الكوثر - مناسبات
هو عليّ بن محمّد بن عليّ عليه السلام، أبوه الإمام محمّد الجواد عليه السلام، وأمّه هي أمّ ولد يقال لها سمانة المغربيّة، كما عُرفت بأمّ الفضل. وقد روي عن الإمام الهادي عليه السلام في حقّها أنّه قال: "أمّي عارفة بحقّي، وهي من أهل الجنّة، لا يقربها شيطان مارد، ولا ينالها كيد جبّار عنيد، وهي مكلوءة بعين اللَّه التي لا تنام، ولا تتخلّف عن أمّهات الصدّيقين والصالحين".
من ألقابه عليه السلام: النجيب، المرتضى، الهادي، النقيّ، العالم، الفقيه، الأمين، الطيّب، المتوكّل، وقد منع شيعته من أن ينادوه به، لأنّ الخليفة العبّاسيّ كان يُلقّب به، وأشهر ألقابه: النقيّ، والهادي، وقد عُرف هو وابنه بالعسكريَّين عليه السلام.
وأمّا كنيته فهي: أبو الحسن الثالث، تمييزاً له عن الإمامَين الكاظم والرضا عليهما السلام. وكان له عليه السلام من الأولاد خمسة، وهم: الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام، والحسين، ومحمّد، وجعفر المعروف بجعفر الكذّاب المدّعي للإمامة، وبنت واحدة. وكان الإمام الهادي عليه السلام قبل شهادته قد أوصى لابنه الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام بالإمامة.
هيبته ووقاره عليه السلام:
كان الإمام الهادي عليه السلام أطيب الناس بهجة، وأصدقهم لهجة، وأملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عَلَتْهُ هيبة الوقار، وإذا تكلّم سماه البهاء، وإذا دخل على الناس ترجّلوا له احتراماً وتقديراً.
تكريمه عليه السلام للعلماء:
كان الإمام الهادي عليه السلام يكرّم رجال الفكر والعلم، ويحتفي بهم، ويقدّمهم على بقيّة الناس، مبيّناً بذلك قيمة العلم المصحوب بالتقوى، وقيمة العلماء الحقيقيّين عنده، وأنّ العلم هو مورد التفاضل لا أيّ شيء آخر. وكان من بين الذين نالوا تكريم الإمام الهادي عليه السلام أحدُ علماء الشيعة وفقهائهم، والذي كان قد بلغه عنه أنّه حاجج ناصبيّاً فأفحمه وتغلّب عليه، فسُرّ الإمام عليه السلام بذلك، ووفد العالم على الإمام، فقابله بحفاوة وتكريم، وكان مجلسه مكتظّاً بالعلويّين والعبّاسيّين، فأجلسه الإمام عليه السلام على دست، وأقبل عليه يحدّثه، ويسأل عن حاله سؤالاً حفيّاً.
فشقّ ذلك على الحاضرين في مجلسه من الهاشميّين فالتفتوا إلى الإمام، وقالوا له: كيف تقدّمه على سادات بني هاشم؟ فقال لهم الإمام عليه السلام: "إيّاكم أن تكونوا من الذين قال اللَّه تعالى فيهم: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ أترضَون بكتاب اللَّه - عزّ وجلّ - حَكَماً؟"، فقالوا جميعاً: بلى، يا ابن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم. وأخذ الإمام يقيم الدليل على ما ذهب إليه من رفع العالم على غيره، وإن كان ذاك "الغير" أشرف نسباً، إلى أن قال عليه السلام: "أَوَلَيس قال اللَّه: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾، فكيف تنكرون رفعي لهذا لما رفعه اللَّه؟ إنّ كسر هذا لفلان الناصب بحجج اللَّه التي علّمه إيّاها لأشرف من كلّ شرف في النسب".
أراد الإمام الهادي عليه السلام بفعله هذا أن يثبّت قيمة سامية في الإسلام، وهي قيمة العلم، وأنّ العلم الممزوج بالإيمان هو ما يرفعك في الدنيا والآخرة وهو ما يجعلك محلّ تكريمٍ من وليّ اللَّه لا نَسَبك وإلى من تعود أصولك، وهؤلاء العبّاسيّون أكبر مثال على أنّ النسب لا يُغني ولا يُسمن من جوع، وهم أكثر وأشدّ من نكّل بأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم خلال سنوات حكمهم.
واستشهد عليه السلام في الثالث من شهر رجب سنة (254هـ). وكان عمره حين شهادته 41 أو 42 سنة تقريباً، واستشهد بالسمّ في زمن المعتزّ، ودفن في سامرّاء.