نفحات من حياة الامام الرضا عليه السلام في ذكرى مولده المبارك

الجمعة 10 يونيو 2022 - 12:39 بتوقيت غرينتش
نفحات من حياة الامام الرضا عليه السلام في ذكرى مولده المبارك

أهل البيت-الكوثر: يوافق يوم غد السبت، الحادي عشر من شهر ذي القعدة ذكرى ولادة الإمام الثامن من سلالة رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن موسى الرضا (عليهما السلام)، وبهذه المناسبة الميمونة نقدم اسمى آيات التبريك للامام المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) ولقائد الثورة الاسلامية الامام السيد الخامنئي ولمراجع الدين وللامة الاسلامية جمعاء، ونستعرض بعض الجوانب من حياة الامام المباركة.

الإمام الرضا [عليه السلام] هو الإمام الثامن عند مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وابن فاطمة الزهراء بنت النبي محمد  [عليهم افضل الصلاة والسلام] ، له ألقاب عدة أشهرها (الرضا)، وكنيته أبو الحسن الثاني، ولد في المدينة المنورة سنة 148 هـ، واستشهد بجرعة سمٍّ دُسَّت له في العنب والرمان، في طوس سنة 203 هـ بأمرٍ من المأمون (الخؤون) العباسي، ودفن في مدينة مشهد/شمال شرق ايران/، وصار مرقده مزاراً يقصده الملايين من مختلف البلدان، ولقد استمرّت إمامته حوالي 20 عامّاً.

كان الإمام الرضا  [عليه السلام]  يُقيم في المدينة المنورة، لكنه انتقل إلى خراسان، بطلبٍ وأمرٍ من المأمون (الخؤون) العباسي؛ ليُكرهه على قبول ولاية عهده، وعند مروره بنيشابور روى حديث سلسلة الذهب المشهور.

عُرف عند أهل زمانه بالزهد والعبادة والإحسان للمستضعفين، غير أنّه اشتهر بسعة علمه ومعارفه، وذلك لتَفَوَّقه على جميع مَن ناظره من مختلف أصحاب المذاهب والأديان، وهذا ما كشفته مناظراته، التي كان يفرضها المأمون (الخؤون) العباسي بينه وبين كبار رجال المذاهب والأديان، وقد كان (الخؤون) العباسي يعقد هذه المناظرات لعلّه يتمكن من اثبات أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام)  ليس لديهم علم لَدُنّي كما هو معروف.

قال ابراهيم بن العبّاس: ما رأيت الرضا (ع) يسأل عن شيء قط إلا اعلم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأوَّل إلى وقته وعصره، وكان المأمون (الخؤون) يمتحنه بالسؤال عن كلّ شيء، فيجيب.

القابه الشريفة:

للامام علي الرضا (ع) ألقاب عدة، أشهرها الرضا، وكذلك لُقِّب، بالزّكيّ، والرضي، الوليّ، والوفيّ، والفاضل، والصابر، ونور الهدى، وسراج الله، وقرة أعين المؤمنين، ومُكِيد المُلْحِدِين.

كنيته الشريفة:

المشهور هو أنه يكنى: بأبي الحسن، ويكنى في بعض أسانيد الروايات بأبي الحسن الثاني، باعتبار أنّ والده الإمام موسى الكاظم (ع) هو أبو الحسن الأول.

محل إقامته:

وُلِد الإمام الرضا [عليه السلام] في المدينة المنورة، واستشهد في طوس، وقد  قضى حوالي سبع عشرة سنة من إمامته في المدينة – وهي فترة ما بين سنة 183 هـ استشهاد الإمام الكاظم  [عليه السلام] حتى إشخاصه إلى خراسان سنة 201 هـ.

وبعد انتقاله إلى طوس أقام بقية حياته في طوس، والتي هي سنتان حيث استشهد [عليه السلام]  في سنة 203 للهجرة، وفيما عدا المدينة المنورة وطوس، أقام الإمام لمدة قصيرة في كل من الكوفة، والبصرة أيضاً.

زهد الامام (ع) وكرمه:

روي عن مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ قَالَ: كَانَ جُلُوسُ‏ الرِّضَا [عليه السلام] فِي الصَّيْفِ عَلَى حَصِيرٍ وَفِي الشِّتَاءِ عَلَى مِسْحٍ‏ وَلُبْسُهُ الْغَلِيظَ مِنَ الثِّيَابِ حَتَّى إِذَا بَرَزَ لِلنَّاسِ تَزَيَّنَ لَهُمْ، وَلَقِيَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي ثَوْبٍ خَزٍّ، فَقَالَ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ لَوْ لَبِسْتَ ثَوْباً أَدْنَى مِنْ هَذَا، فَقَالَ: هَاتِ يَدَكَ فَأَخَذَ بِيَدِهِ وَأَدْخَلَ كُمَّهُ، فَإِذَا تَحْتَ ذَلِكَ مِسْحٌ، فَقَالَ: يَا سُفْيَانُ الْخَزُّ لِلْخَلْقِ‏ وَالْمِسْحُ لِلْحَقِّ.

ما رواه يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّوْبَخْتِيُّ قَالَ: مَرَّ رَجُلٌ بِأَبِي الْحَسَنِ الرِّضَا [عليه السلام] فَقَالَ لَهُ: أَعْطِنِي عَلَى قَدْرِ مُرُوَّتِكَ. قَالَ: لَا يَسَعُنِي ذَلِكَ، فَقَالَ: عَلَى قَدْرِ مُرُوَّتِي. قَالَ: أَمَّا إِذاً فَنَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: يَا غُلَامُ أَعْطِهِ مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَفَرَّقَ [عليه السلام]  بِخُرَاسَانَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ، فَقَالَ لَهُ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ: إِنَّ هَذَا لَمَغْرَمٌ، فَقَالَ: بَلْ‏ هُوَ الْمَغْنَمُ‏ لَا تَعُدَّنَّ مَغْرَماً مَا ابْتَعْتَ بِهِ أَجْراً وَكَرَماً.

من علم الامام (ع) ومعرفته:

عُرِف الإمام الرضا [عليه السلام] بتفرّده عن أهل زمانه بسعة العلم والمعرفة، وشهد له بذلك مختلف أصحاب المذاهب والأديان، والروايات في ذلك كثيرة:

منها ما قاله عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ صَالِحٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ‏ مِنْ‏ عَلِيِ‏ بْنِ‏ مُوسَى‏ الرِّضَا [عليه السلام] وَلَا رَآهُ عَالِمٌ إِلَّا شَهِدَ لَهُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِ، وَلَقَدْ جَمَعَ الْمَأْمُونُ فِي مَجَالِسَ لَهُ ذَوَاتِ عَدَدِ عُلَمَاءِ الْأَدْيَانِ، وَفُقَهَاءِ الشَّرِيعَةِ، وَالْمُتَكَلِّمِينَ، فَغَلَبَهُمْ عَنْ آخِرِهِمْ حَتَّى مَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلَّا أَقَرَّ لَهُ بِالْفَضْلِ، وَأَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْقُصُورِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الرِّضَا [عليه السلام] يَقُولُ: كُنْتُ أَجْلِسُ فِي الرَّوْضَةِ وَالْعُلَمَاءُ بِالْمَدِينَةِ مُتَوَافِرُونَ، فَإِذَا أَعْيَا الْوَاحِدُ مِنْهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ أَشَارُوا إِلَيَّ بِأَجْمَعِهِمْ، وَبَعَثُوا إِلَيَّ بِالْمَسَائِلِ فَأَجَبْتُ عَنْهَا.

ومنها ما روي عن أَبُي ذَكْوَانَ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ الْعَبَّاسِ يَقُولُ‏: مَا رَأَيْتُ الرِّضَا [عليه السلام]  سُئِلَ عَنْ شَيْ‏ءٍ قَطُّ إِلَّا عَلِمَهُ، وَلَا رَأَيْتُ أَعْلَمَ مِنْهُ بِمَا كَانَ فِي الزَّمَانِ إِلَى وَقْتِهِ وَعَصْرِهِ، وَكَانَ‏ الْمَأْمُونُ‏ يَمْتَحِنُهُ‏ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ بِالسُّؤَالِ عَنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ، فَيُجِيبُ فِيهِ وَكَانَ كَلَامُهُ وَجَوَابُهُ وَتَمْثِيلُهُ بِآيَاتٍ مِنَ الْقُرْآنِ وَكَانَ يَخْتِمُهُ فِي كُلِّ ثَلَاثٍ، وَيَقُولُ: لَوْ أَرَدْتُ أَنْ أَخْتِمَهُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ لَخَتَمْتُ، وَلَكِنْ مَا مَرَرْتُ بِآيَةٍ قَطُّ إِلَّا فَكَّرْتُ فِيهَا وَفِي أَيِّ شَيْ‏ءٍ نَزَلَتْ وَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَلِذَلِكَ صِرْتُ أَخْتِمُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ.

معرفة الامام (ع) بكل اللّغات:

تميَّز الإمام الرضا (ع) بمقدرته على مخاطبة كل قوم بلغته، وهذا قد تظافرت به الروايات الواردة عن مَن كان يتواصل معه (ع):

يقول اسماعيل السندي: سمعت بالهند أنّ لله في العرب حجّة، فخرجت في طلبه، فدللت على الرضا  [عليه السلام]  فقصدته، وأنا لا أحسن العربية، فسلّمت عليه بالسنديّة، فردّ عليَّ بلغتي، فجعلت اُكلمه بالسندية، وهو يردّ عليَّ بها، وقلت له: إنّي سمعت أنّ لله حجّة في العرب، فخرجت في طلبه، فقال: أنا هو، ثمّ قال لي: سلْ عمّا أردته، فسألته عن مسائل فأجابني (ع) عنها بلغتي.

ويقول أبو الصّلت الهروي: ’’ كان الرضا (ع) يُكلّم النّاس بلغاتهم، فقلت له في ذلك، فقال: يا أبا الصّلت، أنا حجّة الله على خلقه، وما كان الله ليتّخذ حُجّة على قوم وهو لا يعرف لُغاتهم، أو ما بلغك قول أمير المؤمنين (ع): أُوتينا الخطاب، وهل هو إلا معرفته للُّغات.

عبادة الامام (ع) وتقواه:

يقول الشبراوي: عليّ الرضا (ع) كان صاحب وضوء وصلاة ليله كلّه، يتوضّأ ويصلّي ويرقد، ثمّ يقوم فيتوضّأ ويصلّي ويرقد، وهكذا إلى‏ الصباح.

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الصُّولِيِّ عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ أَبِيهِ وَاسْمُهَا عُذَرُ قَالَتْ: اشْتُرِيتُ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الْجَوَارِي فَحُمِلْنَا إِلَى الْمَأْمُونِ فَوَهَبَنِي لِلرِّضَا (ع) فَسَأَلْتُ عَنْ أَحْوَالِ الرِّضَا (ع) فَقَالَتْ: مَا أَذْكُرُ مِنْهُ إِلَّا أَنِّي كُنْتُ أَرَاهُ يَتَبَخَّرُ بِالْعُودِ الْهِنْدِيِّ السَّنِيِّ، وَيَسْتَعْمِلُ بَعْدَهُ مَاءَ وَرْدٍ وَمِسْكاً وَكَانَ (ع) إِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ وَكَانَ يُصَلِّيهَا فِي أَوَّلِ وَقْتٍ، ثُمَّ يَسْجُدُ فَلَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَجْلِسُ لِلنَّاسِ أَوْ يَرْكَبُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فِي دَارِهِ كَائِناً مَنْ كَانَ- إِنَّمَا يَتَكَلَّمُ النَّاسُ قَلِيلًا قَلِيلًا.

وعَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَبَّاسِ وهو يصف حال الإمام الرِّضَا (ع) فِي حَدِيثٍ: أَنَّهُ كَانَ (ع) قَلِيلَ النَّوْمِ بِاللَّيْلِ كَثِيرَ السَّهَرِ- يُحْيِي أَكْثَرَ لَيَالِيهِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى الصُّبْحِ - وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ فَلَا يَفُوتُهُ صِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الشَّهْرِ - وَيَقُولُ ذَلِكَ صَوْمُ الدَّهْرِ - وَكَانَ كَثِيرَ الْمَعْرُوفِ وَالصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ - وَأَكْثَرُ ذَلِكَ يَكُونُ مِنْهُ فِي اللَّيَالِي الْمُظْلِمَةِ - فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ رَأَى مِثْلَهُ فِي فَضْلِهِ فَلَا تُصَدِّقْهُ.

إحسان الامام (ع) وعطفه:

أخرج الكليني (رض) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّلْتِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَلْخٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ الرِّضَا (ع) فِي سَفَرِهِ إِلَى خُرَاسَانَ، فَدَعَا يَوْماً بِمَائِدَةٍ لَهُ فَجَمَعَ عَلَيْهَا مَوَالِيَهُ مِنَ السُّودَانِ وَغَيْرِهِمْ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ لَوْ عَزَلْتَ لِهَؤُلَاءِ مَائِدَةً، فَقَالَ: مَهْ إِنَّ الرَّبَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَاحِدٌ وَالْأُمَ‏ وَاحِدَةٌ وَالْأَبَ وَاحِدٌ وَالْجَزَاءَ بِالْأَعْمَالِ.

سيرته الذاتية:

نشأ الإمام الرضا (ع) في البيت الذي هو امتداد لبيت النبوّة، وهو بيت إمامٍ سليل أئمة، وأبو أئمة، وهو بيت الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، وتربى وتأدَّب في بيتٍ حوى أطهر الخلق سريرة وأعلمهم في زمانهم، وأكثرهم تقوى وعبادة، واغزرهم عطاءاً وكرماً.

إمامة الرضا (ع):

من أبرز دلائل إمامته، نص الروايات التي رويت على جمهرة من أصحاب أبيه الامام موسى بن جعفر (ع)  ومنها:

عن داود الرقي قال: قلت لأبي إبراهيم - يعني موسى الكاظم (ع) :- فداك أبي إني قد كبرت، وخفت أن يحدث بي حدث، ولا ألقاك، فأخبرني من الإمام من بعدك؟ فقال: ابني علي  (ع).

وعن محمد بن إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي الحسن الأول– الكاظم- (ع): ألا تدلني على من آخذ منه ديني؟ فقال: هذا ابني علي‏.

بالإضافة إلى الروايات العديدة، فإنّ مقبوليّة الإمام الرضا (ع) بين شيعته وأفضليته العلميّة والأخلاقيّة هي التي أثبتت إمامته على الرغم من أنّ قضيةالإمامة كانت في زمنه في غاية الحساسية والتعقيد، ولكنّ أكثر أصحاب الإمام الكاظم (ع) سلّموا بالإمام الرضا (ع) من بعده.

تصديه للإمامة:

تصدى الإمام الرضا (ع) للأمامة بعد أبيه الامام الكاظم (ع) لمدة 20 سنة بين (183 -203 هـ)، عاصر فيها مُلك هارون الرشيد (السفيه)، (10 سنوات) ومُلك محمد الأمين (الخائن) ( 3 سنوات وخمسة وعشرين يوماً)، ثمّ خُلع واُجلس عمّه إبراهيم بن المهدي المعروف بابن شكلة (14 يوماً)، ثُم اُخرج محمد ثانية وبويع له وبقى بعد ذلك (سنة وسبعة أشهر) وقتله طاهر بن الحسين، ثُم مُلك المأمون (الخؤون)، (5 سنوات).

سفره إلى خرسان:

لقد كانت هجرة الإمام الرضا (ع) من المدينة إلى مرو في سنة 200 هـ، وهذا ما صرّح به بعض الباحثين، حيث قالوا: أنّ الإمام الرضا (ع) استقر في المدينة حتى سنة 201 هـ، ودخل مرو في شهر رمضان من السنة نفسها.

جاء في تاريخ اليعقوبي أنّ المأمون (الخؤون العباسي) أمر الرجاء بن الضحاك - وهو من أقارب الفضل بن سهل بجلب الإمام الرضا (ع) من المدينة إلى خراسان عن طريق البصرة، وقد حدد المأمون (الخؤون العباسي) مسيراً خاصّاً لقافلة الإمام خشية من أن يمرّ الإمام على المناطق التي تقطنها الشيعة، ويلتقي بهم فأمر أن لا يأتوا به عن طريق الكوفة، بل عن طريق البصرة وخوزستان وفارس ومنه إلى نيشابور، فهكذا كانت حركة الإمام استناداً لكتاب أطلس الشيعة: (المدينة، نقره، هوسجة، نباج، حفر أبي موسى، البصرة، الأهواز، بهبهان، إصطخر، أبرقوه، ده شير، يزد، خرانق، رباط بشت بام، نيشابور، ده سرخ، طوس، سرخس، مرو).

ومن أهم وأوثق ما حدث في هذا الرحلة الطويلة حديث الإمام في مدينة نيشابور المشهور بحديث سلسلة الذهب.

إقرأ أيضأ: حديث سلسلة الذهب في ذكرى مولد الامام الرضا (عليه السلام)

 

 

ولاية عهد المأمون (الخؤون):

طلب المأمون (الخؤون) العباسي من الإمام الرضا (ع) أن يكون ولي عهده في الخلافة، فرفض الإمام (ع) ذلك كما تشير جملة من الأخبار والروايات، غير أنّ (الخؤون) العباسي إلتجأ إلى تهديد الإمام الرضا (ع) بالتصريح تارة وبالتلويح أخرى، ممّا دفع بالإمام (ع) ولحفظ الدماء، لقبول ولاية العهد بشرط أن لا تكون له أي سلطة تشريعية أو تنفيذية في حكم (الخؤون) العباسي من قبيل: التنصيب والعزل، فقبل (الخؤون) العباسي ذلك، لأنّ دوافعه في تولية الإمام ولاية العهد، كانت لتهدئة الأوضاع الداخليّة وللسيطرة على الثورات التي قادها العلويّون، وسلب القداسة والمظلومية عن الثورات ، وإضفاء المشروعيّة على الخلافة العباسيّة.

مناظراته مع العلماء:

بعد أن قدم الإمام الرضا (ع) مُكرهاً إلى مرو في بلاد فارس، بأمرٍ من المأمون (الخؤون) العباسي، عقد (الخؤون) مجموعة من المناظرات العلمية التي حضرها مختلف علماء المذاهب والأديان، وطلب من الإمام الرضا (ع) مناظرتهم، فكانت تتمحور هذه المناظرات في غالبيتها حول المسائل العقائدية والفقهية، ولما أدرك (الخؤون) أنّه لا يوجد نظيرًا للإمام الرضا (ع)، وأنّ الأمر بدأ ينعكس عليه سلباً، أخذ بالحدّ من هذه المناظرات، وقد أشار إلى ذلك عبد السلام الهروي‏.

مكانته عند عموم المسلمين

حاز الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مكانة كبيرة عند مدرسة أهل البيت، حيث كان الإمام الثامن من الأئمة الاثنى عشر، وكذلك كانت له مكانة عند من لم يعتقد بإمامته، من أعلام المذاهب الإسلامية الأخرى، وتجلَّى ذلك في كلماتهم التي دوّنوها في مصنّفاتهم عنه:

قال ابن حجر: كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب.

قال السمعاني: والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب.

قال الذهبي: كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس،صيره المأمون ولي عهده لجلالته.

قال الواقدي: سمع علي الحديث من أبيه وعمومته وغيرهم، وكان ثقة يفتي بمسجد رسول الله  (صلى الله عليه وآله)  وهو ابن نيف وعشرين سنة.

قال اليافعي: توفّى الإمام الجليل المعظّم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أحد الأئمة الأثني عشر، أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم ...

قال ابن حبان: علي بن موسى الرضا ... من سادات أهل البيت وعقلائهم، وأجلَّة الهاشميين ونبلائهم ... ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون، فمات من ساعته ... وقد زرته مرارا كثيرة وما حلت بي شدَّة في وقت مقامي بطوس فزرت علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراه فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليه وعليهم أجمعين.

اللهم اَللّـهُمَّ صَلِّ عَلى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى الرِّضا الْمُرْتَضَى الاِمامِ التَّقِيِّ النَّقِيِّ وَحُجَّتِكَ عَلى مَنْ فَوْقَ الاَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الثَّرى، الصِّدّيقِ الشَّهيدِ، صَلاةً كَثيرَةً تامَّةً زاكِيَةً مُتَواصِلَةً مُتَواتِرَةً مُتَرادِفَةً، كَاَفْضَلِ ما صَلَّيْتَ عَلى اَحَد مِنْ اَوْلِيائِكَ.

اللهم ارزقنا توفيق الألتزام بسيرة الامام الرضا (ع) وزيارته في الدنيا وشفاعته في الآخيرة.. اللهم آمين.