من الإرهاب النوعي إلى الإرهاب الكمي

الأربعاء 18 سبتمبر 2024 - 15:25 بتوقيت غرينتش
من الإرهاب النوعي إلى الإرهاب الكمي

بعد ظهر الثلاثاء، واجه اللبنانيون حادثة غريبة، انفجارات لم تكن كالعادة لم ينهار أي مبنى ولم يتم اغتيال أي شخصية مهمة، لكن هذه المرة كانت الانفجارات بحجم صغير وبكمية كبيرة، في المنازل والمحال التجارية والسيارات والأزقة والشوارع... وعلى التوالي! في الدقائق الأولى من الانفجار.

الكوثر - مقالات

أصيب الناس بالصدمة لتيبين فيما بعد  أن أجهزة الاستدعاء المخروقة "بيجر" هي التي انفجرت،  وهناك عدة نقاط مهمة حول هذه الحادثة الغريبة وغير المسبوقة:

اولاً أهمية شبكة اتصالات حزب الله

في عام 2008، بعد أن قام فؤاد السنيورة، رئيس وزراء لبنان آنذاك، بتعطيل نظام اتصالات حزب الله في خطة أمريكية إسرائيلية، أدان الحزب ذلك بشدة ووصف شبكة اتصالاته بأنها سلاحه، و ثم حادثة 7 مايو، حيث استخدم حزب الله أسلحته داخل لبنان لأول مرة منذ تسعينيات القرن الماضي،  سلاح تم استخدامه دائما ضد  الكيان الصهيوني والاعداء الاجانب.

ثانياً : التخطيط الدقيق للجريمة

 تظهر نوعية الحادث والأحداث اللاحقة بها التخطيط الامني الدقيق لها،  وكانت الخطوة الأولى فيها  هي إصابة أجهزة النداء "البيجر"  ثم ساعة الصفر والانفجار.

 والخطوة التالية هي تحديد اعضاء  حزب الله، وفي الحقيقة بعض من تعرض للحادث لم يمتلك جهاز النداء "البيجر" ، لان ليس كل عضو عادى في الحزب لديه جهاز "البيجر"

 يجب أن يكون لدى المرء الحد الأدنى من الأهمية التي يحتاجها للتواصل الداخلي، عدا عن أنه في بلد صغير كلبنان من خلال تحديد هوية الشخص، يمكنك الوصول إلى شبكة واسعة من الأشخاص المرتبطين به.

الا ان ساعة الصفر لبدء العملية  تصل ساعة وتنفجر أجهزة الاستدعاء وتخرج جميع أنواع الصور من كاميرات المراقبة والهواتف المحمولة، عدا عن الجواسيس المتواجدين في كل لبنان ومن خلال تواجدهم في مكان الحادث، يقومون بتسجيل   الضحية،لكن هذه ليست القصة بأكملها، فبعد   ساعات من الحادثة، بدأ سيل المكالمات من قبل اللبنانيين واتصلوا با صدقائهم وأقاربهم في الحزب للاطمئنان على صحتهم، وكانت هذه طريقة أخرى للتعرف على أعضاء الحزب؛ من قبل وكالة المخابرات الإسرائيلية، ووصل الأمر إلى درجة أن وسائل التواصل الاجتماعي المرتبطة بحزب الله طلبت من الناس الامتناع عن مثل هذه الاتصالات  ومراعاة الجانب الامني.

ثالثاً: التغير في العمليات الأمنية كماً ونوعاً

وتظهر هذه العملية الأمنية غير المسبوقة شكلا ومستوى جديدا لعمليات التجسس الإسرائيلية، عادة ما تحدد إسرائيل هوية الشخص أو الأشخاص في هجماتها الأمنية؛ ثم، بمساعدة التكنولوجيا المتفوقة والجواسيس المحليين، تراقب الموضوع وتجري العملية عند ساعة الصفر.

لكن في هذه العملية، ذهب الاختراق الأمني للكيان الصهيوني  إلى أبعد من ذلك وبهذه الطريقة، ومن دون الحاجة إلى جواسيس صغار،  اخترق  نظام اتصالات حزب الله   من المصدر ونفذ العملية، في المقابل، واستناداً إلى نظرية الفيل والبعوضة، ذهبت إسرائيل لتحقيق أهداف قليلة هذه المرة، موضحا أنه وفقا لهذه النظرية فإن بعض الأهداف ليس لها كمية كبيرة، ولكن لها حمل نوعي مهم. وبعض الأهداف، على الرغم من أنها لا تحتوي على حمل عالي الجودة، إلا أنها تحتوي على كمية كبيرة، وخلافاً لمعظم هجماتها الأمنية التي تستهدف أهدافاً نوعية، ركزت إسرائيل هذه المرة على أهداف كمية.

رابعاً: التضامن النسبي للبنانيين

ومن الأحداث المميزة التي حصلت بعد هذا الحادث تضامن مختلف فئات الشعب اللبناني مع ضحايا الحادث، خلال هذه الأشهر الثمانية، لم تدعم بعض من فئات  المجتمع اللبناني  حزب الله والمقاومة، وأظهر ذلك بطرق عديدة: من إلقاء اللوم على حزب الله لدخوله الحرب، إلى رفع رايات "لبنان لا يريد الحرب". الحرب) وحتى عدم تقديم التعازي للحزب بعد استشهاد قادته و... لكن بعد هجوم يوم الثلاثاء أبدت العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية اللبنانية تعاطفها مع الجرحى والشهداء. حتى الأشخاص الذين لا تربطهم علاقة جيدة بالمقاومة وحزب الله. من الحزب الدرزي الاشتراكي التقدمي إلى النائبة بولا يعقوبيان، وجبران باسيل رئيس حزب الحركة الوطنية الحرة... وهو أمر له أهمية كبيرة خاصة  بعد الهمسات عن حرب كبيرة بين حزب الله والكيان الصهيوني.

خامساً: الحرب الأمنية أو كعب أخيل للمقاومة

شئنا أم أبينا، أصبحت الحرب الأمنية بمثابة كعب أخيل للمقاومة، إن فشل الكيان الصهيوني أمام حرب عسكرية واسعة النطاق وإحجام المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، عن مثل هذه الحرب، يدفع إسرائيل أكثر فأكثر نحو المواجهة الأمنية. وهو ما يكون في بعض الأحيان لصالح كيان  الاحتلال. بما في ذلك استهدافامور مهمة كمياً أو نوعياً وإزالة القوى المؤثرة، والتباهي بهيمنتها الأمنية الفريدة، وضرب كرامة محور المقاومة وإضعاف ثقته بنفسه، وتدمير ثقة شعوب دول المحور في قادتها، وإبقاء الأمل حياً. إلى النصر في المجتمع الإسرائيلي و... وهذا إذا كان يعلم أن الطرف الآخر في كثير من الأحيان ليس لديه القدرة على الرد فحسب؛ ولكن ليس لديه حتى النية لذلك! ويبدو أن محور المقاومة ليس أمامه خيار سوى معالجة كعب أخيل هذا، سواء في الجانب الدفاعي  أو في الجانب الهجومي والعمليات الأمنية المتبادلة، وإلا فإنه سوف يعلق تدريجياً في مضيق يصعب الخروج منه.

سادساً : اللغز القادم للعملية

بعد عملية الثلاثاء، هل علينا أن ننتظر عمليات مماثلة في دول محور المقاومة الأخرى؟ هل تبدأ الحرب الكبرى بين حزب الله ولبنان أخيراً؟ هل سيظهر حزب الله "رد فعل" متوازنا على هذا "العمل" القاتل لإسرائيل هذه المرة؟ أم أنها ستكتفي بزيادة التوترمثلما ردت على عملية  اغتيال فوادشكر؟ أسئلة مهمة وإجاباتها غير مؤكدة! والواضح أن حزب الله لا يسعى إلى الحد الأقصى من التوتر وحرب واسعة النطاق. إن الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان، والوضع السياسي لحزب الله، والأهم من ذلك، الدور المركزي للجمهورية الاسلامية الايرانية في حرب طوفان الأقصى، كلها قضايا تسير جنباً إلى جنب وتمنع حزب الله من حرب واسعة النطاق. ومن ناحية أخرى، فإن التحليلات مختلفة. ويعتقد البعض أن إسرائيل لا تسعى إلى حرب واسعة النطاق مع حزب الله. لأنها تعلم أن حزب الله هذا أقوى وأخطر بكثير من حزب الله عام 2006. والدليل هو أنه خلال   الأشهر الثمانية المضاية، سيطر الكيان على مستوى التوتر مع حزب الله في العمليات العسكرية - وليس العمليات الأمنيةـ لكن البعض الاخر  يعتقد أن ظروف حرب غزة  لم يترك لنتنياهو أي خيار سوى شن هجوم واسع النطاق ومدمر على لبنان وجر المنطقة، بما في ذلك الولايات المتحدة، إلى حرب شاملة.

على أية حال، ما هو واضح هو أن حزب الله، رغم خسارته قادته ومقاتليه، ورغم اختلال توازن القوى في مواجهة الكيان الصهيوني، لعب دوراً مهماً في الأشهر الثمانية هذه بعد عملية "طوفان الأقصى" .

ومن الواضح أيضًا أن الحرب المستقبلية المحتملة مع إسرائيل تعني نهاية التوتر الخاضع للسيطرة،وهذا يعني الكشف عن العديد من الصفحات المخفية للحزب،  والتي  رفض الكشف عنها خلال الفترة السابقة  بسبب سياسة التوتر المسيطر عليه. على أية حال، وكما قال سيد المقاومة: ينبغي للمرء أن يتوقف وينتظر؛ وما يحكم هو الميدان والعمل؛ لا وعود ومطالبات!

بقلم : محمد سامان اقدامي