تتمحور حیاه النّاس عاده حول إحدی محاور ثلاثه:
الأول: محور الإیمان باللّه، و ما یتعلق به من قضایا العباده و الأخلاق، و الالتزام بالأحکام..
الثانی: محور «قضیه» معیّنه ترتبط بقیمه من القیم، أو مصلحه من المصالح العامه.
الثالث: محور الذّات، و ما یتعلّق بها من الشهوات و الملّذات و المصالح.
و غالبیه النّاس عاده هم من الّذین تدور حیاتهم حول المحور الثالث، ذلک لأنه زُیِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِینَ وَ الْقَناطِیرِ الْمُقَنْطَرَهِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّهِ وَ الْخَیْلِ الْمُسَوَّمَهِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِکَ مَتاعُ الْحَیاهِ الدُّنْیا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ
و قلّه منهم الّذین یتحملون قضیه معیّنه، و یناضلون من أجلها کتحریر بلدانهم، أو تحقیق العداله فیها، أو الاستقلال لها أو ما شابه.
أمّا الأقلون فهم المؤمنون الّذین تدور حیاتهم حول الإیمان باللّه.. و من ثم العمل من أجل الآخره.
و هؤلاء هم الّذین قال عنهم ربّنا: وَ قَلِیلٌ مِنْ عِبادِیَ الشَّکُورُ
و هم المتّقون الّذین یشفقون من أمر ربّهم، و هم «أهل الفضائل»
حیث یقول عنهم الامام علی علیه السلام «منطقهم الصواب، و ملبسهم الاقتصاد و مشیهم التواضع، غضّوا أبصارهم عمّا حرّم اللّه علیهم، و وقفوا أسماعهم علی العلم النافع لهم. نزلت أنفسهم منهم فی البلاء کالتی نزلت فی الرخاء، و لو لا الأجل الّذی کتب اللّه علیهم لم تستقرّ أرواحهم فی أجسادهم طرفه عین، شوقا إلی الثواب، و خوفا من العقاب. عظم الخالق فی أنفسهم فصغر ما دون ذلک فی أعینهم»
أمّا فیما یرتبط بالحیاه الدنیا، فهم لا ینسون نصیبهم منها،و لکن قلوبهم متعلقه بالآخره «فهم و الجنه کمن قد رآها فهم فیها منعمون، و هم و النار کمن قد رآها فهم فیها معذّبون.قلوبهم محزونه و شرورهم مأمونه، و أجسادهم نحیفه، و حاجاتهم خفیفه، و أنفسهم عفیفه»
«صبروا أیاما قصیره، أعقبتهم راحه طویله، تجاره مربحه یسّرها لهم ربهم. أرادتهم الدنیا فلم یریدوها، و أسرتهم ففدوا أنفسهم منها»
تلک هی من أقوی میزات أهل التقوی، فالدنیا التی یریدها أصحاب الملذّات و المصالح، و یرکضون وراءها، أرادتهم و لکنهم لم یریدوها و قصدتهم و لکنهم رفضوها، لأنهم أرادوا الآخره و ما فیها من النعیم المقیم. و حینما أسرتهم الدنیا، فدوا أنفسهم بمجاهده النفس و العباده و الطاعه و الخشوع..