الانقسام الاجتماعي بين تأثيرات النخبة وتقصير السلطة | بالعمق

الأحد 13 يوليو 2025 - 09:25 بتوقيت غرينتش

هناك الحديث عن التنوع الثقافي والطائفي والمذهبي الذي كان موجودًا آنذاك، وكيف كان هناك تعايش سلمي حقيقي، بدون الحاجة إلى هذه الشعارات البرّاقة مثل "التعايش" و"الوحدة". فهذا التعايش لم يكن مجرد شعار، بل كان واقعًا حيًّا على الأرض.

خاص الكوثر - بالعمق
 

نعم، قد تحدث بعض التصادمات أو الخلافات، لكن لم تكن على هذا الشكل الحالي الذي أصبح فيه السباق على افتعال الفُرقة، بل والتصنّع والنفاق في الطرح.
في طفولتنا، لم نكن نسمع بكل هذا الكم من المؤتمرات عن التعايش والوحدة، ومع ذلك، كانت الأمور تسير بطبيعية وهدوء. لكن هناك تأثيرات اجتماعية حقيقية ساهمت في بث روح الفُرقة والانقسام. ومن أبرزها: النُّخب.

النخبة، جزئيًا، تتحمل المسؤولية؛ فبدلاً من أن تكون النخبة للنخبة، والفكر للفكر، والقارئ الجيد للقارئ الجيد، أصبح بعض من يحمل أدوات الثقافة يستخدمها في نشر الفُرقة، وكأنه يملك الحق المطلق، أو تفويضًا إلهيًا لفرض رأيه. وهذه نقطة جوهرية: النخب حين تسخّر ثقافتها لتعزيز الانقسام، بدلًا من خلق وعي وحدوي، تتحول إلى أداة هدم لا بناء.

النقطة الثانية المهمة هي: السلطة. فالسلطة، وخاصةً في مجتمعاتنا العربية، ليست سلطة ديمقراطية مؤسساتية واضحة المعالم، لا توجد فيها مراكز أبحاث مستقلة، أو منظومات واضحة لنقل الدولة والمجتمع في مسار تنموي متوازن.
وهنا، بعد عام 2003، كان للسلطة دور كبير في ما حصل، لأنها مسؤولة عن التعليم، والقضاء، والبُنى الاجتماعية، وبث الوعي، وتغذية الفكر.

إقرأ أيضاً:

هاتان النقطتان — النخب والسلطة — هما محوران رئيسيان في تفسير الانقسام والتشظي الذي نعيشه اليوم. بعد ذلك، أصبحت هناك التباسات كثيرة في فهم مفاهيم مثل التسامح والوحدة والفرقة. وأحب أن أؤكد أننا نتحدث هنا عن جغرافيا محددة: جمهورية العراق.

الكثير يظن أن الطائفية ظهرت بعد 2006، لكن بالحقيقة، لو رجعنا بدقة، نجد أن جذور الطائفية تعود إلى ما قبل ذلك بكثير. نعم، كانت هناك بوادر منذ العهد الملكي، لكنها لم تكن علنية، وإنما كامنة، كما تكون الأمراض التي لا تظهر أعراضها إلا لاحقًا.
كأنها مثل مرض السرطان؛ يبدأ خفيفًا ثم ينتشر ويتضخم. ولم تأتِ سلطة قوية تستأصله.

منذ ساطع الحصري، ومرورًا بفترات الثمانينيات والتسعينيات، كانت المشكلة موجودة تحت الطاولة، لأن الدولة لم تكن تستفيد من إثارتها، بل كانت تستخدمها أحيانًا كعجينة تُشكّلها بحسب مصالحها. لكن العراقيين عمومًا، لديهم قابلية للشفاء والبناء السريع. تعرضنا لانتكاسات كبيرة: في 1991، 2003، 2007، 2014... وفي كل مرة، كنا نعود ونحاول النهوض من جديد.

وهنا نأتي إلى فكرة مهمة جدًا:
هذه التجارب المتكررة — رغم قسوتها — جعلت بعض الناس "يتلقحون" فكريًا واجتماعيًا ضد الانقسام. تمامًا كما يُلقَّح الطفل ضد الأمراض. فأصبح هناك نوع من المناعة الفكرية والاجتماعية. أصبح بعض الناس، حتى من عامّة الناس، لا يقتنعون بسرعة بخطاب الكراهية أو الطائفية، وكأنهم قد "تلقحوا" ضد هذه الأفكار، سواء عبر التجربة، أو الوعي، أو الألم.

هذه "اللقاحات" الاجتماعية، وإن لم تكن بيولوجية، لكنها فعليًا أقرب إلى البيولوجيا في تأثيرها على الفكر والعقل والسلوك، سواء عند النخبة أو عند الجمهور العام.

مزيد من الصور

تصنيف :

ذات صلة

المزيد