في الرابع والعشرين من شهر ذي الحجة عام تسعة للهجرة النبوية، أمر الله تعالى رسوله الكريم بمباهلة نصارى نجران، وأن يقول لهم: إني سأدعو أبنائي، وأنتم أدعوا أبناءكم، وأدعو نسائي، وأنتم ادعوا نساءكم، وأدعو نفسي، وتدعون أنتم أنفسكم، وعندئذٍ ندعو الله أن ينزل لعنته على الكاذب مناّ.
وقد سجل شعراء الولاء جملة من هذه الوقائع في قصائدهم مع البيان الفني للدلالات العقائدية المستفادة منها.
والسيد الحميري من أبدع في هذا المجال هو أديب الولاء في القرن الثاني الهجري .
نختار لكم في هذه المناسبة المباركة أبياتاً من قصيدتين للسيد الحميري فيها تصوير بليغ لهذه الواقعة التي خلدها الله عزوجل في قرآنه المجيد.
قال السيد الحميري في قصيدة بعد ذكر مجموعة من مناقب الأنوار المحمدية ذاكراً خصائص هذه الشجرة الإلهية المباركة:
زيتونة طلعت فلا شرقيـّة *** تلقی ولا غربيّة في المحتد
مازال يشرق نورها من زيتها *** فوق السهول وفوق صمّ الجلمد
وسراجها الوهاج أحمد والذي *** يهدي إلی نهج الطريق الأزهد
وإذا وصلت بحبل آل محمد *** حبل المودّة منك فابلغ وازدد
بمطهّر لمطهّرين أبوّةً *** نالوا العلی ومكارماً لم تنفد
أهل التقی وذوي النهی وأولی العلی *** والناطقين عن الحديث المسند
الصائمين القائمين القانتين **** الفائقين بني الحجی والسؤدد
الراكعين الساجدين الحامدين **** السابقين إلی صلاة المسجد
الفاتقين الراتقين السائحين *** العابدين إلاههم بتودّد
الواهبينَ المانعينَ القادرين *** القاهرين لحاسدٍ مُتَحسِّدِ
نصبَ الجليلُ لجبرئيلَ مِنبراً *** في ظلِّ طوبى من مُتونِ زبرجدِ
شهدَ الملائكةُ الكرامُ وربُّهم *** وكفى بهم وبربِّهم من شُهَّدِ
وتناثرتْ طُوبى عليهم لؤلؤاً *** وزمرّداً متتابعاً لم يُعقَدِ
ومِلاكُ فاطمةَ الذي ما مثله *** في مُتهم شَرقاً ولا في منجدِ
وبكرن علقمة النصاری إذ عتت *** في عزّها والباذخ المتعقـّد
إذ قال كرّر هاتم أبناءكم *** ونساءكم حتی نباهل في غد
فأتی النبي بفاطم ووليها *** وحسين والحسن الكريم المصعد
جبريل سادسهم فاكرم سادس *** وأخير منتجبٍ لأفضل مشهد
ويفصّل السيد الحميري في قصيدته العينية الحديث عن دعوة المباهلة فيقول :
وفي أهل نجران عشية أقبلوا *** إليه وحجّوا بالمسيح فأبدعوا
وردّوا عليه القول كفراً *** وقد سمعوا ماقال فيه وأروعوا
فقال تعالوا ندع أبناءنا معاً *** وابناءكم ثمّ النساء فأجمعوا
وأنفسنا ندعو وأنفسكم معاً *** ليجمعنا فيه من الأصل مجمع
فقالوا نعم فاجمع نباهلك بكرةً *** وللقوم فيه شرّة وتسرّع
فجاؤوا وجاء المصطفی وابن عمه *** وفاطم والسبطان كي يتضرّعوا
إلی الله في الوقت الذي كان بينهم *** فلمّا رأوهم أحجموا وتضعضعوا
اللهم اجعلنا من المصدقين برسالة رسولك الكريم محمد (ص) ومن المتمسكين بولاية أمير المؤمنين الإمام علي (عليه السلام) ... اللهم آمين.