عرفات

السبت 12 نوفمبر 2016 - 09:17 بتوقيت غرينتش

سألت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام: لمَ سُمّيت عرفات ؟ فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم صلوات الله عليه يوم عرفة, فلمّا زالت الشمس قال له جبرئيل عليه السلام: يا إبراهيم، اعترف بذنبك، واعرف مناسكك. فسُمّيت «عرفات» لقول جبرئيل عليه السلام له: اعترف، فاعترف

عرفات

ماوراء الاسم
ـ معاوية بن عمّار: سألت أبا عبد الله (الصادق) عليه السلام: لمَ سُمّيت عرفات ؟ فقال: إنّ جبرئيل عليه السلام خرج بإبراهيم صلوات الله عليه يوم عرفة, فلمّا زالت الشمس قال له جبرئيل عليه السلام: يا إبراهيم، اعترف بذنبك، واعرف مناسكك. فسُمّيت «عرفات» لقول جبرئيل عليه السلام له: اعترف، فاعترف (1).
ـ الحلبيّ: سألت أبا عبد الله عليه السلام: لمَ سُمّي يومُ التروية يوم التروية ؟ قال: لأنّه لم يكن بعرفات ماء، وكانوا يستقون من مكّة من الماء ريَّهم، وكان يقول بعضهم لبعض: تروّيتم ؟ تروّيتم ؟ فسُميّ يوم التروية لذلك (2).
ـ الإمام الصادق عليه السلام: سُمّيت التروية لأنّ جبرئيل عليه السلام أتى إبراهيم عليه السلام يوم التروية فقال: يا إبراهيم، ارتَوِ من الماء لك و لأهلك. ولم يكن بين مكّة وعرفات ماء، ثمّ مضى به إلى الموقف فقال له: اعترف واعرف مناسكك. فلذلك سُمّيت «عرفة»، ثمّ قال له: ازدلِفْ إلى المشعر الحرام، فلذلك سمّيت «المزدلفة» (3).

آية و بيان
ـ عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام في قوله عزّوجلّ: « و شاهدٍ و مشهود » قال: الشاهد يومُ الجمعة، والمشهود يومُ عرفة (4).
ـ وعنه عليه السلام أيضاً في قوله الله عزّوجلّ: « ذلك يومٌ مجموعٌ له الناسُ و ذلك يومٌ مشهود » قال: المشهود يومُ العرفة (5).

الموقف الزكيّ
ـ فقال الإمام جعفر الصادق عليه السلام: عرفة كلّها موقف، وأفضل ذلك سفح الجبل (6).
ـ وعنه عليه السلام كذلك: لا يصلح الوقوف بعرفة على غير طهارة (7).
رُوي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن الوقوف بالحلّ ـ يعني الوقوف بعرفات ـ ولِمَ لم يكن في الحرم ؟ فقال: لأنّ الكعبة بيته و الحرم داره، فلمّا قصدوه وافدين وقفهم بالباب يتضرّعون إليه (8).

التوجّه الحقّ
ـ نظر الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس، فقال: ويْحكم ! أغيرَ الله تسألون في مثل هذا اليوم ؟! إنّه ليُرجى في هذا اليوم لما في بطون الحُبالى أن يكون سعيداً (9).
ـ و في رواية أُخرى: نظر عليه السلام يوم عرفة إلى رجال يسألون، فقال: هؤلاء شرار مَن خلق الله! الناس مقبلون على الله، وهم مقبلون على الناس! (10)
ـ الإمام الصادق عليه السلام: وإنّما تُعجِّل الصلاة وتجمع بينهما لتفرّغ نفسك للدعاء؛ فإنّه يوم دعاء ومسألة. ثمّ تأتي الموقف وعليك السَّكِينة والوَقار، فاحمد الله وهلّله ومجّده وأثنِ عليه، وكبّره مائة مرّة، واحمده مائة مرّة، وسبّحه مائة مرّة، واقرأ «قل هو الله أحد» مائة مرّة، وتَخيَّر لنفسك من الدعاء ما أحببت واجتهد، فإنّه يوم دعاء ومسألة، وتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنّ الشيطان لن يذهلك في موطن قطّ أحبّ إليه من أن يذهلك في ذلك الموطن، وإيّاك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، وأقبِل قِبَلَ نفسك، وليكن فيما تقوله:
«اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ فَلا تَجْعَلْني مِنْ أَخْيَبِ وَفْدِكَ، وَارْحَمْ مَسِيْري إِلَيْكَ مِنَ الفَجِّ العَمِيْق». و ليكن فيما تقول: «اللَّهُمَّ رَبَّ المَشاعرِ كُلِّها، فُكَّ رَقَبَتي مِنَ النَّارِ، وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الحَلالِ، وَادْرَأْ عَنِّي شَرَّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَ الإِنْس» (11).
ـ عن الإمام الرضا عليه السلام قال: كان أبو جعفر الباقر عليه السلام يقول: ما من بَرٍّ ولا فاجر يقف بجبال عرفات، فيدعو اللهَ إلاّ استجاب الله له. أما البَرّ ففي حوائج الدنيا والآخرة، وأمّا الفاجر ففي أمر الدنيا (12).

الشرف السامي
ـ رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ الله تطوّل على أهل عرفات يباهي بهم الملائكة، يقول: يا ملائكتي، انظروا إلى عبادي شُعثاً غبراً، أقبَلوا يضربون إليّ من كلّ فجّ عميق، فاُشهدكم أنّي قد أجبت دعاءهم، وشفّعت رغبتهم، و وهبت مسيئيهم لمحسنهم، وأعطيت محسنهم جميع ما سألني، غير التبعات التي بينهم (13).
ـ رسول الله صلّى الله عليه و آله: من الذنوب ذنوب لا تُغفر إلاّ بعرفات (14).

عند الرحيل
ـ عن الإمام الباقر عليه السلام قال: دعا النبيّ صلى الله عليْه وآله يوم عرفة حين غابت الشمس.. فكان آخر كلامه هذا الدعاء، وهملت عيناه بالبكاء، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أعوذ بك من الفقر، ومن تشتّت الأمور، ومن شرّ ما يحدث بالليل والنهار. أصبح ذُلّي مستجيراً بعِزّك، وأصبح وجهيَ الفاني مستجيراً بوجهك الباقي. يا خيرَ مَن سُئل، وأجود من أعطى، وأرحم من استُرحم، جلّلْني برحمتك، وألبِسْني عافيتك، واصرف عنّي شرّ جميع خلقك (15).
ـ الإمام عليّ عليه السلام: قيل: يا رسول الله، أيّ أهل عرفات أعظم جُرماً ؟ قال: الذي ينصرف من عرفات وهو يظنّ أنّه لم يُغفر له.
ـ قال الإمام الصادق عليه السلام: يعني الذي يقنط من رحمة الله عزّوجلّ (16).

أنفاس صاعدة
ـ الإمام الصادق عليه السلام: إذا غدوتَ إلى عرفة فقل وأنت متوجّه إليها:
«اللهمّ إليك صمدتُ، وإيّاك اعتمدت، ووجهَك أردت، فأسألك أن تبارك لي في رحلتي، وأن تقضيَ حاجتي، وأن تجعلَني ممّن تُباهي به اليوم مَن هو أفضل منّي». ثمّ تلبّي و أنت غادٍ إلى عرفات (17).
ـ وعنه سلام الله عليه قال: يقف الناس بعرفة يدعون ويرغبون، ويسألون الله من فضله بما قدِروا عليه.. حتّى تغرب الشمس (18).
ـ وقال عيله السلام: إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل:
«اللهمّ لا تجعلْه آخِرَ العهد من هذا الموقف، وارزقنيه أبداً ما أبقيتني، واقلِبني اليوم مُفلحاً منجحاً مستجاباً لي، مرحوماً مغفوراً لي، بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وَفدك وحُجّاج بيتك الحرام. واجعلني اليوم من أكرم وفدك عليك، وأعطني أفضلَ ما أعطيتَ أحداً منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لي فيما أرجِعُ إليه من أهلٍ أو مال، أو قليلٍ أوكثير، وبارك لهم فيّ».
فإذا أفضتَ فاقتصدْ في السير، وعليك بالدَّعة، واترك الوجيف (19) الذي يصنعه كثير من الناس في الجبال والأودية (20).

أعمال مباركة
ليلة عرفة: وهي ليلة مباركة وليلة مناجاة قاضي الحاجات، التوبة فيها مقبولة، والدعاء فيها مستجاب بإذن الله ولطفه، وللعامل فيها بطاعة الله تعالى أجرُ سبعين ومائة سنة.. وأعمالها:
1ـ الدعاء الشريف: اللهمّ يا شاهد كلّ نجوى...
2ـ الدعاء المسنون قراءته ليلة الجمعة ونهارها: اللهمّ مَن تعبّأ وتهيّأ...
3ـ زيارة سيّدة الشهداء الحسين بن عليّ عليه السلام.
يوم عرفة: وهو يومٌ دعا الله عبادته لطاعته وعبادته، وبسط لهم موائد إحسانه وجوده.. ولهذا اليوم عدّة أعمال:
1ـ الغسل.
2ـ زيارة الإمام الحسين صلوات الله عليه.. بزيارة خاصّة مثبّتة في كتاب المزار لها كيفيّة معيّنة.
3ـ صلاة ركعتين بعد فريضة العصر تحت السماء، يقرّ فيهما العبد لله تعالى بذنوبه.. ثمّ يشرع في أعمال عرفة ودعواتها المأثورة، وأهمّها:
4ـ دعاء مولانا الحسين سلام الله عليه يوم عرفة.. وأوّله: الحمد لله الذي ليس لقضائه دافع، ولا لعطائه مانع، ولا كصُنعه صُنعُ صانع...
5ـ دعاء سيّدنا الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين عليّ بن الحسين عليه السلام يوم عرفة.. و أوّله ـ كما في الصحيفة السجّاديّة المباركة ـ: «الحمد لله ربّ العالمين، اللهمّ لك الحمد بديعَ السماوات والأرض، ذا الجلال والإكرام...»(21)
6ـ دعاء العَشرات، فهو جدير ألاّ يُترك في آخر نهار عرفة.
7ـ يستحبّ صوم يوم عرفة لمن لا يضعف عن الدعاء.
8ـ كما يستحبّ الاغتسال قبل الزوال.. فإذا زالت الشمس صلّى المرء الظهرين يحسن ركوعهما وسجودهما، فإذا فرغ صلّى ركعتين: في الاُولى بعد الحمد «التوحيد»، و في الثانية بعد الحمد «قل يا أيّها الكافرون».
ثمّ صلّى أربعاً اُخرى، في كلّ ركعة الحمد والتوحيد خمسين مرّة.. و هي صلاة أمير المؤمنين عليه السلام الواردة في أعمال يوم الجمعة.
وهناك أعمال ودعوات اُخرى، بعضها للإمام السجّاد عليه السلام، وبعضها للإمام الصادق عليه السلام ـ كما أوردها العلامة المجلسيّ في بحار الأنوار 228:98 ـ270 (22).
وفّق الله المؤمنين لبلوغ الموقف المبارك، وللتوجّه إلى الدعاء والطاعة بين يدي الله الرؤوف الرحيم.

الهوامش:

1ـ علل الشرائع، للشيخ الصدوق 436.
2ـ علل الشرائع 435.
3ـ المحاسن: 2:65/ ح1181.
4ـ معاني الأخبار، للشيخ الصدوق 298 ـ و الآية في سورة البروج/3.
5ـ معاني الأخبار 298ـ و الآية في سورة هود/103.
6ـ دعائم الإسلام، للنعمانيّ 320:1.
7ـ دعائم الإسلام 320:1.
8ـ كنز الفوائد، للكراجكيّ 81:2 . راجع: الكافي 224:4/ ح2.
9ـ الخصال، للشيخ الصدوق 294:2.
10ـ عُدّة الداعي، لابن فهد الحلّي 47.
11ـ التهذيب 182:5/ ح611. و راجع الكافي 463:4/ ح4.
12ـ قرب الإسناد، للحِمْيريّ 166.
13ـ راجع البحار: 295:99؛ كنز العمّال: 12561.
14ـ الجعفريّات، لابن الأشعث الكوفي 65. دعائم الإسلام 294:1 عن الإمام عليّ عليه السلام.
15ـ قرب الإسناد 12.
16ـ من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق 211:2/ ح2183. الكافي، للشيخ الكلينيّ 541:4/ ح7.
17ـ الكافي 461:4/ ح3. تهذيب الأحكام، للشيخ الطوسي 179:5/ح600.
18ـ دعائم الإسلام 320:1.
19ـ الوجيف: ضرب من سَير الخيل و الإبل سريع (تاج العروس، للزَّبيديّ 517:12).
20ـ تهذيب الأحكام 187:5/ ح622. إقبال الأعمال، لابن طاووس 322.
21ـ الدعاء 47 من الصحيفة السجّاديّة.
22ـ يراجع في التعرّف على جملة أعمال هذه المناسبة: إقبال الأعمال للسيّد ابن طاووس، ومفاتيح الجنان للشيخ عبّاس القمّيّ ـ باب أعمال ليلة عرفة ويومها.

 

 

تصنيف :