الكوثر- مقالات
يحكى ان هناك قاطع طريق كان يضع كل شخص يمر بمكان تواجده على سرير لديه ، فاذا كان اطول من السرير فيقطع راسه او رجليه، ليكون بطول سريره، واذا كان اقصر، فيسحبه من رقبته وقدميه حتى يختنق او تتقطع اوصاله، ليكون بطول السرير، واذا حالف الضحية الحظ وكان بطول السرير يطلق سراحه. قاطع الطريق في حكايتنا هذه هي امريكا، والسرير هو ديمقراطيتها، فهي لا تعترف باي ديمقراطية ما لم تكن كديمقراطيتها، التي تحاول ان تجعل منها النموذج الوحيد الذي يجب ان تطبقه شعوب العالم، وإلا فان عليها ان تدفع ثمن "تمردها"
أما عن الاسباب الحقيقية، لمعاداة امريكا والغرب، للجمهورية الاسلامية في ايران، فهذه الجمهورية، لم تنسف نظرية "نهاية التاريخ" الغربية المتعجرفة والاستعلائية والعنصرية، فحسب، بل اثبتت وبطريقة عملية، انه يمكن الجمع بين "الديمقراطية" وبين "الدين"، الذي يناصبه الغرب كل هذا العداء. وقدمت للعالم نظرية في النظام السياسي القائم على الدين وعلى راي الشعب، وهذه النظرية باتت تعرف ب"السيادة الشعبية الدينية"، وهذا الجمع بين ما هو "ثابت" ، اي الدين، وبين ما هو متغير وهو "راي الشعب".
التطبيق العملي الناجح ، لهذه النظرية على مدى 45 عاما في ايران ، حيث تم الجمع بين "الديمقراطية" والدين" ، وبين "الجمهورية" و "الاسلامية"، وبين "حاكمية الشعب" و"حاكمية الله"، جاء كصفعة مدوية للنظام الليبرالي ، الذي يروج له الغرب، كآخر نظام افرزه العقل الانساني، ومن هنا بدأ العداء الغربي وبالتحديد الامريكي، لايران، وكذلك عداء النظام الشيوعي الذي كان يحكم الاتحاد السوفيتي السابق، وتجسد هذه العداء بكل قبحه، بدعم الليبرالية الغربية والشوعية الشرقية، لنظام صدام المقبور، في الحرب التي فرضت على ايران على مدى ثماني سنوات (1980 – 1988).
نظام "السيادة الشعبية الدينية" الذي تعتمده الجمهورية الاسلامية في ايران، قائم على اهم مبادىء الديمقراطية الحقيقية، التي تحفظ للانسان كرامته وحريته، وتحول دون قيام نظام استبدادي فردي، ومن اهم هذه المبادىء، الدستور والانتخابات، وتداول السلطة، والفصل بين السلطات، وحرية الاعلام، وحقوق الانسان، وحقوق الاقليات، وهي مبادىء مارسها الشعب الايراني المسلم على مدى 45 عاماً، حيث شارك في أكثر من 40 عملية إنتخاب، بمعدل إنتخاب واحد كل عام. تراوحت بين إنتخابات مجلس الخبراء القيادة الذي يختار الولي الفقيه، وإنتخابات مجلس الشورى الاسلامي الذي يعتبر السلطة التشريعية، وإنتخابات المجالس المحلية، وقبل كل هذا وذاك التصويت على نظام الجمهورية الاسلامية، والتصويت على الدستور، وبذلك تستمد كل المؤسسات في الجمهورية الاسلامية بلا استثناء شرعيتها من الشعب.
الديناميكية والحيوية التي يتمتع بها النظام الاسلامي في ايران، والقائم على "السيادة الشعبية الدينية"، فرضت نفسها على الجميع، باعتراف العدو قبل الصديق، بعد حادث تحطم الطائرة الذي ادى الى استشهاد الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي، وشغور منصب الرئيس في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة. وعلى الفور رضخ الجميع للدستور، الذي نص على ان يتولى النائب الاول لرئيس الجمهورية صلاحيات الرئيس، خلال فترة لا تتجاوز ال50 يوما، تجري بعدها انتخابات رئاسية، تعتبر ال14 في ايران، لانتخاب رئيس جديد للبلاد، وتقدم نحو 250 شخص لخوض الانتخابات، وأقر مجلس صيانة الدستور في ايران أهلية ستة مرشحين لخوض الانتخابات الرئاسية، التي تقرر ان تجري في 28 من حزيران/ يونيو الجاري. والمرشحون الستة هم، رئيس مجلس الشورى الاسلامي محمد باقر قاليباف، والنائب في مجلس الشورى الاسلامي مسعود بزشكيان، وممثل قائد الثورة الإسلامية في مجلس الأمن القومي سعيد جليلي، ورئيس بلدية طهران علي رضا زاكاني، ورئيس مؤسسة الشهداء أمير حسين قاضي زاده هاشمي، ووزير الداخلية الأسبق مصطفى بورمحمدي.
رغم ان الانتخابات ستجري في 28 حزيران، وان الفرصة ضيقة، الا انه ومن اجل تعريف الشعب بالمرشحين، سيتم إجراء خمس مناظرات تستمر كل واحدة نحو أربع ساعات، شهدنا مساء امس الاثنين المناظرة الاولى، وكذلك سيتم عقد ثلاث ندوات في هذا المجال يتم من خلالها مناقشة نظام إدارة السلطة والسياسة الخارجية والإقتصاد وقضايا أخرى.
الشيء اللافت ان اغلب استطلاعات الراي تشير الى احتمال ان تصل نسبة المشاركة الى اكثر من 50 بالمائة، وهذه الزيادة في نسبة المشاركين، تأتي على خلفية حادث استشهاد الشهيد رئيسي، الذي لمس الشعب الايراني، ما انجزه في المجال الاقتصادي والسياسة الخارجية، رغم انه لم يكمل دورته الاولى، بالاضافة الى اختلاف الرؤى السياسية والاقتصادية بل وحتى الاجتماعية، للمرشحين ازاء العديد من القضايا التي تهم الشعب الايراني.
رغم ان الاعلام الغربي المناهض لايران، يحاول تصوير الانتخابات الرئاسية في ايران، كالعادة، كانتخابات صورية، ولكن يكفي ان يزور الصحفيون والاعلاميون الاجانب ايران هذه الايام، ليشاهدوا حجم التنافس المحتدم بين المرشحين، حتى بين من يوصفون بانهم من المبدئين او الاصوليين، فهناك اختلاف بين وواضح بينهم، الامر الذي سيبين للعالم مرة اخرى، تمسك الشعب الايراني بديمقراطيته المتميزة، وبنظامه وبرموزه، والذي عادة ما يظهر بشكل عفوي، في مراسم تشييع هذه الرموز، لاسيما تشييع الرئيس الشهيد رئيسي، والشهيد القائد سليماني. وكذلك يظهر بشكل ارادي خلال الانتخابات، بمختلف اشكالها، وان الغرب الذي لطمته الثورة الاسلامية على و وجهه قبل 45 عاما، سيتلقى لطمة اخرى بعد 11 يوما من الان.
ان الشعب الايراني وشعوب العالم باتت على دراية كاملة بحقيقة الديمقراطية الغربية المنافقة، التي رأت تجسيداتها العملية رأى العين، في وقوفها الى جانب قتلت الاطفال في غزة، ومدتهم بالسلاح والعتاد والاموال والرجال، ومنعت العالم من وقف الابادة الجماعية التي تجري في غزة، ناهيك عن تحالفاتها العار، مع الانظمة القبلية والعشائرية والعسكرية، التي لا تعترف لا بدستور ولا انتخابات ولا تحترم الانسان فضلا عن حقوقه و حريته، بل ان شعوب العالم ايقنت ان الغرب لم يكن وفيا لمبادئه المزيفة حتى مع شعوبه التي قمعها، عندما تظاهرت من اجل وقف المجازر في غزة.
بقلم:أحمد محمد