الوعد الإلهي بنصرة المستضعفين في خلافة الأرض

السبت 30 إبريل 2022 - 08:46 بتوقيت غرينتش
الوعد الإلهي بنصرة المستضعفين في خلافة الأرض

اسلاميات-الكوثر: {ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين} سورة القصص المباركة، آیة: 5

قال الله في محكم كتابه المجيد..{ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}.. سورة القصص، آیة: 5

بماذا ينطق القرآن الكريم؟

القضايا الكبرى التي تهم الإنسان تتضمنها الأواني الثلاثة:

إناء الماضي ...وإناء الحاضر ...وإناء المستقبل....

وحياة الانسان كلها، وما يتطلبه ويحتاجه في هذه الاواني الثلاثة

والانسان ليس للحاضر فقط، وإنما هو لهذه الأواني الزمانية الثلاثة جمعا، للماضي وللحاضر وللمستقبل. وكما لا ينفصل الإنسان عن الماضي لا ينفصل عن المستقبل.

أولا:

إن الإنسان يعيش الحاضر، ولكن بميراث الماضي وآمال المستقبل. ويدخل الماضي في تكوين فكر الإنسان وتشخيصه وثقافته وولائه وبراءته. وإن ميراثنا من الأنبياء والصالحين والهداة والدعاة الى الله في الولاء والبراءة، وفي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جزء لا يتجزأ من كياننا الثقافي والسياسي والحركي… كما أن العكس أيضاً صحيح،

وإن فصائل الكفر براءة واحدة، وإنْ تشعبت وتعددت ولاءاتهم لا ينفصل حاضرهم عن ماضيهم. وإنّ حاضرهم ميراث الماضي، وماضيهم جذور الحاضر وعمقه الحضاري. هذا أولا،

ثانيا:

إن الماضي، ليس فقط ساحة لحوادث الشارع، وانما هو ساحة لسنن الله تعالى أيضاً ، وسنن الله لاتتبدل ولا تتحول، وهي سواء في الماضي والحاضر والمستقبل.

وعندما نقول التأريخ لا نعني فقط السرد الزماني لحوادث التأريخ ، وإنّما نقصد به وعي سنن الله في التاريخ والمجتمع من خلال هذا السرد الزمني لأحداث التأريخ

 وعليه فإننا نقرأ الحاضر والمستقبل في مرآة التأريخ . والقرآن الكريم شديد العناية بهذين الأمرين فيما يذكر من التأريخ وهو كثير.

ثالثا:

والقرآن الكريم كما يعني بالماضي يعني بالمستقبل وكما يربط الحاضر بالماضي، يربط الحاضر بالمستقبل.

يقول تعالى: {{ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين}} سورة القصص، آیة: 5

وهذه الآية المباركة وإن كانت وارده في شأن الصراع القائم بين بني إسرائيل بإمامة موسى بن عمران (على نبينا وآله وعليه السلام) وبين فرعون وجنده، ولكن مشيئة الله تعالى وإرادته بإقامة المستضعفين ووراثتهم للمستكبرين وسقوط المستكبرين وهلاكهم… مشيئة عامة لا تخص ساحة الصراع من بني إسرائيل وفرعون في التأريخ ، وإنما تعم الماضي والحاضر والمستقبل.

ويقول تعالى: {{ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون}} سورة الأنبياء - الآية 105.

وهذا الميراث العظيم، لاشك لم يتحقق بعد بكل أبعاده ولاشك أنه سوف يتحقق في المستقبل.

ويقول تعالى: {{إنّ الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين}} (الأعراف / ١٢٨)

ويقول تعالى: {{فاصبر إن العاقبة للمتقين}} (هود / ٤٩)

والآيات بهذا المعنى كثيرة في كتاب الله المجيد، وهي جميعاً تطمئن المؤمنين بالمستقبل، وتوكد لهم أن لهم العاقبة، وأنهم سوف يرثون الأرض وما فيها من سلطان، وأن الله تعالى يجعلهم أئمة في الأرض وشهداء عليها لا محالة وهي تبعث الأمل في نفوسهم، وتمكنهم من تجاوز الحاضر بآلامه ومعاناته لإستقبال المستقبل، ليس بالآمال والأحلام، وإنما طبقاً لسنن الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتغير في التأريخ والمجتمع.

وشتان بين من يمنّي الناس بالآمال والاحلام، ومن يوضح لهم سنن الحياة وقوانينها للماضي والحاضر والمستقبل، والقرآن لا يمنـّي الناس بالآمال والأحلام وإنما يشرح لهم سنن الله تعالى في التأريخ والمجتمع ليعد المؤمنون أنفسهم لإمامة المستقبل ووراثته، وليبعث هذا الإعداد والتحضير في نفوسهم القدرة على مقاومة معاناة الحاضر وعذابه.

فلا يفصل القرآن الكريم الحاضر عن الماضي، كما لا يفصل الحاضر عن المستقبل.

وكما يقرر سنن الله للمؤمنين في الماضي والمستقبل، كذلك يرسم للمؤمنين نظام أمرهم وحياتهم في الحاضر فالقرآن إذن يستوعب قضايا الإنسان في الماضي والحاضر والمستقبل.

يقول الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام): «ذلكم القرآن فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن أخبرك عنه: ألا أن فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم ونظم مابينكم».

إذا استنطقنا القرآن أخبرنا القرآن بالمستقبل والماضي والحاضر «علم ما يأتي والحديث عن الماضي، ودواء دائكم ونظم مابينكم».

الشيخ محمد مهدي الآصفي (قدس سره)/ من كتاب في رحاب القرآن الكريم