وبمناسبة عيد الأضحى المبارك توجه تجمع العلماء المسلمين في لبنان برسالة تهنئة إلى اللبنانيين عموماً والمسلمين خصوصاً، تلاها رئيس الهيئة الإدارية سماحة الشيخ الدكتور حسان عبد الله، جاء فيها:
أيها اللبنانيون...
تمرُّ علينا مناسبةُ عيدِ الأضحى المبارك هذا العام والوضعُ في بلدِنا يمرُّ بفترةٍ حَرِجةٍ جداً تحتاجُ من الجميعِ إلى الخروجِ من الأنانياتِ الشخصيةِ والمصالحِ الحزبيةِ والفئويةِ وتقديمِ التنازلاتِ لمصلحةِ الوطنِ الذي هو بحاجةٍ ماسّةٍ إلى تضافرِ الجهودِ لمواجهةِ التّحدياتِ وتقديمِ الحلولِ للأوضاعِ المستعصيةِ على الصُّعدِ كافة.
أيها اللبنانيون...
إن المعاني التي يحمِلُها عيدُ الأضحى كثيرةٌ ولعلَّ العنوانَ الأبرزَ هو ما يعنيهِ اسمُ هذا العيدِ وهو التضحيةُ بأغلى ما نملك في سبيلِ الامتثالِ لأمرِ الله سبحانه وتعالى فكما استعدَّ إبراهيمُ عليه السلامُ للتضحيةِ بإسماعيلَ عليهِ السلام امتثالاً لأمرِ الله بذبحه، علينا أن نستعدَّ لتقديمِ أغلى ما نملكُ امتثالاً لأمر الله تعالى، وعندما يَعرُضُ لنا الشيطانُ لِثَنْينا عن هذا الامتثالِ علينا رجمُهُ بحجارةٍ معنوية، كما رَجَمَهُ إبراهيمُ عليه السلام بحجارةٍ ماديةٍ عبّرت عن رفضِه لوسوساتِه، ونعلنُ أنّ آذانَنا وعقولَنا صمّاءُ عن أن تستمِعَ لتحريضِهِ، فلا ندخلُ في فتنةٍ ولا نعادي أهلَنا بل نعتبرُ أن عدوَّنا الأوحدَ هو العدوُّ الصهيوني.
أيها اللبنانيون...
إن أصدقَ مثالٍ للتضحيةِ عايشْناهُ في لبنان في السنواتِ الماضيةِ من خلالِ التّضحيات التي قدّمها المقاومونَ في سبيلِ تحريرِ الوطنِ من رجسِ الاحتلالِ الصهيونيِّ والتي قدّمَ من خلالها هؤلاءِ الشبابُ مئاتِ الشهداءِ والآلافِ من الجرحى إضافةً إلى الدمارِ الهائل وها نحنُ اليومَ نعيشُ واحدةً من هذه الذكرياتِ العظيمةِ وهو النصرُ الإلهيُّ في حربِ تموز، وهذا هو سببُ الحصارِ الذي فرضَتْهُ الولاياتُ المتّحدةُ الأمريكيةُ على لبنان ما أدى إلى المصاعبِ الاقتصاديةِ والأزماتِ الاجتماعيةِ التي نعيشُها اليومَ ولكنَّ الشعبَ اللبنانيَّ المعتادَ على التضحيةِ أفشلَ المشروعَ الأمريكيَّ وأختارَ المقاومةَ من جديدٍ في الانتخاباتِ النيابيةِ الأخيرة.
كما إن ما قدّمتْهُ هذه المقاومةُ في سبيلِ إفشالِ المشروعِ التكفيريِّ الذي كان يستهدفُ كلَّ لبنان والتنوّعَ الطائفيَّ والمذهبيَّ فيه لإدخالهِ تحت وصايةِ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والكيانِ الصهيونيِّ هو جزءٌ من هذهِ التضحياتِ التي أتت نتيجةً للفَهمِ الحقيقيِّ للإسلامِ المحمديِّ الأصيل.
لا ننسى هنا أن ننوِّهَ بالتضحياتِ العظيمةِ التي قدّمها الجيشُ اللبنانيُّ في كلا الحربَيْنِ والتي كان لها عظيمُ الأثرِ في الوصولِ إلى الغاياتِ المنشودة، وهذه التضحياتُ مع تضحياتِ المواطنينَ اللبنانيينَ أكّدتْ على أهميةِ الثلاثيةِ الماسيّةِ "الجيشِ والشعبِ والمقاومة" في تحقيقِ عزّة ومِنعةِ الوطن.
أيها اللبنانيون...
وفي عيدِ الأضحى نقولُ لأهلِنا في لبنان نحنُ وإياكم في مركبٍ واحدٍ ننجو معاً أو نغرَقَ معاً، فلا يحاولُ كلُّ فريقٍ منا أن يتصرّفَ بمقعَدِه في المركبِ بغضِّ النّظرِ عن مصلحةِ الفريقِ الآخرِ بل علينا أن نجذّفَ جميعاً من أجلِ الوصولِ إلى برِّ الآمان وهذا لا يكونُ إلا بالوحدةِ الوطنيةِ والخروجِ من المهاتراتِ والدعواتِ الطائفيةِ والمذهبيةِ والإسراعِ في تشكيلِ حكومةِ وحدةٍ وطنيةٍ تعملُ على حلّ مشاكل الوطن.
ولا ننسى ونحنُ نتحدّثُ عن العيدِ وعن التضحيةِ، فلسطين، فلا عيدَ لنا وفلسطينُ محتلة، ولا عيدَ لنا والقدسُ يدنِّسُها الصهاينةُ، ولا عيدَ لنا وآلةُ الدمارِ الصهيونيةِ تقتلُ يومياً شباباً ونساءً وأطفالاً وشيوخاً من شعبِ فلسطين، وعيدُنا الحقيقيُّ يومَ نعيدُ لفلسطينَ ألَقِها ولأهلِها فرحتَهم وللمسلمينَ عزّتَهم بتحريرها من الاحتلالِ الصهيوني، ولا يكون ذلكَ إلا من خلالِ التضحيةِ بالغالي والنفيسِ والبراءةِ من المشركين وأعداءِ الإنسانية.
انطلاقاً من مفاهيمِ عيد الأضحى المبارك ولكي يكونَ الإحياءُ إحياءً حقيقياً فإننا ندعوكم إلى ما يلي:
أولاً: ندعوكم إلى الالتزامِ بتعاليمِ السماءِ مهما كانت طائفَتُكُم أو مذهبُكُم، فكلُّ الرسالاتِ دعتْ للمحبةِ والألفةِ والتكاملِ والتكافلِ ونهتْ عن التطرُّفِ، لذا فإن المطلوبَ هو الدعوةُ للعيشِ المشتركِ ونرفضُ ونشجبُ أيةَ دعوةٍ للتعصّبِ الطائفيِّ أو المذهبي.
ثانياً: ندعو للتمسكِ بخيارِ المقاومةِ باعتبارهِ الطريقَ الوحيدَ لصونِ الوطنِ وحمايتِهِ من الأطماعِ الصهيونيةِ وهو السبيلُ لاستكمالِ التحريرِ باسترجاعِ مزارعِ شبعا وتلالِ كفر شوبا وحمايةِ ثرواتنا الطبيعيةِ في مياهِنا وأرضِنا ونفطِنا وغازِنا.
ثالثاً: ندعو لرفضِ الفكرِ المتطرّفِ والمنحرفِ من أيِّ جهةٍ أتى والتركيزِ على الحوارِ سبيلاً وحيداً للوصولِ إلى القواسمِ المشتركةِ التي نحمي بها الوطنَ ونصونُ استقلالَه.
رابعاً: ندعو علماءَ الدينِ الإسلاميِّ كي تكونَ خطبةُ العيدِ دعوةً للوحدةِ الإسلاميةِ ونبذِ الفتنةِ والتمسكِ بأهدافِ الدينِ الحنيفِ، وكذلك دعوةً للوحدةِ الوطنيةِ كسبيلٍ وحيدٍ لحمايةِ الوطنِ والعيش الكريم.
خامساً: ندعو علماءَ الدينِ الإسلاميِّ لمحاربةِ الفكرِ التكفيريِّ الظلاميِّ وتبيانِ حقيقةِ الدينِ الإسلاميِّ المحمديِّ الأصيلِ كدينٍ يدعو للمحبةِ والألفة.
أيها اللبنانيون...
أعادَ الله عليكم عيدَ الأضحى المباركِ العامَ القادمِ وأنتم تنعمونَ بالأمنِ والأمانِ وراحةِ البالِ والتخلُّصِ من الظالمينَ وعلى رأسِهم الكيانُ الصهيونيُّ ويعودُ السلامُ إلى ربوعِ الوطنِ وتنتهي الخلافاتُ العبثيةُ التي لا يستفيدُ منها سوى العدوِّ الصهيوني.