لقد تم تفصيل (الشخصية الأنثوية) على مقاس دور المرأة المنزلي في المجتمع الأبوي، وإن البايولوجيا بالنسبة للإنسان لا تصبح هامة إلا عندما يتم تفسيرها طبقاً لمعايير وتوقعات الثقافة السائدة، فالبيولوجيون يمكن أن يخبرونا مثلاً أن الرجل بشكل عام أقوى من المرأة، ولكنهم يعجزون عن إخبارنا عن السبب الذي يجعل من قوة الرجل ونشاطاته موضعاً للتقدير من قبل الناس في جميع الثقافات.
أليس لافتاً أن المرأة معتبرة، إلى درجة ما، أقل شأناً في كل ثقافة معروفة وقبل أن تكون المرأة أنثى هي إنسان وبالتالي فإن المرأة كائن إنساني وليس مجرد أنثى وهذا الكائن الإنسان لا يقع خارج التاريخ ولا خارج المجتمع ولا يتشكل أيضاً خارجهما بيولوجياً، المرأة أنثى ولكنها قبل ذلك ومعه هي إنسان محكوم بشرطه الاجتماعي والتاريخي الأمر الذي ينفي أو يضع موضع تساؤل على الأقل مقولة أن قضية المرأة خاصة جداً ومستقلة جداً وبالتالي أفقها مفتوح للتشخيص والفهم والاستيعاب، والخلل الذي ترسخ في المجتمع لصالح المرأة في عصر (الأمومة) تبدل ليصبح لصالح الرجل في عصر (العائلة الأبوية) ليزداد رسوخاً في الأحقاب الزمنية التالية، وهذا ما يؤكد أن هذا الخلل لا يعود إلى النصوص المتعلقة بالمرأة في الكتب السماوية، وأن رحلة قهر المرأة تعود بجذورها إلى أعماق التاريخ السحيقة حتى في تاريخ حضارات منطقتنا القديمة يمكن الاستدعاء إلى الذاكرة موقف حمورابي المتمثل في تشريعاته ضد المرأة.
وهذا ما يفسر أن تكون قضية المرأة واحدة من القضايا الأشد بروزاً والأكثر تقدماً على جدول أعمال مشروع النهضة العربية منذ منتصف القرن التاسع عشر وأن تكون واحدة من المحاور الرئيسة لخطاب التنوير العربي الذي يشكل الإطلاع على الغرب (الأوروبي أساساً)، والأخذ عنه (والعمل على تبيئة ما يؤخذ وربما الاقتصار على النقل والتقليد أحياناً) واحدة من سماته الأساسية.
ولم تستطع الحركات النسائية العربية أن تحافظ على زخم انطلاقتها الأولى لأنها (كما يرى البعض) كانت تضع المرأة في مواجهة الرجل وتقسم المجتمع بشكل جنسي، مغيبة أو متجاهلة الاستغلال والقمع الواقعين على المستغلين والمقموعين بغض النظر عن الجنس فهما يطالان الاثنين معاً، ويصل أصحاب هذا الرأي إلى التأكيد أن خطأ الحركات النسوية في تحديد الخصم جعلها تعجز عن تحقيق النهوض الذي تدعيه وترى أخريات أن صورة هذه التنظيمات النسوية هي صورة عن مأزق المجتمعات الغربية.
ولعل أبرز الصور التي يقدمها الإعلام العربي للمرأة العربية تتجسد في صورتها في الصحافة النسائية حيث قامت إحدى الدراسات على تحليل (86) قصة قصيرة نشرتها احدى المجلات العربية خلال الاعوام الماضية وتوصلت إلى النتائج الآتية:
1- تقدم هذه القصص المرأة بشكل سلبي (فهي دائماً بحاجة إلى عون وغالباً ما تتوقع هذا العون من الرجل وهي ضعيفة القدرة على اتخاذ القرار وتفتقر إلى المبادرة وغالباً ما يكون مصيرها الفشل في المواقف الصعبة).
2- خروج المرأة إلى العمل نتج عن عوز اقتصادي أو عن فشل في الحياة الأسرية ولم ينشأ عن إحساس بأهمية العمل أو ضرورته.
3- تبرز هذه القصص الشخصية الإيجابية والمستقلة والبناءة للمرأة ولكنها تظهرها في مواقف تدافع فيها المرأة عن قضايا تخصها وفي مواقف تتعلق بها شخصياً (اختيار شريك حياتها مثلاً)، ونادراً ما تصور هذه القصص المرأة العصرية التي تدافع عن قضايا أو مواقف عامة بل فقط عن مواقف شخصية وعن أمور عاطفية.
4- تظهر القصص الطبيعة الذاتية للمرأة والأوضاع الغيرية التي تظهر فيها تكون فيها غيرية إزاء من تحب وليس إزاء قضايا عامة .
وكان استخدام الإعلان للمرأة كونه أداة جذب وطعما للتشجيع على الاستهلاك فتظهر فيه مخلوقا ساذجا لا هم له إلا الأكل والشرب والتجميل، فالمرأة تستخدم للإعلان عن السلع لجذب الرجل والمرأة على السواء، فالإعلان يدعوها إلى أن تجعل نفسها في دور المرأة التي حصلت على أعلى أمنية بشراء السلعة، أما الرجل فيغريه الإعلان بالحصول على المرأة الجميلة التي تعرض السلعة، كجائزة لشراء هذه السلعة وحتى الإعلانات التي تصور المرأة في مواقع العمل تصورها على أنها أنثى الرجل وتجذبه، إن استخدام المرأة على هذا النحو في الإعلانات يقلل من نظرة الاحترام إليها في نفس الرجل وفي نفسها هي، حيث يرسخ الإعلان قيمة المرأة ليس بما تملك وبما تنتج بل بما تستهلك وغدت السلعة التي تستهلكها هي مصدر الحب والنجاح والتطور، ظناً منها أنها بشرائها السلعة تشتري الاحترام الاجتماعي والصحة والجمال وتتمكن بفضلها من تصحيح الأخطاء والنواقص في شخصها، لأن المعلنين باعتمادهم الأساليب النفسية كافة نجحوا في تحويل الفكر النقدي للمستهلك نحو ذاته وليس نحو السلعة.