اسمه وكنيته ونسبه(ع)(1)
الإمام أبو جعفر، محمّد بن علي بن الحسين(عليهم السلام).
من ألقابه(ع)
الباقر، الشاكر، الهادي.
تلقيبه(ع) بالباقر
لقد جاء لقب الإمام(ع) بالباقر من قبل رسول الله(ص)، حيث قال: «وَيُخْرِجُ اللهُ مِنْ صُلْبِ عَلِيٍّ ـ أي: زين العابدين ـ وَلَداً اسْمُهُ اسْمِي، وَأَشْبَهُ النَّاسِ بِي، يَبْقُرُ الْعِلْمَ بَقْراً، وَيَنْطِقُ بِالحَقِّ، وَيَأْمُرُ بِالصَّوَاب»(2).
ومعنى الباقر ـ كما في المعاجم اللغوية ـ المتبحّر بالعلم، والمستخرج غوامضه وأسراره، والمحيط بفنونه.
فلقد امتاز(ع) على مَن سواه في جميع المجالات ـ العقائدية والفقهية والتفسيرية والحديثية والعرفانية ـ ممّا كان مثار دهشة وإعجاب أعلام الفكر والأدب.
أُمّه(ع)
أُمّ عبد الله، فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى(ع).
ولادته(ع)
ولد في الأوّل من رجب 57ﻫ، وقيل: في الثالث من صفر 57ﻫ بالمدينة المنوّرة.
عمره وإمامته(ع)
عمره 57 عاماً، وإمامته 18 عاماً.
حكّام عصره(ع) في سِنِي إمامته
الوليد بن عبد الملك، سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، هشام بن عبد الملك.
جوانب من شخصيته(ع)
الجانب الروحي: عن الإمام الصادق(ع) قال: «كَانَ أَبِي كَثِيرَ الذِّكْرِ، لَقَدْ كُنْتُ أَمْشِي مَعَهُ وَإِنَّهُ لَيَذْكُرُ اللهَ، وَآكُلُ مَعَهُ الطَّعَامَ وَإِنَّهُ لَيَذْكُرُ اللهَ، وَلَوْ كَانَ يُحَدِّثُ الْقَوْمَ مَا يَشْغَلُهُ عَنْ ذِكْرِ اللهِ، وَكُنْتُ أَرَى لِسَانَهُ لَازِقاً بِحَنَكِهِ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَكَانَ يَجْمَعُنَا فَيَأْمُرُنَا بِالذِّكْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَيَأْمُرُ بِالْقِرَاءَةِ مَنْ كَانَ يَقْرَأُ مِنَّا، وَمَنْ كَانَ لَا يَقْرَأُ أَمَرَهُ بِالذِّكْرِ»(3).
هذه الرواية تعكس مدى تعلّق الإمام(ع) بربّه، وتُعبّر في نفس الوقت عن نفس تدكدكت في عشق بارئها عزّ وجل، وطلب القرب منه سبحانه، واستجلاب لطفه العميم، والتوجّه إليه بكلّ كيانه، أي بروحه وقلبه وجوارحه، ممّا لا يكون إلّا عند أولياء الله سبحانه.
الجانب الاجتماعي: نعني به أساليب الإمام(ع) في كيفية التعامل مع مجتمعه في العصر الذي كان فيه، ولذلك مصاديق عديدة، منها ما جاء في الرواية الآتية:
«عن الحسن بن كثير قال: شكوت إلى أبي جعفر محمّد بن علي(عليهما السلام) الحاجة وجفاء الإخوان، فقال: بِئْسَ الْأَخُ أَخٌ يَرْعَاكَ غَنِيّاً وَيَقْطَعُكَ فَقِيراً، ثُمَّ أَمَرَ غُلَامَهُ فَأَخْرَجَ كِيساً فِيهِ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَقَالَ: اسْتَنْفِقْ هَذَا، فَإِذَا نَفِدَتْ فَأَعْلِمْنِي»(4).
الجانب الفكري: لقد تفوّق الإمام الباقر(ع) على غيره في عصره بعمق تفكيره، وسموّ مكانته وشأنه العلمي في جميع العلوم الدنيوية والأُخروية.
فنجد عبد الله بن عمر يسأله الناس عن مسألة فلا يتمكّن من الإجابة عنها، فيوجّه سائله إلى الإمام الباقر(ع)، فيقبل السائل إلى الإمام(ع) فيُجيبه بلا تردّد عن مسألته العويصة التي عجز غيره عن الإجابة عنها.
ثمّ يعود السائل إلى ابن عمر، فيُخبره بالإجابة الفريدة، فيقول له ابن عمر: «إِنَّهُمْ أَهْلُ بَيْتٍ مُفَهَّمُون»(5).
من حكمه(ع)
1ـ قال(ع): «مَا دَخَلَ قَلْبَ امْرِئٍ شَيْءٌ مِنَ الْكِبْرِ، إِلَّا نَقَصَ مِنْ عَقْلِهِ مِثْلَ مَا دَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ قَلَّ أَوْ كَثُر»(6).
2ـ قال(ع): «إِيَّاكَ وَالْكَسَلَ وَالضَّجَرَ؛ فَإِنَّهُمَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ، مَنْ كَسِلَ لَمْ يُؤَدِّ حَقّاً، وَمَنْ ضَجِرَ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى حَقٍّ»(7).
3ـ قال(ع): «مَنْ صَدَقَ لِسَانُهُ زَكَا عَمَلُهُ، وَمَنْ حَسُنَتْ نِيَّتُهُ زِيدَ فِي رِزْقِهِ، وَمَنْ حَسُنَ بِرُّهُ بِأَهْلِهِ زِيدَ فِي عُمُرِه»(8).
4ـ قال(ع): «مَا شِيعَتُنَا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللهَ وَأَطَاعَهُ، وَمَا كَانُوا يُعْرَفُونَ إِلَّا بِالتَّوَاضُعِ وَالتَّخَشُّعِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَكَثْرَةِ ذِكْرِ اللهِ وَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْبِرِّ بِالْوَالِدَيْنِ، وَتَعَهُّدِ الْجِيرَانِ مِنَ الْفُقَرَاءِ وَذَوِي المَسْكَنَةِ وَالْغَارِمِينَ وَالْأَيْتَامِ، وَصِدْقِ الحَدِيثِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَكَفِّ الْأَلْسُنِ عَنِ النَّاسِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، وَكَانُوا أُمَنَاءَ عَشَائِرِهِمْ فِي الْأَشْيَاء»(9).
من زوجاته(ع)
أُمّ فروة فاطمة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر التيمية، أُمّ حكيم بنت أسيد بن المغيرة الثقفية، جارية.
من أولاده(ع)
1ـ الإمام جعفر الصادق(ع).
2ـ علي، قال عنه الشيخ الإصفهاني(قدس سره) في رياض العلماء: «كان من أعاظم أولاد مولانا الإمام الباقر(ع) وأكابرهم، ولغاية عظم شأنه لا يحتاج إلى التطويل في البيان»(10).
3ـ أُمّ سلمة «زوجة ابن عمّها عبد الله الباهر ابن الإمام زين العابدين(ع)».
4ـ زينب «زوجة عبيد الله بن محمّد بن عمر الأطرف بن علي بن أبي طالب».
5ـ فاطمة «روت حديثي الغدير والمنزلة عن عمّتها فاطمة بنت الإمام زين العابدين(ع)».
الدوافع التي أدّت بالأُمويّين إلى قتله(ع)
1ـ سُمو شخصيته(ع):
لقد كان(ع) أسمى شخصية في العالم الإسلامي، فقد أجمع المسلمون على تعظيمه والاعتراف له بالفضل، وكان مقصد العلماء من جميع البلاد الإسلامية.
وكان(ع) قد ملك عواطف الناس، واستأثر بإكبارهم وتقديرهم؛ لأنّه العلم البارز في الأُسرة النبوية، وقد أثارت منزلته الاجتماعية غيظ الأُمويّين وحقدهم، فأجمعوا على قتله للتخلّص منه.
2ـ أحداث دمشق:
لم يستبعد الباحثون والمؤرّخون تأثير أحداث دمشق في دفع الأُمويّين إلى قتل الإمام(ع)، وذلك لما يلي:
أوّلاً: تفوّق الإمام(ع) في الرمي على بني أُمية وغيرهم، حينما دعاه هشام إلى الرمي ظانّاً بأنّه(ع) سوف يفشل في رميه فلا يُصيب الهدف، فيتّخذ ذلك وسيلة للحطّ من شأنه والسخرية به أمام أهل الشام.
ولمّا رمى الإمام(ع) وأصاب الهدف عدّة مرّات بصورة مذهلة لم يعهد لها نظير في عمليات الرمي في العالم، ذُهل الطاغية هشام وأخذ يتميّز غيظاً، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، وصمّم منذ ذاك الوقت على اغتياله.
ثانياً: مناظرته(ع) مع هشام في شؤون الإمامة وتفوّق الإمام عليه، حتّى بان على هشام العجز، ممّا أدّى ذلك إلى حقده عليه.
ثالثاً: مناظرته(ع) مع عالم النصارى وتغلّبه عليه، حتّى اعترف بالعجز عن مجاراته أمام حشد كبير منهم، معترفاً بفضل الإمام(ع) وتفوّقه العلمي في أُمّة محمّد(ص).
وقد أصبحت تلك القضية بجميع تفاصيلها الحديث الشاغل لجماهير أهل الشام، ويكفي هذا الصيت العلمي أيضاً أن يكون من عوامل الحقد على الإمام(ع)، والتخطيط للتخلّص من وجوده.
كلّ هذه الأُمور بل وبعضها كان يكفي أن يكون وراء قتله(ع) على أيدي زمرة جاهلية افتقرت إلى أبسط الصفات الإنسانية، وحُرمت من أبسط المؤهّلات القيادية.
من وصاياه لولده الإمام الصادق(عليهما السلام)
1ـ قال الإمام الصادق(ع): «لمَّا حَضَرَتْ أَبِي(ع) الْوَفَاةُ، قَالَ: يَا جَعْفَرُ، أُوصِيكَ بِأَصْحَابِي خَيْراً، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، واللهِ لَأَدَعَنَّهُمْ ـ والرَّجُلُ مِنْهُمْ يَكُونُ فِي الْمِصْرِ ـ فَلَا يَسْأَلُ أَحَداً»(11).
2ـ أوصى ولده الإمام الصادق(ع) أن يُكفّنه في قميصه الذي كان يُصلّي فيه؛ ليكون شاهد صدقٍ عند الله على عظيم عبادته وطاعته له.
3ـ أوقف بعض أمواله على نوادب تندبه عشر سنين في منطقة مِنى، ولعلّ السبب في ذلك يعود إلى أنّ مِنى أعظم مركز للتجمّع الإسلامي.
ووجود النوادب فيه ممّا يبعث المسلمين إلى السؤال عن سببه، فيخبرون بما جرى على الإمام الباقر(ع) من صنوف التنكيل من قبل الأُمويّين واغتيالهم له، حتّى لا يضيع ما جرى عليه منهم، ولا تخفيه أجهزة الإعلام الأُموي.
استشهاده(ع)
استُشهد في السابع من ذي الحجّة 114ﻫ بالمدينة المنوّرة.
كيفية استشهاده(ع)
قُتل(ع) مسموماً بأمر إبراهيم بن الوليد بن يزيد عامل هشام بن عبد الملك على المدينة المنوّرة.
دفنه(ع)
تولّى الإمام الصادق(ع) تجهيز جثمان أبيه(ع)، وبعد تشييع حافل لم تشهد المدينة نظيراً له، جيء بجثمانه الطاهر إلى مقبرة البقيع، فدُفن بجوار مرقد عمّ أبيه الإمام الحسن المجتبى، وبجوار مرقد أبيه الإمام زين العابدين(عليهما السلام).
رثاؤه(ع)
ممّن رثاه الشيخ جعفر الهلالي(رحمه الله) بقوله:
«عُج على طيبةَ وحَيِّ الإماما ** باقر العلمِ مَن سَما إِعْظَاما
وابكِهِ في البَقيعِ مُنهدمَ القَبرِ ** وقَد كانَ شَامخاً يَتَسَامى
غَادَرَتهُ يدُ الجُناةِ بِفعلِ الحِقدِ ** فانهدَّ للصَّعيدِ رماما
لَم تُراقِبْ بهِ النَّبيَّ ولَم تَحفَظْ ** بهِ حُرمةً لهُ أو ذِماما
لَيتَ تِلكَ الأَكُفّ شُلَّتْ غَداةَ ** استَهْدَفَتْ من ذرى الكمالِ السَّناما
أَسَّسَتْها لَهُم أُميَّةُ أضغاناً ** فَعَلُوا عَلى الأَسَاسِ انتِقَاما
وأنَالوا الإِمامَ ظُلماً وَعسْفاً ** حِينَ جَارُوا وأَوْسَعُوهُ اهتِضَاما
إلى أن يقول:
وغَدا ابنُ الوَليدِ يَنْتَظرُ العر ** صةَ حَتَّى أحلَّ فيهِ الحِمَاما
دَسَّ سُمّاً لهُ نَقيعاً فَأَوْدَى ** بابنِ طَهَ وأثْكَلَ الإسْلَاما
فَقَضَى مِنهُ يَا لَهُ من مُصابٍ ** أَوْرَثَ القَلبَ لَوعةً وضراما
فنَعَتْهُ السَّماءُ والأرضُ شَجْواً ** وأسالَتْ لهُ الدُّموعَ سِجاما»(12).
ــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى 1/ 497، الأنوار البهية: 131.
2ـ بحار الأنوار 36/ 313.
3ـ الكافي 2/ 499 ح1.
4ـ الإرشاد 2/ 166.
5ـ مناقب آل أبي طالب 4/ 197.
6ـ كشف الغمّة 2/ 344.
7ـ تحف العقول: 295.
8ـ المصدر السابق.
9ـ المصدر السابق.
10ـ رياض العلماء 4/ 216.
11ـ الكافي 1/ 306 ح2.
12ـ موسوعة المصطفى والعترة 8/ 498.