الكوثر - صحافة
شهداء وجرحى ومفقودون في العدوان الهمجي على القطاع
لقد قامت الحملة الصهيونية بإخضاع المدنيين الفلسطينيين للعنف بشكل منتظم وعن قصد. فاستهدفت قوات الاحتلال مرافق الرعاية الصحية في غزة التي تعالج المدنيين وتؤويهم، زاعمةً أنّ المسلحين يستخدمون هذه المرافق وأن الرهائن محتجزون فيها (وهو تبرير دعمته وزارة الخارجية الأميركية باعتباره مقنعاً). ودمّرت الغارات الجوية الصهيونية مخيمات اللاجئين الفلسطينيين وأدّت إلى مقتل عشرات المدنيين.
وخلصت الأمم المتحدة والوكالة الأميركية للتنمية الدولية إلى أنّ "إسرائيل" منعت وصول شحنات المساعدات الغذائية إلى غزة، وهو استنتاج يجعل تدفّق شحنات الأسلحة المستمر إلى "إسرائيل" غير قانوني بموجب القانون الأميركي والدولي. وقد استهدف جيش الاحتلال مبنى المدرسة الذي تدعمه الأمم المتحدة خمس مرات، بحجة أنّه كان يستهدف مسلحين. ووفقاً للجنة حماية الصحافيين، قُتل ما لا يقل عن 129 صحافياً وإعلامياً فلسطينياً ولبنانياً، ما يجعل هذه الفترة الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين منذ أن بدأت المجموعة في الاحتفاظ بالسجلات في عام 1992.
وخلال الشهر الفائت، أعاد الكيان 88 جثة فلسطينية مجهولة الهوية إلى غزة على متن شاحنة. وفي وقت سابق من هذا الشهر، بدأت الولايات المتحدة التحقيق في اعتداءات واسعة النطاق بحقّ المعتقلين الفلسطينيين، بعد أشهر من تسرّب مقطع فيديو مصور في معتقل سدي تيمان على وسائل التواصل الاجتماعي.
استمرار معاناة أهالي غزة
أما الأشخاص الذين بقوا على قيد الحياة، فيواجهون أصعب أنواع الحرمان. إذ يعاني نحو مليوني شخص في غزة من الجوع ويخيّم عليهم شبح المجاعة. وبالنسبة للنساء الحوامل، يسهم التوتر والرعب في ارتفاع معدلات الولادات المبكرة، ويتحدّث الأطباء عن موت الأجنّة داخل الأرحام، ووفاة الأطفال حديثي الولادة والرضّع نتيجة سوء التغذية. وقد أدى تدهور ظروف الصحة العامة إلى بروز موجة من الأمراض الجلدية المعدية بين الأطفال، وما تسمّيه الأمم المتحدة "الزيادة المخيفة" في حالات الإصابة بالتهاب الكبد الوبائي. وتسارع منظمة الصحة العالمية إلى تطعيم الفلسطينيين ضد شلل الأطفال بعد أول حالة إصابة مؤكدة في غزة منذ ربع قرن. وهذه كارثة إنسانية تمّ توثيقها والتحقّق منها على مدار العام الماضي من قبل الولايات المتحدة ودول أخرى، والمجتمع الدبلوماسي والقانوني الدولي، والمنظّمات غير الحكومية، ووكالات الأنباء الموثوقة، والفلسطينيين أنفسهم.
إقرأ أيضاً
ذوو البشرة السمراء يطالبون بوقف اطلاق النار في غزة
ففي استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا" في كانون الأول/ديسمبر 2023، أيّد المشاركون السود ( الأميركيون من أصول أفريقية ) بالفعل بأغلبية ساحقة وقفاً فورياً لإطلاق النار، وكانوا أقل ميلاً بكثير من المشاركين البيض لتأييد أيّ عمل يعرض المزيد من المدنيين للخطر. وبالمجمل، كان المشاركون من أصول أفريقية أكثر ميلاً إلى التعاطف مع الفلسطينيين بدلاً من تعاطفهم مع "الكيان"، وأكثر ميلاً إلى الاعتقاد بأنّ "الكيان" ليس "مهتم جدياً بالتوصّل إلى حل سلمي". وفي استطلاع أجرته شبكة "سي بي إس نيوز" في حزيران/يونيو، قال نحو نصف المشاركين من السود إنهم يريدون من الولايات المتحدة تشجيع "الكيان" على وقف عملياته العسكرية بشكل كامل في غزة، في حين أن 34% فقط من المشاركين البيض فعلوا ذلك.
ولم تقتصر هذه المشاعر على الناشطين الشباب واليساريين فحسب، بل عبّرت عنها أيضاً المؤسسات المعتدلة والقديمة التي يمتلكها السود. ففي شباط/فبراير، دعا مجلس الأساقفة، الفرع القيادي للكنيسة الأسقفية الميثودية الأفريقية، إلى إنهاء الدعم الأميركي لـ"إسرائيل" ووقف فوري لإطلاق النار.
مجتمعات السود تتعاطف مع القضية الفلسطينية
وتتمّ مشاركة هذا التعاطف تجاه الفلسطينيين على نطاق واسع عبر مجتمعات السود، من قبل الناشطين السود، والمعلّقين، ورجال الدين، والمتخصصين من جميع الفئات العمرية. ويرجع التماهي مع القضية الفلسطينية إلى ما قبل الصراع الحالي بفترة طويلة، ويرتكز هذا التضامن على عدد من العوامل، لكن العامل الأساسي واضح ويتمثّل في مراقبة السود لما يحدث في غزة واستحضار الأحداث المشابهة التي عايشوها.
لقد أصبح الفلسطينيون في هذا العالم مهمّشين في وسائل الإعلام وفي السياسة، واكتسب النازيون الجدد الجرأة. والنزعة العسكرية وانعدام الإنسانية هما اللذان يشكّلان صادرات الولايات المتحدة الأميركية، كما الأسلحة التي قتلت آلاف الأطفال الفلسطينيين قبل أن يتمكّنوا من تجربة روعة تعلّم ركوب الدراجة. ولذا، ستظلّ الولايات المتحدة ملتزمة بتوفير القنابل التي تقتل الأطفال، حتى في الوقت الذي تدعو فيه – بطريقة أو بأخرى – إلى وقف إطلاق النار.