الكوثر - مناسبات

يحتفل المسلمون بهذا العيد في الثامن عشر من شهر ذي الحجة، إحياءً لواقعة غدير خم التي أعلن فيها النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) تنصيب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وليًا وخليفة من بعده.

  خلفية الحدث

بعد انتهاء حجة الوداع، وبينما كان النبي الكريم  صلى االله عليه وآله وسلم عائدًا إلى المدينة، نزل الوحي يأمره بإبلاغ أمر شديد الأهمية. فجاء قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ" (المائدة: 67).

اقرأ ايضاً

• حديث الغدير
• وفد العتبة العلويّة المقدّسة يسلّم راية الغدير الأغرّ إلى العتبة الرضوية المقدسة

أمر النبي بإيقاف القافلة عند مفترق الطرق في منطقة تُعرف بـ غدير خم، حيث نصب له منبرًا من أحداج الجِمال، وصعد عليه وخطب خطبة شهيرة في جمع غفير من الصحابة. ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب (عليه السلام) ورفعها أمام الناس، وقال:
"من كنت مولاه، فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله..."

عقب ذلك نزل قوله تعالى:
"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا" (المائدة: 3)، ما جعل هذا اليوم تتويجًا للرسالة واكتمالًا للدين.

 الأهمية الدينية والعقائدية

يمثل عيد الغدير نقطة محورية في العقيدة الإسلامية  إذ يؤمنون بأنه الحدث الذي حسم أمر الخلافة الإلهية، وبيّن أن القيادة الدينية والسياسية بعد النبي يجب أن تستمر في سياق الوحي، وليس في السياق القبلي أو السياسي.

كما أن الغدير لا يُفهم فقط كإعلان لشخص، بل كمبدأ لقيادة الأمة على أساس التقوى، والعلم، والعدالة، والكفاءة، لا المحسوبيات أو المصالح الشخصية.

 مظاهر الاحتفال بعيد الغدير

تقام مواكب الفرح والاحتفالات الشعبية في مدن مختلفة من العالم الإسلامي، خاصة في العراق، إيران، لبنان، الهند، باكستان ودول عربية في الخليج الفارسي.

 الغدير ليس مجرد ذكرى تاريخية، بل يمثل مشروعًا حضاريًا يربط الدين بالقيادة الرشيدة. وهو دعوة دائمة إلى مقاومة الظلم، وترسيخ العدالة، ومحاربة الانحراف السياسي.

في عالم تتجدد فيه الأزمات، يقدّم الغدير نموذجًا في الالتزام بالمبادئ مهما كانت التضحيات، ويذكّر المسلمين بضرورة الوحدة على أساس القيم، لا على حساب الحقيقة.

الغدير في التراث الإسلامي

دوّنت عشرات المصادر السنية والشيعية حديث الغدير، وقد ذكر أكثر من 100 صحابي رواية الغدير، مما يثبت شمولية الحدث وانتشاره.

إن عيد الغدير الأغر ليس فقط مناسبة للفرح، بل محطة سنوية لتجديد العهد مع القيم المحمدية الأصيلة، والتأكيد على أن الولاية ليست سلطة، بل أمانة ومسؤولية. وفي وقت تتجدد فيه التحديات، يعود الغدير كنبراس للمؤمنين، يرشدهم إلى طريق الوعي، والعدل، والولاء لله ورسوله وأوصيائه.