المسعفة وفاء البس: الاحتلال منعنا من علاج المصابين

الأربعاء 6 نوفمبر 2024 - 07:59 بتوقيت غرينتش

روت المسعفة وفاء البس، حول الانتهاكات التي ارتكبها جيش الاحتلال خلال حصاره واقتحامه مستشفى كمال عدوان في بيت لاهيا شمال قطاع غزة ورغم الخطر المحدق، بقيت وفاء وأعضاء الطاقم الطبي في قلب المستشفى، يدهم على الجروح النازفة وأعينهم تراقب السماء التي لا تتوقف عن قصفها.

الكوثر - فلسطين

في تلك الليالي الحالكة، وبين أروقة مستشفى كمال عدوان، كانت وفاء البس، المسعفة الشجاعة، تعيش أوقاتًا عصيبة لا تُمحى من الذاكرة. كانت صرخات المصابين تغمر المكان، وصوت القذائف المستمر يهزُّ الجدران. ورغم الخطر المحدق، بقيت وفاء البس وأعضاء الطاقم الطبي في قلب المستشفى، يدهم على الجروح النازفة وأعينهم تراقب السماء التي لا تتوقف عن قصفها.

لم تكن حياة وفاء مجرد مهارة تمريضية؛ بل كانت مهمة مقدسة وموقف لا رجوع فيه. حين دخل جنود الاحتلال إلى المستشفى، فرضوا حصارًا شديدًا، ومنعوا وصول الإمدادات الطبية والغذاء والماء، وحتى الأدوية البسيطة باتت رفاهية لا يمكن الحصول عليها. ومع مرور الساعات، كانت وفاء ترى بأم عينها كيف كانت أرواح المرضى تتسرب من بين أيديهم، إذ لم يكن بإمكانهم إنقاذ الكثيرين ممن نزفوا أو عانوا من مضاعفات خطيرة.

في إحدى الليالي، اقتحم الجنود ساحة المستشفى وسحبوا بعض الأطباء والمسعفين، ظانين أن المستشفى ربما يضم مسلحين أو محتجزين، حسب مزاعمهم. سأل الجنود وفاء مرارًا وتكرارًا، لكنها أجابت بحزم: "هنا مرضى ونازحون، لم يحمل أحد منا سلاحًا سوى الضمادات والأمل."

إقرأ أيضاً

 

ومع كل ساعة تمر، ازدادت حدة الألم الذي شعرت به وفاء؛ ليس ألم الخوف، بل ألم العجز أمام أجسادٍ لا حول لها ولا قوة. أشار أحد الضباط بيده إلى الطاقم الطبي ليقفوا في صف طويل، وبدأ الجنود يتجولون بينهم بالكلاب البوليسية، يُخيفون المرضى وكأنهم يفتشون عن شيء ليس له وجود، بينما كانت الحياة تتلاشى في عيون المرضى الذين ظلوا من دون مساعدة أو ماء.

ورغم الموقف الكئيب، تمسكت وفاء ببصيص من الأمل. كانت تعرف أن كل دقيقة تقضيها إلى جانب المرضى تزرع في قلوبهم بريقا جديدا من القوة. جلست مع نازحة عجوز كانت تقول بصوت واهن، "لن نغادر... هذه أرضنا." ترددت كلماتها كصدى في روح وفاء، فمنحتها ثباتًا وأملًا، رغم اليأس الذي يحاصرهم.

حاولت وفاء بقدر استطاعتها أن تحتفظ بهدوئها، وحتى أن تخفف عن الآخرين. وعلى الرغم من أنها فقدت كثيرًا من زملائها المعتقلين، إلا أنها كانت تدرك أن رسالتها لا تزال حيّة، وأن وجودها بجانب هؤلاء المستضعفين هو عزاء يخفف من وحشة القصف والخوف.

استمرت الأيام الحالكة، وظلت وفاء تقاوم بشموخ، شاهدةً على جرائم طالت من كان يسعى للنجاة فقط. ومع مغادرتها للمستشفى بعد انتهاء الحصار، لم يكن هناك شعور بالانتصار أو النجاة، بل كان هناك عهد في قلبها بأن تستمر في الوقوف مع أهل غزة، تروي قصص من رحلوا، وتحمل رسالتهم إلى كل مكان علَّ العالم يسمع.