لقد كان للصلح أسبابه ودوافعه، ولا يمكن تركه أو الحياد عنه بأی شكل من الأشكال، ولم يكن الوضع يسمح بالاستشهاد آنذاك، أن الظروف لم تكن تسمح للاستشهاد أبداً، ومن المعلوم أنّ كل قتلة لا تعد شهادة، بل إنّ القتل بشروط معينة يعتبر شهادة، وهذه الشروط لم تكن متوفرة آنذاك، ولو فرضنا أنّ الإمام الحسن (ع) قتل فی تلك الظروف فسوف لا يحتسب شهيداً.
وتابع سماحة القائد : انّ عهد الإمام المجتبى (عليه الصلاة والسلام)، وحادثة صلح هذا الإمام العظيم مع معاوية، أو ما يسمى بالصلح، تعتبر حادثة مصيرية وليس لها نظير فی جميع مناهج الثورة الإسلامية فی صدر الإسلام، فالثورة الإسلامية، تعنی الفكر الإسلامي والأمانة التي أرسلها الله تعالى للناس وأطلق عليها الإسلام، وقد برزت في عهدها الأول بعنوانها حركة فی إطار نهضة ومقاومة ثورية عظيمة، وذلك بالتزامن مع إعلان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) عن هذا الفكر في مكة، وقد أصطف أعداء الفكر التوحيدي والإسلامي لمقاومة ذلك؛ ليمنعوا هذا الفكر من التقدم، فقام الرسول (ص) من خلال دعوة القوى المؤمنة بتنظيم هذه الثورة، فأوجد مقاومة واعية وقوية ومتطورة جداً في مكة، دامت ثلاثة عشر عاماً، وهذا كان هو العهد الأول من الرسالة.
وبعد ثلاثة عشر عاماً، أصبح هذا الفكر فی إطار حكومة ونظام، وتحول إلى نظام سياسي وحياتي لأمّة كاملة؛ نتيجة لتعليمات الرسول (ص) وشعاراته وتنظيماته وتضحياته ومجموعة العوامل الأخرى التی توفرت، وكان ذلك فی الوقت الذي تشرف فيه رسول الله (ص) بالقدوم إلى المدينة، وجعل له قاعدة فيها، ونشر من خلالها الحكومة الإسلامية، وتحول الإسلام إلى ثورة ودولة، وهذا هو العهد الثاني من الرسالة.
فأي شخص - حتى أمير المؤمنين (عليه السلام) نفسه - إذا كان في محل الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، وعاش تلك الأوضاع، لا يمكن أن يعمل عملاً غير الذي عمله الإمام الحسن، ولا يمكن لأحد أن يدّعي أنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قد أخطأ في جانب من جوانب عمله، كلا فإنّ عمل ذلك الإمام العظيم قائم على الاستدلال المنطقي مئة بالمائة، وغير قابل للتخلّف والاختلاف.
واضاف سماحة الامام الخامنئي : صلح الإمام الحسن المجتبى (عليه الصلاة والسلام) أدّى إلى تنظيم الأمور بشكل واعٍ وذكي، بحيث منع الإسلام والتيار الإسلامي من الورود في القناة الملوّثة التي كان ظاهرها الخلافة وحقيقتها السلطنة، وكان هذا هو الفن الذي مارسه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، فقد عمل (عليه السلام) عملاً يمنع من دخول التيّار الإسلامي الأصيل - الذي انطلق من مكة إلى أن وصل عهد الإمام أمير المؤمنين وعهده - في تيار آخر، وهو وإن لم يكن في إطار حكومة - لعدم إمكانية ذلك حينذاك – إلاّ أنه كان في إطار تيّار ثوري، وهذا هو العهد الثالث للإسلام، لقد عاد الإسلام بإطاره الثوري مرّة أخرى، وبقي الإسلام في هذا الإطار خالصاً وأصيلاً، لا يقبل المهادنة، بعيداً عن التحريف، منزّهاً من الوقوع في التلاعب والأهواء.