وقال تعالى في موضع أخر في القرأن واصفا الكعبة بأنها محرمة : ( جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِّلنَّاسِ .... ) (سورة المائدة / الآية 97). وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ ..).(سورة المائدة / الآية 2) . وقال تعالى : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ... ) . (سورة إبراهيم / الآية 37). وقد من الله على عباده بأن جعل لهم الكعبة حرماً آمنا فقال تعالى : ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً ...) . (سورة البقرة / الآية 125) . وقال تعالى : (أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً ، ويتخطف الناس من حولهم) . (العنكبوت / 67) ، فكان الرجل يلقى قاتل أبيه وأخيه في الحرم فلا يعرض له . وأكد هذا المعنى قوله تعالى : (ومن دخله كان آمناً) . (آل عمران / 97).
فالكعبة المشرفة هي مكان أمين لايجوز فيه القتل والقتال فلا يجوز قتل الحيوان في داخل حدود حرم الكعبة المقدسة فضلا عن قتل الانسان فيها .
وهذا السبب خرج الامام الحسين (ع) من مكة المكرمة وابتعد عنها وتوجه الى كربلاء "أرض ميعاده" ، لان الامام (ع) كان يعلم ان القوم لايراعون حرمة للكعبة وسوف يهدرون دمه فيها، لأن والي الحكم الاموي في مكة "محمد بن سعيد الأشدق" بعث عشرين جلوازا لقتل الامام الحسين (ع)، وقال لهم : (اقتلوا الحسين ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة) ، نعم هم لا يراعون حرمة الانسان المؤمن فكيف يراعون حرمة الكعبة المقدسة ؟
وخير دليل ان الامام الحسين (ع) كان خروجه لاجل الحفاظ على قدسية الكعبة وحرمتها من الانتهاك هو هذه النصوص التي صرح بها لاكثر من شخص قد دلت على ما خطط له الامام (ع) بهذا الخروج مضحيا بنفسه وأصحابه وأهل بيته ( سلام الله تعالى عليهم أجمعين ) في سبيل صيانة الكعبة من التدنيس والانتهاك .
1- قال لأخيه محمد بن الحنفية: ( يا أخي خفت أن يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم فأكون الذي يُستباح به حرمة هذا البيت) . انظر بحار الانوار : ج44 / ص39 . وسيرة الأئمة الإثنى عشر : 2 / 64 . واللهوف ص 24 - 25 .
2- وقال (ع) لعبد اللـه بن الزبير: ( يا ابن الزبير لئن اُدفن بشاطئ الفرات أحبّ إليّ من أن أدفن بفناء الكعبة) . كامل الزيارات ص73.
3- وقال (ع) أيضا : (إنّ أبي حدثني أنّ لـها كبشاً به تستحل حرمتها فما أحبّ أن أكون أنا ذلك الكبش، واللـه لئن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أقتل فيها، ولئن أقتل خارجاً منها بشبرين أحبّ أليّ من أن أقتل خارجاً منها بشبر) . الطبري ج6 / ص317 ، وراجع أنساب الاشراف / ص 164.
4- وفى رواية : فسار ابن الزبير الحسين، فالتفت إلينا الحسين، فقال: يقول ابن الزبير: أقم في هذا المسجد أجمع لك الناس، ثم قال: والله لئن أقتل خارجا منها أحب إلى من أن أقتل داخلا منها بشبر، وايم الله لو كنت في جحر هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا في حاجتهم و والله ليعتدن علي كما اعتدت اليهود في السبت .
اُنظر: لواعج الأشجان : ص ۷۰ - الطبري 6 / 217 - ابن الأثير 4 / 16 - وقوله " ليعتدن علي . . . " في طبقات ابن سعد ح / 278 - وتاريخ ابن عساكر ح / 664 - وابن كثير 8 / 166 .
5- وقال الامام الحسين (ع) أيضا: لا نستحلها ولا تستحل بنا، ولان أقتل على تل أعفر ( الأعفر: الرمل الأحمر) أحب إلي من أن أقتل بها. كامل الزيارات ص72.
6- وقال ابن قولويه : عن أبي سعيد عقيصا، قال: سمعت الحسين بن علي (ع) وخلا به عبد الله بن الزبير فناجاه طويلا، قال: ثم أقبل الحسين بوجهه إليهم، وقال: إن هذا يقول لي: كن حماما من حمام الحرم، ولان أقتل وبيني وبين الحرم باع أحب إلي من أن أقتل وبيني وبينه شبر، ولان أقتل بالطف أحب إلي من أن أقتل بالحرم . كامل الزيارات ص72.
وكما عظّم الامام الحسين (ع) حرمة الكعبة الشريفة بخروجه ، فان الله تعالى قد عظم حرم الامام الحسين (ع) فجعله مقصدا للملايين من الزائرين المؤمنين .