السينما الفلسطينية.. قرن من النضال ضد الانتداب والاحتلال و المنفى

الأربعاء 7 أغسطس 2024 - 10:00 بتوقيت غرينتش
السينما الفلسطينية.. قرن من النضال ضد  الانتداب والاحتلال و المنفى

طوال 150 عاماً أو أكثر، بدأت خطة تحويل فلسطين - الخطة الأشهر ذات الثغرات المتنوعة - إلى سجن كبير، بحواجز كثيرة وأسلاك شائكة وجدار يفرق العائلات ويشتت العوائل وابتلاع أراضيهم وبيوتهم.

الكوثر - فلسطين المحتلة

ويعيش الفلسطينيون تحت ضغط الانتداب مكثف يقوم على أساسين، الأول هو طرد أصحاب هذه الأرض والثاني البقاء فيها وإغلاق المنافذ الحيوية للفلسطينيين. لكن فلسطين كانت دائما أرض المعجزات، فخلق  أبنائها ارضا واسعاً  وحرروا أنفسهم من سجن المحتلين. هذا المجال الواسع هو المجال الذي تخلقه عدسة الكاميرات التي تصنع الأفلام العالمية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، كيف ولدت صناعة السينما في أرض فلسطين وهي تتعرض باستمرار للاضطهاد والقمع والقيود؟ كيف تمكنت هذه السينما من إنتاج أفلام ذات محتوى مستمد من المعارك المستمرة في هذه الأرض، والتي وصلت رسالتها إلى العالم أجمع؟ وكيف تمكنت عدسة الكاميرا من تصوير ماسورة البنادق التي استخدمها المصورون السينمائيون الفلسطينيون في قتال المحتلين الصهاينة؟

اول بيت للسينما الفلسطينية... في مرحلة الاستعمار  البريطاني المظلمة

وفي عام 1920، سيطر الاستعمار  البريطاني على فلسطين واحتل  هذا البلد ليكون مقدمة لاحتلال آخرـ بشرت تلك الحقبة بعصر ذهبي لصناعة الأفلام، كما ألقى هذا الوعد المأمول بظلاله على فلسطين التي شهدت إطلاق الأفلام السينمائية. وتعد "سينما أوراكل" في القدس من أولى دور السينما في فلسطين، والتي تم بناؤها عام 1908 إيذانا ببداية توسع دور السينما، خاصة خلال فترة الحكم البريطاني.

سينما "ريكس".. هجوم الجماعات الصهيونية على تمثيل الأدوار في السينما

وفي عام 1938 تم افتتاح صالة سينما "ريكس" في القدس، واعتبرت أول صالة سينما بمعايير متقدمة في ذلك الوقت، مما دفع الدول الأوروبية والأمريكية إلى بيع أفلامها لهذه السينما.ال

وفي ثلاثينيات القرن الماضي في مدينة يافا، التي كان هناك ما يقارب 17 دار عرض سينمائي ، حظيت سينما "الحمراء" التي بدأت نشاطها عام 1937 بشهرة كبيرة. كما عُرفت هذه السينما كأحد الأماكن التشغيلية والأساسية لبداية المرحلة الثانية من الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال البريطاني، والتي انطلقت في بداية سبتمبر 1937، لأنها استضافت التجمعات السياسية في ذلك الوقت.

وتزايدت دور السينما الفلسطينية خلال فترة الانتداب البريطاني، وعرفت حيفا كأحد مراكز المسارح، وأشهرها "عين دور" التي بدأت عرض الأفلام فيها عام 1931. وكان صاحب هذه القاعة يهودياً،  وفي عام 1935 تم افتتاح قاعة "سينما عرمون" وهي عبارة عن قاعة كبيرة تتسع لـ 1000 مقعد.

زيارة الأمير السعودي لمدينة القدس.. فيلم صامت كان بداية السينما الفلسطينية

من الصعب تقسيم مراحل تأسيس السينما الفلسطينية منذ بداية نشأتها إلى نهاية نموها ودخولها الساحة العالمية، لكن كتاب " السينما الفلسطينية: أرض وجراح وذاكرة" قدم مدة تقريبية لمراحل السينمار الفسلطينية، ورغم أن بعضها يتداخل مع بعضها البعض، إلا أنها تساعد على التعرف وفهم مراحل تطور صناعة السينما في فلسطين.

يحدد هذا المؤلف الفلسطيني 4 فترات زمنية متميزة للسينما الفلسطينية، أولها خلال فترة الانتداب البريطاني والفترة الثانية من احتلال فلسطين عام 1948 إلى احتلال الضفة الغربية عام 1967 والتي سماها عصر الصمت. . لكن المرحلة الثالثة، وهي من عام 1968 إلى عام 1982، تسمى بالسينما الثورية الفلسطينية، والمرحلة الرابعة هي الوضع الذي تعيشه السينما الفلسطينية اليوم.

في عام 1935، أنتج إبراهيم حسن سرحان - أحد رواد السينما الفلسطينية - فيلماً مدته 20 دقيقة، صور فيه زيارة الأمير السعودي إلى مدينتي القدس ويافا ولقائه بالحاج أمين الحسيني،  مفتي فلسطين.

وأصبح هذا الفيلم نقطة الانطلاق للسينما الفلسطينية، وأكد إبراهيم حسن سرحان، أن فيلمه كان فيلما صامتا، لكن تشغيل عدد قليل من أسطوانات الجرامافون أثناء بث الفيلم جعل الناس يعتقدون أن هذا الفيلم كان الفيلم فيلمًا ناطقاً.

عصر الصمت.. الأضرار التي لحقت بالسينما من النكبة إلى النكسة

 لا يمكن حصر الأفلام الفلسطينية قبل احتلال فلسطين عام 1948 بدقة، لأن الكثير من هذه الافلام فقد،  لكن ما يمكن التأكيد عليه هو أن احتلال فلسطين من قبل الصهاينة دمر مشاريع صناعة الأفلام التي أعدها المخرجون الفلسطينيون الذين عادوا إلى بلادهم، وهو ما كان يمكن أن يغير اتجاه صناعة السينما في فلسطين.

أما المرحلة الثانية للسينما الفلسطينية فقد جرت في الفترة من 1948 إلى 1967، أي السنوات ما بين احتلال فلسطين واحتلال الضفة الغربية. وما زال الفلسطينيون في حالة صدمة من الأضرار التي سببها احتلال جزء من أراضيهم، حتى بعد مرور 20 عاما على الاحتلال الأول، أصيبوا بضرر آخر وتوسع الاحتلال الإسرائيلي في مناطق فلسطينية أخرى.

«عرس الجليل».. بداية عهد جديد للسينما

وفي عام 1987، أصدر المخرج الفلسطيني ميشيل خليفة فيلماً بعنوان "عرس الجليل"، والذي حاز على جائزة النقاد في مهرجان كان السينمائي الدولي. لكن المغزى من هذا الموضوع هو أن هذا الفيلم طرح كفيلم بلجيكي في هذا المهرجان وليس فيلما فلسطينيا.

"عرس الجليل" هو بداية حقبة جديدة للسينما الفلسطينية، التي تحسنت من حيث المحتوى الفني، وتواصلت مع الممولين وتم إنتاجها مع مجموعة فلسطينية بالكامل. كما يروي المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي في فيلمه "حتى إشعار آخر" الذي أنتج عام 1993، قصة حياة الفلسطينيين في غزة التي فرض الجيش الإسرائيلي قيودا على حركتهم.

الجنة الآن".. أفلام تم إنتاجها في المنفى تجد طريقها إلى جوائز الأوسكار

منذ بداية الألفية الثالثة بعد الميلاد، بدأ صناع السينما الفلسطينية معركتهم على مبدأين أساسيين لا يمكن تجاهلهما. أول هذين المبدأين السينمائيين يشبه ما ابتكرته إيطاليا ونفضت به غبار دمار الحرب العالمية الثانية، والمبدأ الثاني هو استخدام المواضيع المتعلقة بالقضية الفلسطينية بتفسيراتها المختلفة في أفلام الإنتاج . لذلك، يقوم صانعو الأفلام الفلسطينيون بإنتاج أفلام ذات مناهج متميزة بجرأة في مخيمات المنفى حيث يعيشون.

هاني أبو أسد هو أحد المخرجين الذين أظهروا شجاعتهم في فيلم "الجنة الان" إنتاج عام 2005، لأنه صور في هذا الفيلم آخر 48 ساعة من حياة شابين فلسطينيين يستعدان لعملية استشهادية، تمت إدانة مخرج هذا الفيلم من جهة لإشادته بالعمليات الاستشهادية ومن جهة أخرى لخيانته القضية الفلسطينية.

تم ترشيح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية، وفي عام 2005 حصل على جائزة جولدن جلوب وجائزة مهرجان الفيلم الأوروبي. كما أن حصوله على جائزة مهرجان برلين السينمائي الدولي وجائزة العجل الذهبي من هولندا يعدان من النجاحات الدولية الأخرى لهذا الفيلم. ومع ذلك، كانت هناك مناقشات كثيرة حول ترشيح هذا الفيلم لجائزة الأوسكار.

كما تمكنت المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر من إدخال السينما الفلسطينية إلى المهرجانات العالمية من خلال فيلم "ملح البحر" الذي تم إنتاجه عام 2008. حصل هذا الفيلم على جائزة أفضل فيلم في مهرجان ميلانو السينمائي، بالإضافة إلى ترشيحه لجائزة أفضل فيلم أجنبي في مهرجان كان السينمائي عام 2009. كما تم إدراج هذا الفيلم ضمن قائمة أفضل 100 فيلم عربي في مهرجان دبي السينمائي. واستمر تكريم السينما الفلسطينية بحيث ارتقت إلى مستوى يتجاوز الجماعات السياسية والسياسيين، وحظيت بمكانة خاصة لدى الرأي العام المتجذّر في مآسي الأمة الفلسطينية، وبهذه الطريقة استطاعت ليحتل المراكز الأولى في دوائر السينما العالمية.