وبناء على الحديث فإنّ الاعتقاد بالتوحيد سبب للنجاة من نار جهنّم، لكن الإمام الرضا (ع) عدّ نفسه شرطا لهذه النجاة، وقال علماء الشيعة إنّ الإمام أراد الاعتقاد بالإمامة.
وجاء في كتاب (أعيان الشيعة) عن كتاب (الفصول المهمّة) لابن الصبّاغ المالكي ، أنّه قال : حدّث السعيد إمام الدنيا وعماد الدين محمّد بن أبي سعيد بن عبد الكريم الوزان عن كتاب (تاريخ نيسابور) : أنّ علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) لمّا دخل نيسابور في السفرة التي خصّ فيها بفضيلة الشهادة ، كان في قبّة مستورة على بغلة شهباء ، وقد شقّ نيسابور .
فعرض له الإمامان الحافظان للأحاديث النبوية، والمثابران على السنّة المحمدية ، أبو زرعة الرازي ، ومحمّد بن أسلم الطوسي ، ومعهما خلق لا يحصون من طلبة العلم والحديث والدراية ، فقالا :
أيّها السيّد الجليل ، ابن السادة الأئمّة ، بحقّ آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين ، إلاّ ما أريتنا وجهك الميمون المبارك ، ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدّك محمّد (صلى الله عليه وآله) نذكرك فيه .
فاستوقف (ع) البغلة وأمر غلمانه بكشف المظلة عن القبّة ، وأقرّ عيون الخلائق برؤية طلعته المباركة ، فكان له (ع) ذؤابتان على عاتقه ، والناس كلّهم قيام على اختلاف طبقاتهم ينظرون إليه، وهم ما بين صارخ وباك، ومتمرّغ بالتراب، ومقبّل لحافر البغلة، فصاح العلماء والفقهاء : معاشر الناس، اسمعوا وعوا، وأنصتوا لسماع ما ينفعكم، ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم .
فقال الإمام الرضا (عليه السلام): (حدّثني أبي موسى الكاظم ، عن أبيه جعفر الصادق ، عن أبيه محمّد الباقر ، عن أبيه على زين العابدين ، عن أبيه الحسين شهيد كربلاء ، عن أبيه علي بن أبي طالب ، أنّه قال) :
حدّثني حبيبي وقرّة عيني رسول الله (صلى الله عليه وآله)، عن جبرائيل (عليه السلام) أنّه قال : سمعت ربّ العزّة سبحانه يقول: (كلمة لا إله إلاّ الله حصني، ومن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن عذابي).
ثمّ أرخى الستر على القبّة وسار ، فقدّر أهل المحابر الذين يكتبون ، فزادوا على عشرين ألفاً .
والحديث على ما يبدو من الأحاديث المتّفق عليها بين المحدّثين ، وقد ذكره بهذا الإسناد كل من وصف رحلة الإمام الرضا (ع) إلى خراسان ، وقال أبو نعيم الأصفهاني في (حلية الأولياء)، بعد أن روى الحديث المذكور: هذا حديث ثابت مشهور بهذا الإسناد ، من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين .
ومضى يقول: وكان بعض سلفنا من المحدّثين إذا روى هذا الإسناد يقول : لو قرئ هذا الإسناد على مجنون لأفاق .
ونقل صاحب كتاب (كشف الغمّة) في نهاية هذا الحديث كلاماً، عن الأستاذ أبو القاسم القشيري: أنّ هذا الحديث بهذا السند بلغ بعض أمراء السامانية، فكتبه بالذهب، وأوصى أن يدفن معه، فلمّا مات رُئي في المنام ، فقيل : ما فعل الله بك ؟
فقال : غفر الله لي بتلفّظي بـ (لا إله إلاّ الله ، وتصديقي محمّداً رسول الله) مخلصاً ، وأنّي كتبت هذا الحديث بالذهب تعظيماً واحتراماً .
ويروي الشيخ الصدوق (قدس سره) في نهاية الحديث زيادة لطيفة، قال: فلمّا مرّت الراحلة نادانا: (بشروطها وأنا من شروطها)، والمقصود بأنّه إمام من قبل الله عزّ وجل على العباد، مفترض الطاعة عليهم .
اقرأ أيضا
أربعون قبسة من حديث الامام الرضا (عليه السلام) في ذكرى مولده المبارك
وقال الشيخ الصدوق بعد نقله للحديث: قوله "من شروطها" يعني الإقرار للرضا عليه السلام بأنّه إمام من قبل الله عز وجل، على العباد مفترض الطاعة عليهم.