دحو الارض ... من أيام الله بين البيان اللغوي والتفسير الروائي ونوافله

السبت 25 يونيو 2022 - 05:44 بتوقيت غرينتش
دحو الارض ... من أيام الله بين البيان اللغوي والتفسير الروائي ونوافله

اسلاميات-الكوثر: في التقويم الإسلاميّ يحمل اليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة الحرام عنوان: يوم دَحْو الأرض، لمشهد من مشاهد الخَلْق العظيمة، وواقعة جليلة في بديع الخلق الإلهيّ، وهي مذكورة في الكتاب العزيز في آيتين:

الآية الاُولى: (والأرضَ بعدَ ذلك دَحاها) (سورة النازعات / 30) .

الآية الثانية: (والأرضِ وما طَحاها) (سورة الشمس/ 6) .

سوف نتناول هذا العنوان القرآنيّ ( دَحْو الأرض ) من خلال أربع نوافذ:

النافذة الأولى: الدحو في اللغة:

دَحَوتُ الشيءَ دحْواً: بَسَطتُه.

وقيل: دحاه بمعنى أزاله عن مقرّه، أو جرَفه، أو رمى به بقهر.

أمّا طحا فبمعنى: بسط فوسع، والطحا: المنبسط من الأرض، والطاحي الممتدّ، وقيل أيضاً: الطَّحْو كالدَّحْو، وهو بسط الشيء والذَّهاب به.

 (يراجع: مجمع البحرين، لفخر الدين الطريحيّ. والمفردات في غريب القرآن، للراغب الإصفهانيّ.. تحت الكلمتين: دحا وطحا).

النافذة الثانية: آفاق التفسير، يقول المفسّرون: "والأرض بعدَ ذلك دحاها" أي بَسَطها ومَدَّها بعد ما بنى السماء "ورفع سَمْكها وسوّاها، وأغطَشَ ليلَها وأخرَج ضُحاها". وقيل: المعنى يكون هكذا: والأرضَ ـ مع ذلك ـ دحاها، وذكرَ بعضهم أنّ الدحو بمعنى الدَّحرَجة.

أمّا الطَّحْو في قوله تعالى: (والأرضِ وما طحاها) فهو الدَّحو، وهو البَسط، و «ما» موصولة، فيكون المعنى والذي «طحاها». أي الذي طحا الأرض هو الله جلّت قدرته. وقد استخدمت الآيتان «ما» بدل «مَن» لإيثار الإبهام المفيد للتفخيم والتعجيب فيكون المعنى: واُقسم بالأرض والقويّ العجيب الذي بَسَطها.

النافذة الثالثة: نتعرّف من خلالها على ما ورد في روايات أهل البيت النبوّة (عليهم السلام)، وهي جملة وافرة جاءت في ظلّ آية دَحو الأرض، منها:

وضمن بيانه لعلل الأحكام والشرائع وبعض أسرار الحجّ وفضائله.. قال الإمام عليّ بن موسى الرضا (عليه السلام): وعلّة وضع البيت (أي الكعبة المشرّفة) وسطَ الأرض؛ أنّه الموضع الذي مِن تحته دُحيت الأرض... وهي أوّل بقعةٍ وُضعت في الأرض؛ لأنّها الوسط، ليكون الغرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء. (عيون أخبار الرضا عليه السّلام 90:2 ـ الباب 33 / ح1).

النافذة الرابعة: آفاق من العمل الصالح:

في اليوم الخامس والعشرون "يوم دحو الأرض"، وهو أحد الأيّام الأربعة التي خُصّت بالصيام بين أيّام السنة. وفي بعض الروايات يُذكر أنّ صيامه يعدل صيام سبعين سنة، إذ هو كفّارة لذنوب سبعين سنة. عن الصَّيقل قال: خرج علينا الإمام أبو الحسن (الرضا) عليه السلام بـ «مَرُو» في يوم خمسٍ وعشرين من ذي القعدة فقال: صوموا، فإنّي أصبحت صائماً. قلنا: جُعِلنا فداك، أيّ يوم هو؟! قال: يوم نُشرت فيه الرحمة، ودُحيت فيه الأرض، ونُصبت فيه الكعبة، وهبط فيه آدم (عليه السلام). (تهذيب الأحكام، للطوسيّ 306:1).

ويُستحبّ الغُسل في يوم دحو الأرض، فضلاً عن الصيام والعبادة وذِكر الله تبارك وتعالى.

وإلى ذلك هنالك عملان:

الأول: صلاة مرويّة، وهي ركعتان تُصلّى عند الضحى بـ «الحمد» مرّة و«الشمس» خمس مرّات، ويقول المصلّي بعد التسليم: لا حول و لا قوّة إلاّ بالله العليّ العظيم.

الثاني: دعاء يُستحبّ قراءته في هذا اليوم، وهو المذكور في (إقبال الأعمال)، للسيّد ابن طاووس. ومصباح المتهجّد، للشيخ الطوسيّ ـ باب أعمال ذي القعدة الحرام.

الثالث: ذكرت بعض كتب أعمال الشهور في بيان يوم دحو الأرض وأعماله، أنّ زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) في هذا اليوم من أفضل الأعمال المستحبّة.