الكوثر - فلسطين
الصهاينة ارتكبوا مجازر مروعة ضد أصحاب الأرض الأصليين في فلسطين. أحداث "النكبة" عام 1948 وما تلاها لم تكن سوى سلسلة من الجرائم الهادفة لإفراغ فلسطين من شعبها الأصلي، في محاولة لجمع "الشتات اليهودي" في بلاد الشام التي يزعمون أنها "أرض الميعاد". ومن هنا تنطلق الأيديولوجية الصهيونية القائمة على تدمير فلسطين عبر استبدال الشعب الفلسطيني بشعب آخر، واستبدال ثقافته وحضارته بثقافة صهيونية، تحت مظلة ما يُعرف بالتفويض الإلهي، الذي يبرر في التوراة قتل غير اليهود.
وبحسب الأدبيات الدينية التلمودية التي تتغلغل فيها مفاهيم الجريمة والعنف، فإن وجود الشعوب غير اليهودية مرتبط بهدفين؛ الأول: إذا لم يطع بنو إسرائيل أوامر "يهوه" فإنهم سيهزمون. والثاني: هزيمة الشعوب غير اليهودية بالاعتماد على النصوص الدينية. ووفقًا لهذا المنطق، يُسمح لليهود بالتمتع بالنصر عبر ثلاث وسائل: القتل، التهجير، أو الاستعباد.
مع كل مجزرة تُرتكب بحق الأبرياء الفلسطينيين على يد الكيان الصهيوني، يتبادر إلى الذهن سؤال حول حركات المقاومة: لماذا لا يتم استهداف المدنيين الصهاينة، ولماذا لا يُقتلون كما يُقتل الفلسطينيون، أو تُهدم منازلهم فوق رؤوسهم؟
البُعد الأخلاقي
بما أن كل حركة أو منظمة تمتلك أفكارها، وإيديولوجيتها، وتوجهاتها السياسية الخاصة التي تسعى لتحقيقها، فإنه لا يوجد موقف موحد بين مجموعات المقاومة بشأن استهداف المدنيين الصهاينة. ومع ذلك، ما يجمع بين تلك التشكيلات هو أنها تتبع الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية جنيف (1949)، التي تؤكد على حماية العناصر غير العسكرية في ساحات القتال.
قد يظهر الكيان الصهيوني هنا كمُكوِّن لا يحمل معنى "الدولة"، ليس فقط لأنه وُجد في أرض غير أرض فلسطين، ولكن أيضًا لأنه يتجاوز حدود احترام الاتفاقيات الدولية، حيث يمارس العنف بشكل مفرط في جميع أشكاله. وقد رأينا كيف يبرر حلفاؤه، بما في ذلك الولايات المتحدة، هذه الجرائم تحت عناوين مختلفة مثل "الأضرار الجانبية".
إن هناك تناقضًا غريبًا: فبينما تعير المقاومة الفلسطينية اهتمامًا للاتفاقيات الدولية التي لم توقع عليها، نجد أن الكيان الصهيوني ينتهكها بشكل صارخ.
هذا الوضع لا ينطبق على حزب الله، على الرغم من أنه يدرك أنه لا يوجد مدنيون حقيقيون في الكيان الصهيوني. تعريف "المدني" في سياق الحرب ينطبق على أولئك الذين لا يمثلون قيمة لأي من أطراف النزاع، وهذا التعريف لا ينطبق على النظام الصهيوني. ومع ذلك، يلتزم حزب الله بمعايير أخلاقية، حيث يقاتل ولا يقتل، وهذا ما شهدناه على الحدود الشمالية مع فلسطين المحتلة.
رغم أن حزب الله ملتزم، من الناحية الهيكلية، بمبادئ الإنسانية التي تم إنتاجها حتى من قبل النظام الدولي، فإن الاحتلال الصهيوني يمتلك نظرة مختلفة تمامًا. على سبيل المثال، ينقل الباحث الصهيوني شاحاك في كتابه "تاريخ اليهودية" حديثًا بين جندي صهيوني ورجل دين، حيث يسأل الجندي: "هل هناك حالات يمكننا فيها اختبار نقائنا رغم امتلاكنا للسلاح؟" (في إشارة إلى تجنب قتل الأطفال والنساء أو المدنيين بشكل عام). يأتي رد الحاخام: "أفضل غير يهود هم الذين يُقتلون".
منذ عام 2006 الكيان الصهيوني يعتمد "عقيدة الضاحية"
استراتيجيًا، رغم أن الحقائق تشير إلى أن الكيان الصهيوني قد اعتمد "عقيدة الضاحية" منذ عام 2006، أي تدمير كل ما يمكن تدميره، إلا أنهم أظهروا فشلًا استراتيجيًا بسبب تركيز أسلحتهم على استهداف المدنيين بدلاً من قوات المقاومة.
بالنسبة لحزب الله، فهو يدرك تمامًا ما يمكن أن يسبب الأذى للصهاينة. استهداف المراكز العسكرية، مثل القواعد الجوية والمستودعات، يسبب خسائر مالية ضخمة، ويعطل القدرات المستخدمة في العمليات العسكرية، بينما استهداف الجنود يعني تكبيد الاحتلال خسائر بشرية، مما يزيد من شعور التردد بين الصهاينة للانضمام إلى الجبهات.
فيما يتعلق باستهداف المدنيين الصهاينة، قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية، إذ يزيد من تضامنهم ويثير ردود فعل دولية غاضبة. اليوم، هناك مظاهرات مستمرة في الكيان الصهيوني حيث تطالب عائلات الجنود الذين خطفهم حماس بعودة أبنائهم، لكن المسؤولين لم يقدموا أي رد.
حزب الله لا يستهدف التجمعات الحاشدة بشكل شامل، ولكن إذا تفاقم النزاع واستمر الصهاينة في ارتكاب المجازر، فقد تتلاشى الحدود بين العسكريين والمدنيين.