاء، الصلوات حين تستخدم كعلاج، وغيرها، وبعض هذه الوسائل ساهمت في علاج عديد من الامراض وبالذات تلك المزمنة وذات العلاقة بالنواحي النفسية، ولكن يظل الكثير من هذه الوسائل غير معترف به ضمن الاوساط العلمية، لاسباب تتعلق بالدرجة الاولى بالعجز عن القيام بقياس وتفسير الظواهر الروحية هذه وبالتالي صعوبة التعميم المبني على اسس علمية متعارف عليها.
2ـ الفروع الطبية الغير مصنفة ضمن الاوساط العلمية الغربية بالذات مثل الطب الصيني المازج بين الاعشاب والابر الصينية وعمليات الاسترخاء المختلفة او الطب الهندي وغيرها من انواع الطب التقليدية التي تستخدم في دول عديدة ولكن ايضاً يصعب دراستها علمياً وفق المنهج العلمي المتعارف عليه، وبالتالي يبقى بعضها ضمن الوسائط الشفوية او الوصفية الكتابية، بالرغم من كون بعضها بدأ يحظى بإهتمام متزايد مثل العلاج بالابر الصينية للألم.
3ـ العلاج اليدوي، مثل الكيروبراكتك او العلاج اليدوي والمساج، وغيرها ويعتبر هذا الفرع من اكثر فروع الطب البديل تقدماً حيث هناك توجه علمي كبير نحو توثيق هذه الممارسات العلاجية علمياً وبالتالي اصبح العلاج الطبيعي اليدوي والكيروبراكتك معترف به ضمن غالبية بوالص التأمين الصحية العالمية، وتوسعت في المدارس والبرامج التعليمية بشكل كبير.
4ـ المستحضرات العلاجية، وهذا الفرع كبير ويشمل العلاج بالمستحضرات الدوائية الشعبية كبعض المستحضرات التي يتم تصنيعها محلياً في الاوساط الشعبية او التي تمزج عدة ادوية معا او ادوية تقليدية مع بعض انواع الاعشاب.. ولا يمكن انكار فوائد بعض هذه الخلطات العلاجية وخصوصاً وبعض الادوية الطبية يتم استخراجها من تلك الاعشاب ولكن الصعوبة تكمن في نوعية الخلطات التي يستخدمها المعالجون وتركيباتها ونسب تعاطيها واستخدامها، ومضارها الجانبية.. الخ من الصعوبات التي تقود الى التردد في قبول بعض انواع المعالج بالاعشاب ضمن الطرق العلمية الصحيحة.
5ـ العلاج الكهرومغناطيسي، حيث يدعي المعنيون بهذا النوع من العلاج بفوائد الدوائر الكهرومغناطيسية وتأثيرها على الدورة الدموية وعلاج الالم.. الخ ويحاول البعض تأصيل هذا النوع من العلاج بإعتماد بعض النظريات الفيزيائية المتعلقة بتأثير الدوائر المغناطيسية على الدورة الدموية او سوائل الجسم او الاجواء المحيطة به، وبالتالي الاخلال بدوائر الالم بما يتسبب في التقليل من الالم، في الامراض المزمنة، يعتقد بوجود تقدم في التئام الجروح والكسور بشكل اسرع متى تم تعريضها لحقل مغناطيسي مناسب.
6ـ طب الاعشاب، وهذا ايضاً فرع واسع ومنتشر بشكل كبير ويساند انتشاره التجربة والمعرفة العلمية بخصائص النبات ومكوناته وفوائده، والتحفظ على هذا النوع من العلاج ليس في استخدام الاعشاب والنبات ولكن استخدمها دون معرفة بالامراض ودون مراعاة لبعض اثارها الجانبية وكذا بمحاولة خلطها بوصفات وطرق علاجية اخرى، دون وعي بما يسببه ذلك من تأثيرات.
7ـ العلاج بالغذاء والحمية، وهذا النوع بدأ في الشيوع بشكل كبير وبالذات مع ظهور الحمية المختلفة وخلط العلاج يتقنين الدواء مع انواع اخرى مثل العلاج بالاعشاب، والعلاج بالحمية والغذاء يتميز عن كثير من العلاجات البديلة بأنه يدخل ضمن نطاق الطب الوقائي وليس فقط ضمن معالجة الامراض المزمنة، فاستخدام الفلورايد اصبح يحظي بتأييد علمي كبير لما رغم انه كان في الاساس يصنف ضمن تخصصات الطب البديل التي يتحفظ عليها الممارسون وفق المدارس الطبية الحديثة، وهذا النوع يسهم في انتشاره علاقته بالصناعة الغذائية والاله الاعلامية بشكل كبير.
وما دام الطب البديل يشمل كل هذه المجالات وبعضها متعارف عليه في اوساط الممارسين الصحيين وفي الاوساط الاجتماعية، فلماذا التحفظ عليه وربما محاربته من قبل البعض؟ التحفظ نحو الطب البديل ربما يأتي بعضه نتيجة التعصب للطب الحديث، ولكن المؤكد ان السبب الرئيسي لرفضه او عدم الاقتناع به هو عدم اعتماده على اسس علمية ومنهجية واضحة حسب المعايير البحثية الحديثة، ويصعب تحديد أليات وميكانيكيات واثار واضرار وطرق استخدام كثير من انواع الطب البديل، وهنا يمكن القول بأنه كلما تقدم البحث العلمي في مجالات الطب البديل كلما ظهر مزيد من الاعتراف به، وكذا اعادة تصنيفه ليكون ضمن الطرق الطبية المتعارف عليها بدلاً من تسميته طباً بديلاً، مما يلقي مسؤولية كبيرة على ممارسي ومدعي ايجابية انواع الطب البديل بكافة اشكاله، بأن يتجهوا نحو توثيق ممارساتهم وتأصيلها وتأطيرها بشكل علمي مقبول ومناسب من قبل المجتمع العلمي، بدلاً من الاعتماد على طرق الوصف والدعاية التي تعتمد على نجاح حالات فردية كنهج يتم من خلال الترويج لمفاهيم الطب البديل، ويجب التعريف والتفريق الدقيق بين المفاهيم العلمية مثل الالم بمفهومه العلمي والمعاناة بمفهومها الاجتماعي والنفسي، ومثل الفائدة والعلاقة بين الجوانب الروحية والعقلية والنفسية والجسدية، ومثل الاثار البعيدة المدى والايجابيات قريبة المدى..الخ
في الجانب الاخر اصبحت ضمن مسؤوليات الطبيب المعالج والمشرع الطبي التعرف على انواع الطب البديل او المكمل واخذها في الاعتبار عند تشريع النظم الصحية وعند معالجة المرضى، فهناك مجالات كثيرة من مجالات الطب البديل تقدمت كثيراً في الممارسة والتطبيق والتأسيس العلمي، ومصلحة المريض التي يسعي ليها الطبيب تستوجب عليه اخذ جميع مصادر العلاج الممكنة في الاعتبار، وستضل العلوم الطبية والصحية تتداخل فيما بينها ومع العلوم الاخرى وسيضل التصنيف لانواع الطب يحتل مساحة من الجدل النظري والاكاديمي ولكنه يتقارب ويتداخل بشكل كبير على مستوى الممارسة اليومية والاكلينكية، بشكل يجعل البعض اقتراح اسم الطب التداخلي او التكاملي بدلاً من الطب البديل، على اعتبار تداخل وتكامل ممارسات الطب البديل في الوقت الحالي مع الممارسات الطبية المتعارف عليها، مما يعني انه ليس بديلاً بالمعنى الدقيق بل يأخذه كثير من الاطباء كمكمل للطرق العلاجية المتعارف عليها.
من المهم جداً عدم الخلط بين الممارسات الطبية التقليدية كانت او التداخلية او البديلة مع الممارسات التي يعتمدها المشعوذ والافاك والدجال والمتاجر بصـحة الناس بغير علم ولا مـعرفة، وعدم التردد في استشارة الطبيب المعــالج قبل الاقدام على التعامل مع مدعي الطب البديل والشعبي، كما ندعو الاطباء والمعلمين والممارسين في المجال الصحي الحديث الى التعرف على البدائل الطبية المتوفرة خارج النظام الصحي قدر الامكان للافادة والبحث في ايجابياتها وسلبياتها، لاجل مصلحة المريض بالدرجة الاولى.
أخيراً يجدر بنا الاجابة عن السؤال لماذا تنتشر وسائل الطب البديل؟
السبب الأول هو فشل النظام الصحي التقليدي او الحديث، فحينما لايجد المريض من يعالجه وفق الطرق الطبية المتعارف عليها في المراكز الصحية، فإنه يلجأ الى طبيب ديني او شعبي وقد يلجأ الى مشعوذ يستغل حاجته، او شخص ليس بالضرورة توجد لديه الخبرة الكافية في هذا المجال، واذا اردنا الاستدلال على مدى التقدم الطبي فعلينا متابعة مدى انتشار الطب الشعبي وطب الاعشاب والطب الديني، والطب الغير مصرح به، فكثرة التعامل مع هذه البدائل تعني تقهقر النظام الصحي الحديث وتأخره عن الوفاء بمتطلبات الناس الصحية، مع ملاحظة أهمية أن يحتوي النظام الصحي البدائل التي تحظى باعتراف من قبل الأوساط الطبية التقليدية، ويمكن التعامل معها من منظور علمي ومهني مقبول..
السبب الثاني الذي لا يمكن انكاره هو عجز الطب الحديث على تفسير او معالجة بعض الظواهر المرضية وبالتالي فإن لجوء المريض الى الطب البديل يحدث حتى ضمن الأنظمة الطبية المتقدمة، وخصوصاً إذا ما علمنا تركيز الطب الحديث على الجوانب العضوية والبيولوجية واهماله الجوانب الروحية والنفسية وهو ما أوجد الدعوة مؤخراً الى أن تتبنى الكليات الطبية والصحية تعليم الطب البديل ضمن مناهجها الرئيسية.
د. محمد عبدالله الخازم