بمولد المهدي المنتظر (عج)..الحتمية الإلهية في استخلاف أئمة الهدى في الأرض

الثلاثاء 15 مارس 2022 - 04:37 بتوقيت غرينتش
بمولد المهدي المنتظر (عج)..الحتمية الإلهية في استخلاف أئمة الهدى في الأرض

أهل البیت-الکوثر: قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى ٱلَّذِينَ ٱسْتُضْعِفُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ ٱلْوَٰرِثِينَ).. (سورة القصص المباركة، آية: 5)، الآية الكريمة تعني: إرادتنا ومشيئتنا اقتضت احتواء المستضعفين بلطفنا وكرمنا، (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض) وأن تشملهم رعايتنا ومواهبنا، تكون بيد الحكومة ومقاليد الأمور: ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.

الذين استضعفوا يكونون اولي قوة وقدرة في الأرض (ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون)، ما أبلغ هاتان الآيتان، وما أعظم ما فيهما من رجاء وأمل!.. إذ جاءتا بصورة الفعل المضارع والاستمرار، لئلا يتصور أنهما مختصتان بالمستضعفين من بني إسرائيل وحكومة الفراعنة، إذ تبدآن بالقول: ونريد أن نمن....
أي إن فرعون أراد أن يجعل بني إسرائيل شذر مذر ويكسر شوكتهم ويبير قواهم وقدرتهم، ولكننا أردنا - ونريد - أن ينتصروا ويكونوا أقوياء!
فرعون يريد أن تكون الحكومة بيد المستكبرين إلى الأبد. ولكنا أردنا أن تكون بيد المستضعفين، فكان كما أردنا.
والتعبير ب‍ " نمن " معناه منح الهبات والنعم، وهو يختلف تمام الاختلاف مع " المن " المراد به عد النعم لتحقير الطرف المقابل، وهو مذموم قطعا.
ويكشف الله في هاتين الآيتين الستار عن إرادته ومشيئته بشأن المستضعفين، ويذكر في هذا المجال خمسة أمور بعضها مرتبط ببعض ومتقاربة أيضا:
الأول: قوله تعالى: ونريد أن نمن... لنشملهم بالمواهب والنعم.. الخ.
الثاني: قوله: ونجعلهم أئمة.
الثالث: قوله: ونجعلهم الوارثين أي المستخلفين بعد الفراعنة والجبابرة.
الرابع: قوله: ونمكن لهم في الأرض أي نجعلهم يحكمون في الأرض وتكون السلطة والقدرة وغيرهما لهم وتحت تصرفهم..
والخامس: إن ما كان يحذره الأعداء منهم وما عبأوه لمواجهتهم يذهب أدراج الرياح، وتكون العاقبة لهم ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون.
هكذا لطف الله وعنايته في شأن المستضعفين، أما من هم أولئك المستضعفون؟! وما هي أوصافهم؟!
حكومة المستضعفين العالمية
 إن الآيات المتقدمة لا تتحدث عن فترة خاصة أو معينة، ولا تختص ببني إسرائيل فحسب، بل توضح قانونا كليا لجميع العصور والقرون ولجميع الأمم والأقوام، إذ تقول: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين.
فهي بشارة في صدد انتصار الحق على الباطل والإيمان على الكفر.
وهي بشارة لجميع الأحرار الذين يريدون العدالة وحكومة العدل وانطواء بساط الظلم والجور.
وحكومة بني إسرائيل وزوال حكومة الفراعنة ما هي إلا نموذج لتحقق هذه المشيئة الإلهية والمثل الأكمل هو حكومة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) وأصحابه بعد ظهور الاسلام.. حكومة الحفاة العفاة والمؤمنين المظلومين الذين كانوا موضع تحقير فراعنة زمانهم واستهزائهم ويرزحون تحت تأثير الضغوط " الظالمة " لائمة الكفر والشرك.
وكانت العاقبة أن الله فتح على أيدي هؤلاء المستضعفين أبواب قصور الأكاسرة والقياصرة، وأنزل أولئك من أسرة الحكم والقدرة وأرغم أنوفهم بالتراب.
والمثل الأكبر والأوسع هو ظهور حكومة الحق والعدالة على جميع وجه البسيطة - والكرة الأرضية - على يد " المهدي " أرواحنا له الفداء.
فهذه الآيات هي من جملة الآيات التي تبشر - بجلاء - بظهور مثل هذه الحكومة، ونقرأ عن أهل البيت (عليهم السلام) في تفسير هذه الآية أنها إشارة إلى هذا الظهور العظيم.
فقد ورد في نهج البلاغة عن الامام علي (عليه السلام) قوله: " لتعطفن الدنيا علينا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها، وتلا عقيب ذلك: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض " (نهج البلاغة - الكلمات القصار رقم ٢٠٩).
وفي حديث آخر نقرأ عنه (عليه السلام) في تفسير الآية المتقدمة قوله: " هم آل محمد (صلى الله عليه وآله) يبعث الله مهديهم بعد جهدهم فيعزهم ويذل عدوهم " (الغيبة للشيخ الطوسي حسب نقل تفسير نور الثقلين، ج 4، ص 110).
ونقرأ في حديث آخر عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) قوله:
" والذي بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، إن الأبرياء منا أهل البيت وشيعتهم بمنزلة موسى وشيعته، وإن عدونا وأشياعهم بمنزلة فرعون وأشياعه " (مجمع البيان ذيل الآية) (أي سننتصر أخيرا وينهزم أعداؤنا وتعود حكومة العدل والحق لنا).
ومن الطبيعي أن حكومة المهدي (عليه السلام) العالمية في آخر الأمر لا تمنع من وجود حكومات إسلامية في معايير محدودة قبلها من قبل المستضعفين ضد المستكبرين، ومتى ما تمت الظروف والشروط لمثل هذه المحكومات الإسلامية فإن وعد الله المحتوم والمشيئة الإلهية سيتحققان في شأنها، ولابد أن يكون النصر حليفها بإذن الله.
 الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ١٢

إقرأ أيضا: بمولد المهدي المنتظر (عج)..الحتمية الإلهية في استخلاف أئمة الهدى في الأرض