أول فلسطينية في غزة تنسخ القرآن بالرسم الكوفي
تدقق الشابة الفلسطينية "فداء عبيد النظر" في آيات قرآنية من نسخة إلكترونية للمصحف مكتوبة بالرسم الكوفي، قبل أن تبدأ بنقلها على أوراق بيضاء كبيرة الحجم.
وهذه الأوراق ستشكّل في وقت لاحق من عام 2023 أول مصحف منسوخ بخط اليد بالرسم الكوفي، في قطاع غزة.
وبتأنٍ شديد تتدرب عبيد (28 عاماً)، على كتابة الآيات القرآنية قبل إعادة نسخها بهذا الرسم من الخطوط العربية القديمة والمعقّدة.
وهذه التجربة في الكتابة ليست الأولى من نوعها إنما هي امتداد لسلسلة تجارب خاضتها عبيد قبل أن تبدأ بشكل فعلي كتابة أجزاء من المصحف بالرسم الكوفي، منذ نحو 3 سنوات.
وتستعين عبيد بمسطرة ومجموعة من الأقلام لكتابة الكلمات بالرسم الكوفي، حيث تُعطي كلّ حرف منها طولا وعرضا مُعيّنا يبلغ بضعة سنتيمترات أو أقل.
وتقول عبيد، لوكالة الأناضول، إنها تُقدّر حجم الكلمات وطولها بشكل نسبي، بحيث تلائم الكلمات المشابهة لها والمنقولة من المصحف الإلكتروني، الذي حصلت عليه من مكتبة بالعاصمة العراقية بغداد عام 2019، إذ لم تجد نسخة منه في فلسطين.
وعقب انتهائها من كتابة الكلمات، تقوم بتعبئة فراغات الحروف بألوان مختلفة لإبرازها بشكل واضح.
والخط الكوفي، من أقدم الخطوط العربية يُعتقد أنه نشأ في القرن السابع الميلادي بمدينة الكوفة بالعراق، واستخدم في كتابة المصاحف بشكل خاص.
وتعد تجربة نسخ القرآن الكريم بالرسم الكوفي الثانية من نوعها في حياة عبيد، حيث سبق وأن نسخت القرآن بالرسم العثماني خلال الفترة الممتدة بين نهاية عام 2014 وبداية عام 2019.
وراودت عبيد فكرة نسخ القرآن حينما كانت تخوض مسابقة في القرآن على مستوى مناطق قطاع غزة.
في تلك المسابقة، طُرح على عبيد سؤال مفاده "تقول الآية القرآنية: (يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم).. ماذا قدّمت للقرآن؟".
ورغم حفظ عبيد للقرآن وحصولها على المركز الأول كأسرع حافظة له بغزة عام 2012، فإن هذا السؤال نزل كالصاعقة عليها وعمّت حالة من الصمت آنذاك، وفق قولها.
وتضيف: "عجزت عن الإجابة على هذا السؤال، وبقي عالقا في ذهني حتّى بدأت بنسخ القرآن بالرسم العثماني، للمرة الأولى عام 2014".
وقبل البدء الفعلي بنسخ القرآن آنذاك، أخضعت عبيد نفسها لفترة تدريب على الرسم العثماني وتشكيله، استمرت لنحو عامين، قبل أن تشرع في النسخ الفعلي للقرآن.
وتقول عن تجربتها الأولى "كانت مخيفة نوعا ما، فالإنسان عادة يشكك في جرأته على كتابة القرآن، خاصة حينما يكون نسخة سيتم اعتمادها للطباعة والنشر"، وتضيف: "الخوف الأساسي تمثّل في نسيان أو الخطأ في كتابة بعض تشكيلات النقاط أو الحروف".
وكان نسخ الصفحة الواحدة يستغرق من الشابة عبيد نحو أسبوع كامل إلا أنها بعد التدريب ارتفع معدل نسخها للآيات القرآنية حيث كانت تنجز في اليوم الواحد جزءا كاملا.
وتشير إلى أنها نجحت في تحويل "الخوف الذي تملّكها عند بداية الكتابة الى إنجاز".
وعام 2019، سلّمت الشابة عبيد نسختها الأولى من القرآن الذي نسخته بالرسم العثماني على ورق A4، لجمعية دار القرآن الكريم والسنة، والتي دقّقت هذا العمل.
وتستكمل قائلة: "أبلغتني وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بغزة أنني أول فتاة أنسخ القرآن بالرسم العثماني".
وشكّلت عبيد، آنذاك، إلهاماً لمجموعة من الفتيات اللواتي بدأن بنسخ وكتابة القرآن في منازلهن لتثبيت حفظه.
وتردف أنها استقبلت على وسائل التواصل الاجتماعي، رسائل متعددة من فتيات بدأن بنسخ القرآن.
ومن منطلق إيمانها بأن "حفظ القرآن وتثبيته وكتابته أمر مبارك ويمدّها بالطاقة الإيجابية والتوفيق"، قررت أن "تعيد نسخه لكن هذه المرة بالرسم الكوفي".
حينما عرضت عبيد الفكرة على علماء في القرآن الكريم بغزة، وآخرين، ولصعوبة هذا النوع من الخطوط، لم تلقَ تشجيعاً.
لكنّها عبّرت عن ثقتها بقدرتها على فعل ذلك، وبدأت عام 2019 بالبحث عن نسخة من القرآن بالرسم الكوفي، حتّى وجدتها في بغداد.
فور حصولها على النسخة الإلكترونية، بدأت عبيد بمقارنة ما هو مكتوب داخلها بالقرآن الكريم، وحينما تأكدت من صحة ما ورد فيه، بدأت بالتدرب على رسم الحروف.
هذه المهمّة كانت شاقة على عبيد، لكنّها في ذات الوقت كانت "ممتعة وفيها الكثير من البركة"، على حدّ قولها.
وتضيف "كتابة الحروف بالرسم الكوفي، لعدم تشكيله بالنقاط أو الحروف هو أمر مرهق قليلا لمن لا يعرف ولم يعتد على هذا النوع من الخطوط".
النسخة من القرآن المكتوبة بالرسم الكوفي، ستكون هذه المرة أكبر من حجم القرآن المنسوخ بالرسم العثماني، بطول متر وعرض 70 سنتيمترا.
وفي هذا المصحف، يعلو كل كلمة منسوخة بالرسم الكوفي تفسيرها بالرسم العثماني والمرفق بالتشكيل الخاص به وذلك لتسهيل قراءتها.
كما خصصت الشابة عبيد على يسار وأسفل الصفحة مساحة لنسخ تفسير القرآن للإمام "ابن كثير" الدمشقي، لكن بالرسم العثماني.
ومن المقرر أن تنتهي عبيد من نسخ هذا المصحف كاملا مع بداية عام 2023، معبرة عن آمالها في طباعته ونشره.
المصدر: وكالة الأناضول للأنباء