خاص الكوثر- العلماء المسلمون
بديعُ الزَّمَانِ أَبُو اَلْعِزِّ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ الرَّزَّازِ الجَزَرِيّ المعروف بـ الجَزَرِيّ ، يعتبر من أعظم المهندسين والميكانيكين والمخترعين في التاريخ. يُعزى لهُ أختراع ساعة الفيل، ويُصف بأنه "أبو علم الروبوتات" والهندسة الحديثة ، إذ ساهمت اختراعاته في فتح الباب لظهور كثير من الآلات التي لعبت دورا محوريا في الثورة الصناعية في أوروبا، التي أصبحت عماد المدنية الحديثة. (ولد في حدود 530/1136) بجزيرة ابن عمر ومنها جاء لقبه "الجزري". وكانت هذه الجزيرة جزءا من بلاد الشام، وهي اليوم تتبع تركيا وتقع على الحدود مع سوريا.
يعتبر هذا المهندس من أوائل من فكروا ونجحوا في صنع آلات ذاتية الحركة، تعمل من دون قوة دفع بشرية، وقد احتوى كتابه الذي يعرف اختصارا بكتاب "الحِيَل" على مخططات لمئة آلة ميكانيكية وتوضيحات لكيفية صنع كل واحدة منها.
وقد استخدم الجزري الماء المتدفق وسيلةً لتشغيل آلاته واختراعاته. ويرى المؤرخون أن الجزري حلقة وصل مهمة في تاريخ تطور صناعة الآلات، فقد استفاد من أفكار من سبقوه، وأضاف لها إضافات جعلت تلك الأفكار مهيأة لتنتقل إلى الصورة الحديثة، مثل توصله لأسمى اكتشافاته وهو النظرية التي تقول "إن الحركة الدائرية يمكنها أن تولّد قوة دافعة إلى الأمام". وقد قاده اكتشافه هذا إلى اختراع عمود الكامات (Camshaft)، وهو العمود الذي يدور بضغط مكابس المحرك فتتولد قوة دافعة إلى الأمام كما يحدث في محرك السيارة. استخدم الجزري هذه التقنية في بناء مضخات مياه دافعة وساحبة، تمتعت بتقنية الحركة الذاتية من دون قوة دفع بشرية أو حيوانية، كما استخدمها في صناعة تحف ميكانيكية الحركة غالبا على شكل طاووس حيث استخدمت في قصور بني أرتق حكّام منطقة ديار بكر بتركيا، وكان الجزري يشغل منصب كبير المهندسين في بلاطهم.
إقرأ أيضاً
تلقف الأوروبيون اختراع الجزري بعد قرنين، وبنوا عليه حتى توصلوا إلى اختراع المحرك وبدأ عصر القطارات البخارية، التي كانت العمود الفقري لعصر النهضة والثورة الصناعية الأوروبية في القرون الوسطى.
ومن مساهماته القيمة في مجال تطوير الآلات الزراعية: السلسلة، حيث كان أول من استخدم سلسلة معدنية لتدوير عمود الكامات، وهي التقنية نفسها التي تستخدم في محركات السيارات.
وفي مجال الساعات قدم الجزري اختراعين كانا أساس صناعة الساعات في أوروبا في القرن الخامس عشر الميلادي. الاختراع الأول هو المسنّنات الدقيقة، والثاني هو ميزان الساعة، وهو الجهاز الذي يحافظ على ثبات سرعة دوران المسنّنات، أي أنه يحافظ على عمل أجهزة الساعة بوتيرة واحدة.
أما في مجال الإنسان الآلي، فقد صنع ألعابا على صور أشخاص، تعمل بوظيفة مبرمجة لها مسبقا، وذلك على شكل فرقة موسيقية تطفو على سطح الماء، ويصدر كل منها صوت آلة موسيقية معينة. وقد صنع هذه الآلة خصّيصا لتسلية ضيوف البلاط الملكي في ديار بكر. وفي كتابه تاريخ تطور الإنسان الآلي، وصف مارك إي رتشمان، فرقة الجزري الموسيقية بقوله: "على عكس الإغريق، فإن الأمثلة العربية للإنسان الآلي لا تعكس تطورا مفصليا في التصميم فحسب، بل تعكس توجها لاستخدام الموارد المتاحة لراحة الإنسان".
"الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحِيَل"
وضع الجزري في كتابه "الجامع بين العلم والعمل النافع في صناعة الحِيَل" عصارة عمل دؤوب استمر 25 عاما، ويظهر من طريقة عرضه أن هذا العالم كان يريد للمهتمين من بعده أن يستفيدوا من علمه، حيث وضع بالتفصيل طريقة صنع كل آلة من الآلات التي اخترعها. ترجم الكتاب الذي أبهر الغرب إلى لغات عدة، وهو يُعرض في متاحف عديدة حول العالم مثل تركيا وفرنسا وبريطانيا. وقد طبع الكتاب في القرن السادس عشر في مطبعة عائلة مديشي، التي كانت تحكم فلورنسا بإيطاليا. وكانت هذه العائلة راعية المخترع والفنان الإيطالي الشهير ليوناردو دا فنشي، الذي تقول الموسوعة البريطانية إنه درس كتاب الجزري.