أدّی رسول الله (صلى الله عليه وآله) آخر حجه في الـ 60 من عمره خلال عام 632 للمیلاد حیث رافقه في تلك الرحلة أکثر من 120 ألف مسلم ضمن موکب عظیم.
وتلقی الرسول الكريم (ص) بغدير خُمٍّ من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين والمصريين والعراقيين يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة آیات قرآنیة کلّفته بتبلیغ ولایة علی بن أبی طالب (عليه السلام) وجعلت أهمیة الإسلام بهذا التبلیغ، حيث نزل عليه الوحي في آية الإبلاغ بقوله: ﴿يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" (سورة المائدة / آية: 67).﴾. وأمر الله تعالى النبي (ص) أن يقيم علياً (ع) علماً للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على المسلمين. وكان أوائل القوم قريبين من الجحفة فأمر رسول الله (ص) أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان.
وتجعل الآیة الکریمة کل جهود الرسول (ص) في الدعوة إلی الإسلام في کفة والرسالة الأخیرة أي رسالة الولایة من بعده في کفة أخری بل أکثر من ذلك لقوله تعالی "إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ".
ولمّا اجتمع النّاس عند غدير خم، نودي بصلاة الظهر، فصلى النبي (ص) بهم، فلمّا انصرف (ص) من صلاته قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل وأسمع الجميع، قائلاً: (أيها الناس، إني أوشك أن اُدعى فأجيب. وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلّغت ونصحت وجهدت فجزاك الله خيراً، ثم قال: يا أيها الناس أ لم تشهدوا أن لا إله إلا الله- و أن محمدا عبده و رسوله و أن الجنة حق و أن النار حق و أن البعث حق من بعد الموت- قالوا: [اللهم] نعم، قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا أيها الناس إن الله مولاي- و أنا أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، ألا من كنت مولاه فعلي مولاه- اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه، ثم قال: أيها الناس إني فرطكم و أنتم واردون علي الحوض- و حوضي أعرض ما بين بصرى و صنعاء فيه عدد النجوم قد حان من فضة ألا و إني- سائلكم حين تردون علي عن الثقلين- فانظروا كيف تخلفوني فيهما حتى تلقوني- قالوا: و ما الثقلان يا رسول الله قال: الثقل الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيدي الله- و طرف في أيديكم، فاستمسكوا به لا تضلوا و لا تذلوا- و الثقل الأصغر عترتي أهل بيتي فإنه قد نبأني اللطيف الخبير- أن لا يتفرقا حتى يلقياني و سألت الله لهما ذلك- فأعطانيه فلا تسبقوهم فتضلوا، و لا تقصروا عنهم فتهلكوا، فلا تعلموهم فهم أعلم منكم).
ویروي العلامة الأمیني هذه الواقعة من 30 مصدراً للحدیث الصحیح عند أهل مدرسة الخلافة منها کتاب الولایة لـ "إبن جریر الطبری" وتفسیر "الثعلبي"، كتاب "ما نزل من القرآن في علي" لأبي نعيم الأصبهاني، و"أسباب النزول" للكاتب علي بن أحمد الواحدي النيسابوري.
ولم تتفرق الحشود بعد حیث نزل جبرئیل علی رسول الله (ص) منزلاً الآیة الثالثة من سورة المائدة المبارکة "الْیوْمَ أَکمَلْتُ لَکمْ دینَکمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَیکمْ نِعْمَتی وَ رَضیتُ لَکمُ الْإِسْلامَ دیناً".
ومنذ انطلاقة البعثة النبویة كان الرسول (ص) یمهد ویشیر في كل موقف وموطن إلى خلیفته من بعده إما بالتصریح والتلمیح والإیماء أو الهمس، وقد صرح به القرآن الكریم أیضاً انطلاقاً من آیة: [وأَنْذِرْ عَشیرَتَك الْأَقْرَبین](شعراء – 214) وحتى آیة [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] (المائدة – 3)، وكلها جعلت الإمام علي (عليه السلام) فی صدارة مضمونها.