وعد بلفور.. كيف كان تأثيره على الشعب الفلسطيني؟

الخميس 31 أكتوبر 2024 - 14:35 بتوقيت غرينتش
وعد بلفور..  كيف كان تأثيره على الشعب الفلسطيني؟

تعتبر الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية البريطانية عام 1917 إلى اللورد ليونيل روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد باسم وعد بلفور، أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين.

الكوثر_مقالات

وعد بلفور لم يكن وعدًا مجرّدًا، وإنما جاء في قلب سياق طويل؛ هذا الوعد هو أهمّ ما فيه، لأن بقيّة العناصر التي ساهمت أو ساعدت، على نحو مباشر مقصود، أو غير مباشر وفي النتيجة، على إقامة دولة استعمارية غربية تُسمّى "اسرائيل".

وعد بلفورهو تجلي لنوايا استعماريّة قديمة، أو تعبيرًا عن رؤية غربيّة لم تتآكل طوال مئة عام على الأقل، وتبلور فعليًّا في اتجاهين، الأول الهزيمة العسكرية التي وقعت بالدولة العثمانية وما أفضت إليه من تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين واجتراح بريطانيا فترة انتدابها سياسات تكرّس من الوجود اليهودي وتضعف الحركة الوطنية الفلسطينية التي غلبت عليها في حينه النزعة العروبية.

اقرأ ايضا:

والثاني جعل المشروع الصهيوني عنصرًا في مشروع التقسيم الاستعماري، فإن كان تقسم المنطقة العربية من أهداف إقامة "وطن لليهود في فلسطين"، فإنّ هذه المنطقة جرى اقتسامها في اتفاقية سايكس بيكو قبل وقوع الانتداب البريطاني على فلسطين.

وعد بلفور والمأساة الفلسطينية

هنا يمكن أن نشير إلى جملة من المعطيات التي يغالطها الأداء العربي إزاء المأساة الفلسطينية، بهدف التنصّل من المسؤولية التاريخية عن ضياع فلسطين، وتحميل الفلسطينيين أنفسهم وحدهم تلك المسؤولية، إذ لم يكن، إلى حين الاستعمار البريطاني، ثمة دولة للفلسطينيين، الذين أخذوا مجتمعين هذا الوصف (أي الفلسطينيين) فيما بعد على مقاس الحدود الانتدابية، فهوية الشعب، الذي صار بحكم النكبة الشعب الفلسطيني، كانت جزءًا من الحالة السورية الخاضعة للترتيب العثماني الإداري الذي ربط دائمًا ما بين المدن الفلسطينية وتلك السورية واللبنانية وفي حدات إدارية واحدة.

فالذين هُزموا ابتداء هم العثمانيين، وإن كانت هزيمتهم غير منفصلة عن حركة "الثورة العربية الكبرى" التي أسسها البريطانيون وانتهت فيما انتهت إليه إلى احتلال فلسطين، ثم تكرّست الهزيمة لاحقًا، بهزيمة الجيوش العربية في حربي العام 1948، و1967، وهنا تجدر الإشارة إلى نقطتين.


الأولى؛ أن الانتداب البريطاني لم يُقم للفلسطينيين وحدة إدارية تكون نواة لمشروع استقلالهم، بينما أنشأ الانتداب، البريطاني والفرنسي، حكومات في ظلّه في البلاد العربيّة الأخرى، والمعنى من ذلك، أنّه لم يكن للفلسطينيين حكومة تُدافع عنهم وتقاتل الحركة الصهيونية إبّان النكبة، سوى ما كان من تجمعات نضالية شعبية طوعية.

انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين

الثانية؛ أن الدول المستقلة عن الانتدابين البريطاني والفرنسي، والتي بعضها طفح ناتئ على وجه التاريخ لا معنى لوجوده منفردًا عن سياق عربي أكبر، تماهت تمامًا مع التقسيم الاستعماري، ولم تنظر للمأساة الفلسطينية في بعدها التقسيمي الاستعماري، الذي أسس تلك الدول في طريقه لإقامة "وطن قومي لليهود في فلسطين" يُفترض أن من أهدافه خلق شقّ كبير في جغرافيا العرب الكبرى، وبالتالي كان ثمّة شكّ عميق في جديّة تلك الدول في موقفها من الوجود الصهيوني في فلسطين.

القضية الفلسطينية هي القضية المركزية

لا تستقل القضية الفلسطينية عن القضية العربية، لا في جذورها التاريخية ولا في واقعها الجاري، وكلا المسألتين انبثاق عن لحظة استعمارية هُزم فيها المسلمون والعرب، وقد كان وعد بلفور تعبير عن تلك الحقائق المتجسّدة في انتصار المستعمرين وتحويل رؤاهم بخصوص منطقتنا إلى وقائع، وإن كان الأمر كذلك، فإنّ الحلّ يكون بإعادة الاعتبار لوحدة القضيتين، وتفكيك الأساس الاستعماري الذي أفضى إليهما.