- عمارة الملك محمد بن زيد الداعي الحسني:-
أمر ملك طبرستان (1) "السيد محمد بن زيد الداعي الحسني" في سنة 283هـ /896م ببناء حرم وقبّة للمرقد العلوي المطهر, وأحاط البناء بحصن فيه سبعون إيواناً لخدمة الزوّار والمجاورين. وكان هذا الملك قد أرسل أموالا من طبرستان لتعمير العتبات المقدسة في النجف وكربلاء والمدينة المنورة. قال ابن طاووس ما نصه: (وهو بنى المشهد الشريف الغروي أيام المعتضد, وقُتل في وقعة أصحاب السلطان, وقُبِرَ بجرجان, كذا ذكره في المشجرة) (2).
وكان إمامنا جعفر الصادق (عليه السلام) قد أخبر صاحبه "فرات بن الأحنف" غيبيا عن هذه العمارة عندما وقف على القبر في إحدى زياراته وقال: (( ها هنا قبر أمير المؤمنين "صلوات الله عليه"، أما إنَّه لا تذهب الأيام حتى يبعث الله رجلاً ممتحناً في نفسه بالقتل يبني عليه حصناً فيه سبعون طاقاً )). قال حبيب بن الحسين: (سمعت هذا الحديث قبل أنْ يُبنى على الموضع شيء، ثم إنَّ محمد بن زيد وجّه فبنى عليه، فلم تمض الأيام حتى أُمتحن محمد في نفسه بالقتل) (3).
قال العلاّمة الشيخ محمد السماوي في أُرجوزته "عنوان الشرف في وشي النجف" عن لسان الراوي:
وقد سمعـتُ انـّه قد خطبا *** فيـها وقال ستكون قُطْبـا
وسوف يبنيها فتى من ولدي *** ويُعقـد السور عليها بعدي
سبعين طاقـاً دائراً عليـها *** وسوف تقصد الورى إليهـا(4)
تُعد عمارة الداعي الحسني هي بداية التخطيط الحضري لمدينة النجف الأشرف ونشوء المشهد, فبدأت من حينها المجاورة للمرقد العلوي المطهر والدفن بقربه.
- عمارة الأمير عبدالله بن حمدان الحمداني:-
هي عمارة والي الموصل "الأمير أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان الحمداني" المتوفى سنة 317هـ.
قال الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق": (وعلى ستة أميال من الكوفة قبّة عظيمة مرتفعة الأركان, من كل جانب لها باب مغلق, وهي مستورة من كل ناحية بفاخر الستور, وأرضها مفروشة بالحُصر السامانية, ويُذكر أنَّ بها قبر عليّ بن أبي طالب (ع), وما استدار بالقبّة مدفن لآل أبي طالب, وهذه القبّة بناها أبو الهيجاء عبدالله بن حمدان في دولة بني العباس, وكان قبل في دولة بني أميَّة مخفياً) (5).
وقد رجّح الأستاذ صلاح الفرطوسي أنْ يكون تاريخ بناء هذه العمارة في عام 311هـ إذ يقول ما نصه: (ولم يقف أحد من الباحثين على تاريخ محدَّد لهذه العمارة, ويغالبني الظن أنَّ الأمر بها كان في سنة 311 هـ/ 923م, إذ إنَّ أبا الهيجاء كُلّف بالحج نيابة عن الخليفة سنة إحدى عشرة وثلاثمائة, أو أنّه قرر الحج فيها, ولابدَّ أنَّه توقف في الكوفة على عادة حجيج العراق, وزار قبر أمير المؤمنين عليه السلام, وأمر بإعماره ثم توجَّه من بعد الى الحج...)(6).
- عمارة الزعيم عمر بن يحيى العلوي:-
أقيمت هذه العمارة من قبل زعيم الكوفة "عمر بن يحيى العلوي" في سنة 338هـ /949م, فقد بنى حرماً جديداً وقبّة كبيرة على المرقد العلوي المقدس.
قال الشيخ محمد حسين حرز الدين في "تاريخ النجف الأشرف" عن العلوي ما يأتي: (اختصّه الله بفضيلتين فضيلة بناء قبّة جدّه أمير المؤمنين (ع) من خالص ماله, وردّ الحجر الاسود إلى محلّه, حيث توسّط الشريف أبو علي عمر بن يحيى العلوي هذا بين الخليفة المطيع لله في سنة 339هـ وبين القرامطة حتى أجابوه إلى ردّ الحجر الأسود, وجاؤا به إلى الكوفة وعلّقوه على الاسطوانة السابعة من أساطين الجامع قبل ردّه إلى بيت الله الحرام, وذلك تصديق لما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام في إخباره بالمغيّبات) (7).
إقرأ أيضا: من تاريخ المرقد العلوي المقدس.. حادثة نبش القبر
سوف نستعرض في الحلقة اللاحقة عمارة عضد الدولة البويهي والإيليخانية للمرقد العلوي المقدس .
الهامش:
----------------
(1) طبرستان: اقليم شمال ايران، يحده بحر قزوين من الشمال
(2) فرحة الغري في تعيين قبر أمير المؤمنين علي عليه السلام: 286.
(3) دلائل الإمامة: 459.
(4) عنوان الشرف في وشي النجف: 8.
(5) نزهة المشتاق في اختراق الآفاق: 1/ 381-382.
(6) مرقد وضريح أمير المؤمنين عليه السلام: 177-178.
(7) تاريخ النجف الأشرف: 2/ 91.