شبكة "بي بي سي" البريطانية تنشر تقريراً للكاتب والصحافي توم بيتمان، يتحدث فيه عن ولاء الرئيس الأميركي ودعمه المطلق لـ "إسرائيل"، وتعنّت رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بشأن التوصّل إلى صفقة وقف إطلاق النار، وعدم وجود خطة واضحة لدى المرشحَين للرئاسة هاريس وترامب لوقف الحرب.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية بتصرف:
بعد مرور عام على هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر وبدء الهجوم الإسرائيلي على غزة، أصبح جو بايدن أول رئيس أميركي يزور "إسرائيل" خلال الحرب. وشاهدتُه وهو يحدّق، عبر كاميرات التلفزة، بعد لقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومجلس الوزراء الحربي في "تل أبيب"، قائلاً: "أنتم لست وحدكم"، إلّا أنّه حث قادة البلاد على عدم تكرار الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة "الغاضبة" بعد أحداث الـ11 من أيلول/سبتمبر.
اقرأ ايضا:
الهزيمة المزدوجة للكيان الصهيوني في الحرب وإدارة الأزمات
بايدن ونتنياهو قلقان من الرد الإيراني القوي
وفي أيلول/سبتمبر من هذا العام، ناشد الرئيس بايدن في الأمم المتحدة في نيويورك رؤساء الدول حثَّ "إسرائيل" وحزب الله على ضبط النفس. فأجابه نتنياهو قائلاً إنّ الذراع الطويلة لـ"إسرائيل" يمكن أن تصل إلى أي مكان في المنطقة.
وبعد تسعين دقيقة، أطلق الطيارون الإسرائيليون قنابل "خارقة للتحصينات" مقدَّمة من الولايات المتحدة على مبانٍ في ضاحية بيروت الجنوبية، وأدّى الهجوم إلى اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله. فشكّل هذا الأمر أهم نقطة تحوّل خلال العام منذ شنّ حماس هجومها على "إسرائيل"، في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. وتمّ دفن دبلوماسية بايدن تحت أنقاض غارة جوية إسرائيلية استُخدمت فيها قنابل أميركية.
أمضيتُ أفضل جزء من العام في مراقبة الدبلوماسية الأميركية من كثب، ومرافقة وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في رحلاته لمنطقة الشرق الأوسط، حيث عملت مدة سبعة أعوام، حتى كانون الأول/ديسمبر الفائت، إلى جانب صحافيين آخرين.
الانتصارات والهزائم
في أثناء تغطيتي الأحداث التي تشهدها وزارة الخارجية الأميركية، شهدتُ محاولة إدارة بايدن دعم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وكبح جماحه في الوقت عينه. لكن هدفها، المتمثل بنزع فتيل الصراع والتوسط في وقف إطلاق النار، استعصى على الإدارة عند كل منعطف.
ويزعم مسؤولون في إدارة بايدن أنّ الضغوط الأميركية غيّرت "مسار عملياتها العسكرية"، في إشارة محتملة إلى اعتقاد داخل الإدارة أنّ الغزو الإسرائيلي لرفح في جنوبي غزة كان محدودًا أكثر مما كان يمكن أن يكون عليه، حتى مع تحول جزء كبير من المدينة اليوم إلى أنقاض.
قبل غزو رفح، علّق بايدن إرسال شحنة واحدة من القنابل تزن الواحدة 2000 رطل و500 رطل في محاولته ثني الإسرائيليين عن شن هجوم شامل. لكنه واجه على الفور رد فعل عنيفاً من الجمهوريين في واشنطن، ومن نتنياهو نفسه، والذي بدا كأنه يقارنه بـ"حظر الأسلحة". ومنذ ذلك الحين، رفع بايدن التعليق جزئياً ولم يكرره أبداً.
وتؤكد وزارة الخارجية أنّ ضغوطها أدّت إلى تدفق مزيد من المساعدات، لكن تقارير الأمم المتحدة وثّقت ظروفاً تشبه المجاعة في غزة، في وقت سابق من هذا العام.
وفي المنطقة، تولّى أنتوني بلينكن، كبير الديبلوماسيين، معظم عمل بايدن، فقام بعشر رحلات إلى الشرق الأوسط منذ تشرين الأول/أكتوبر، في جولات دبلوماسية متسارعة، وهو الجانب المرئي من الجهد المبذول، إلى جانب العمل السري الذي تقوم به وكالة الاستخبارات المركزية، في محاولة لإتمام اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين "إسرائيل" وحماس.
إلاّ أنني شهدت محاولات متعددة لإنهاء الصفقة. فخلال زيارة بلينكن التاسعة، في آب/أغسطس، بدت الرحلة كأنها تنهار بعد أن زعم نتنياهو أنّه "أقنع" بلينكن بالحاجة إلى إبقاء القوات الإسرائيلية على طول حدود غزة مع مصر كجزء من الاتفاق. وكان هذا بمنزلة كسر للصفقة بالنسبة إلى حماس والمصريين. واتهم مسؤول أميركي نتنياهو بمحاولة تخريب الاتفاق عملياً، فغادر بلينكن الدوحة وأُجهضت الصفقة وعدنا إلى واشنطن. وخلال رحلته العاشرة إلى المنطقة، الشهر الفائت، لم يقم بلينكن بزيارة "إسرائيل".
دبلوماسية سطحية
بالنسبة إلى المنتقدين، بمن في ذلك بعض المسؤولين السابقين، فإنّ دعوة الولايات المتحدة إلى إنهاء الحرب، مع تزويد "إسرائيل" بما لا يقل عن 3.8 مليارات دولار (2.9 مليار جنيه استرليني) من الأسلحة سنوياً، بالإضافة إلى الموافقة على طلبات تكميلية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، كانت بمنزلة فشل في استخدام النفوذ، أو تناقض صريح.
ووفقاّ لضابط الاستخبارات السابق، هاريسون جي. مان، وهو رائد في الجيش الأميركي، عمل في قسم الشرق الأوسط وأفريقيا في وكالة الاستخبارات العسكرية، فإنّ "القول إنّ الإدارة الأميركية مارست الديبلوماسية هو أمر صحيح بالمعنى الأكثر سطحية، من خلال عقدها كثيراً من الاجتماعات، لكنها لم تبذل قط أي جهد معقول لتغيير سلوك أحد الأطراف الرئيسة، وهو إسرائيل". واستقال مان في وقت سابق من هذا العام، احتجاجاً على الدعم الأميركي للهجوم الإسرائيلي على غزة، وعلى عدد المدنيين يالذين قُتلوا باستخدام الأسلحة الأميركية.
ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، إنّ دبلوماسية بايدن بلغت مستوى غير مسبوق من الدعم، مشيراً إلى الانتشار العسكري الأميركي الضخم، بما في ذلك مجموعات حاملة الطائرات، وغواصة تعمل عبر الطاقة النووية، الذي أمر به في أعقاب السابع من تشرين الأول/أكتوبر، لكنه يعتقد أنّ بايدن لم يتمكن من التغلب على مقاومة نتنياهو، مصرحاً: "في كل مرة كان يقترب من ذلك، وجد نتنياهو بطريقة أو بأخرى سبباً لعدم الامتثال. وبالتالي، فإنّ السبب الرئيس لفشل هذه الديبلوماسية كان المعارضة المستمرة لنتنياهو".
ويشير أولمرت إلى أنّ حجر العثرة أمام التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار هو اعتماد نتنياهو على المتطرفين في حكومته، والذين يدعمونه، وهم يطالبون برد عسكري أقوى في غزة ولبنان. وهدد وزيران من اليمين المتطرف هذا الصيف بسحب الدعم لحكومة نتنياهو في حال وقّع اتفاق وقف إطلاق النار.
ويضيف أولمرت: "يُعَدّ إنهاء الحرب، كجزء من اتفاق إطلاق سراح الأسرى، تهديداً كبيراً لنتنياهو، وهو غير مستعد لقبوله. لذا، فهو يعرقله طوال الوقت".
مسألة نفوذ
مهما كانت الدبلوماسية مكوكية، فإنّ العلاقة بين الرئيس الأميركي ونتنياهو شهدت تحولاً كبيراً. وعرف الرجلان، أحدهما الآخر، منذ عقود، وكانت الديناميكيات في كثير من الأحيان مريرة، وحتى مختلة، لكن مواقف بايدن تسبق حتى علاقته برئيس الوزراء الإسرائيلي.
فهو مؤيد متحمس لـ"إسرائيل"، وغالباً ما يتحدث عن زيارته لها عندما كان عضواً شاباً في مجلس الشيوخ في أوائل السبعينيات. ويشير المؤيدون والنقاد، على حد سواء، إلى دعم بايدن الكبير لـ"الدولة" اليهودية، إذ يعدّه البعض عائقاً، بينما يعدّه البعض الآخر رصيداً.
بالنسبة إلى منتقدي الرئيس بايدن، فإنّ أكبر فشل له في استخدام نفوذه على "إسرائيل" كان بسبب حجم إراقة الدماء في غزة. وفي العام الأخير من ولايته الوحيدة، خرج آلاف المتظاهرين، والكثير منهم من الديمقراطيين، إلى الشوارع الأميركية والحرم الجامعي، تنديداً بسياساته، حاملين لافتات "جو الإبادة الجماعية".
ويقول رشيد الخالدي، أستاذ قسم إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة في جامعة كولومبيا في نيويورك، إنّ عقلية بايدن، التي تدعم موقف الإدارة، تشكّلت في وقت كان يُنظر فيه إلى "الدولة" الإسرائيلية الناشئة على أنّها معرضة لخطر وجودي مباشر. ويشير إلى أنّ "الدبلوماسية الأميركية كانت في الأساس قائمة على أنّه مهما كانت مطالب الحرب الإسرائيلية ومتطلباتها، فسنقدمها إليها. ولأنّ هذه الحكومة الإسرائيلية تسعى لخوض حرب لا نهاية لها على ما يبدو، لأنها حددت أهدافاً لا يمكن تحقيقها، بما في ذلك تدمير حماس، فإنّ الولايات المتحدة هي بمنزلة عربة مربوطة بحصان إسرائيلي".
ويعتقد الخالدي أنّ نهج بايدن تجاه الصراع الحالي تمت صياغته من خلال مفهوم بالٍ لتوازن قوى الدول في المنطقة، وأهمل تجربة الفلسطينيين منعدمي الجنسية، قائلًا: "أعتقد أنّ بايدن عالق في فترة زمنية أطول كثيراً. فهو لا يستطيع رؤية أمور مثل… 57 عاماً من الاحتلال، والمذبحة في غزة، إلا من خلال عدسة إسرائيلية".
واليوم، كما يقول البروفيسور الخالدي، شاهد جيل من الشبان الأميركيين ما يحدث في غزة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وكثيرون منهم لديهم وجهة نظر مغايرة جذرياً.
أمّا كامالا هاريس، البالغة من العمر 59 عاماً وخليفة بايدن كمرشحة ديمقراطية في الانتخابات الرئاسية، التي ستجري الشهر المقبل، ضد دونالد ترامب، البالغ من العمر 78 عاماً، فهي لا تحمل أفكار ذاك الجيل نفسها.
ومع ذلك، لم يضع أي من هاريس أو ترامب أي خطط محددة تتجاوز ما هو قيد التنفيذ، بالفعل، بشأن كيفية التوصل إلى اتفاق. قد تشكل الانتخابات نقطة التحول التالية في هذه الأزمة المتصاعدة بصورة حادّة، لكن، كيف لم يتضح بعدُ الحل المحتمل لهذه الأزمة؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي قناة الكوثر وإنما تعبّر عن رأي الصحيفة حصراً