وقائع وأدوار:
كان لعديّ بن حاتم أدوار مهمّة وركائز عديدة ساهمت في تغيير وجه الأحداث، منها:
ثباته هو وقومه وقبيلته طيّء على الإسلام ولم يرتدّوا بعد وفاة النبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله في بعض من ارتدّ.
شهوده فتحَ العراق ووقعة القادسيّة ووقعة مِهران، ويوم الجِسر.. وكان له فيه بلاءٌ حَسَن.
وثوبه على الوليد بن عُقْبة حين شرب الخمر وأساء السيرة، فشارك في عزله عن ولاية الكوفة.
كان من المعارضين للسياسة الخاطئة التي سَرَت أيام عثمان.
كان من المسارعين لبيعة أمير المؤمنين عليه السّلام والمناصرين له والمؤازرين، وكان له الباع الأطول في تحشيد القوات من طيّء وتسييرها لأمير المؤمنين عليه السّلام.
في معركة الجمَل.. أناط به أمير المؤمنين عليه السّلام مواقع مهمّة، فجعله ومحمّدَ بن أبي بكر على القلب، محمّداً على الخيل وعديّاً على رجّالتها. كما جعله في موقع آخر على خيل قُضاعة ورجّالتها ، ثمّ اشترك في عَقر الجمَل هو والحمُاة حتّى عَرقَبوه.
وفي صِفّين.. أمّره الإمام عليّ عليه السّلام على طيّء. حتّى إذا كان التوادع إلى أن ينسلخ المحرّم، أرسل أمير المؤمنين عليه السّلام عديّاً في جماعة ليدعوَ معاوية إلى الطاعة. فقام عديّ مقاماً مشكوراً أثنى فيه على أمير المؤمنين عليٍّ عليه السّلام، وهدّد معاويّةَ بأمرِّ القتال وأشدّه.
ثمّ قاد الجيش العلويّ وجحافلَه ضدّ الجيش الأُموي بقيادة عبدالرحمن بن خالد بن الوليد يوم 8 صفر سنة 37 هجريّة، وقد حشّد معاوية أشدّاءَ رِجاله، فكان النصر حليف عديّ، وفرّ عبدالرحمن وتوارى في العَجاج وعاد إلى معاوية مقهوراً.
وكان من بلائه الحسَن أن أردى المُقاتلَ الشاميّ المشجّع بن بِشر الجُذاميّ، وكان يحاول قتلَ أمير المؤمنين عليه السّلام، فطعنه عديّ في لَبّته فجدّله قتيلاً. وضرب همّامَ بن قُبيصة النُّميريّ ـ وكان من أشتم الناس للإمام عليّ عليه السّلام ـ وكان معه لواء هَوازِن، فسلب لواءه.
ولمّا كان الصلح.. وبّخ عديٌّ الحكَمَين واتّهمهما لمّا أبطأ أمرهما، ولمّا فُرغ من الكتاب كان عديّ أحد شهوده؛ امتثالاً لأمر إمامه.
ولمّا عزم الإمام عليّ عليه السّلام المعاودة إلى صفّين وقتال الشاميّين.. دعا الناسَ لذلك، فكان عديّ في أوائل مَن أجابوه، حيث رفعوا له أربعين ألف مقاتل وسبعة عشر ألفاً من الأبناء وثمانية آلاف من عبيدهم ومَواليهم.
وعندما بايع الناسُ الإمام الحسن عليه السّلام.. خطب الناسَ ودعاهم إلى قتال معاوية فتخاذلوا، فقام عديّ بن حاتم فخطبهم ووبّخهم، ثمّ كان أوّل من سمح بطاعته وأبدى استعداده، حيث مضى إلى النُّخيلة فكان أوّل الناس عسكراً.
كان عديّ من المؤيّدين لثورة حُجْر بن عَديّ الكنديّ وأصحابه، فتوسّط ودافع عنه عند زياد بن أبيه دون جدوى، ثمّ تعاطف بعد مقتله مع عبدالله بن خليفة الطائي ـ أحد أصحاب حجر ـ تعاطفاً شديداً وأبى أن يسلّمه لابن زياد.
ملَكاته الخطابية
عُرف عن عَدِيّ بن حاتِم الطائيّ كونه خطيباً بارعاً، ومِقوالاً لامعاً، ومُحجاجاً بالتي هي أحسن، لا ينقطع عن الجواب بل هو حاضره. وخُطبه ومحاوراته ومناظراته شاهدة على ذلك.
وأمّا شاعريّته.. فهو في طليعة شعراء أمير المؤمنين عليه السّلام، وكان أبوه حاتم من شعراء الجاهليّة وله ديوان، وكأنّ عديّاً وَرِث هذه الملَكة عن أبيه مُضيفاً إليها القيم الإسلاميّة ومواقفها المبدئيّة والولاءات الصادقة للنبيّ وآله صلوات الله عليه وعليهم.
وكان من شعر عديّ بن حاتم قوله:
ألا إنّ هذا الدينَ أصبح أهلُهُ على مِثْل حدِّ السيف بعدَ محمّدِ
ولا ذاك عن ذُلٍّ ولا عن مَخافةٍ على الدينِ والدنيا لإنجاز مَوعدِ
ولكنْ أُصِبنا بالنبيّ فلَيلُنا طويلٌ.. كليلِ الأرمَدِ المُتلَدِّدِ
وقال في الرَّجَز:
أقولُ لمّا أن رأيتُ المَعمَعه واجتمع الجُندانِ وَسْطَ البلقعهْ
هذا عليٌّ والهدى حقّاً مَعَهْ يا ربِّ فاحفظْه ولا تُضيِّعَهْ
فإنّه يخشاكَ ربّي فارفعَهْ ومَن أراد عيبَهُ فضَعضِعَهْ
أو كادَهُ بالبغيِ منك فاقمَعَهْ
وقال في الولاية والبراءة:
نسيرُ إذا ما كاعَ قومٌ وبَلّدوا براياتِ صدقٍ كالنُّسورِ الخَوافِقِ
إلى شَرِّ قومٍ مِن شُراةٍ تَحزَّبوا وعادَوا إلهَ الناسِ ربَّ المَشارقِ
طُغاةٍ عُماةٍ مارقينَ عن الهدى وكلِّ لعينٍ قولُه غيرُ صادقِ
وفِينا عليٌّ ذو المعالي يَقودُنا إليهم جَهاراً بالسُّيوفِ البَوارقِ
وقال معبِّراً عن ولايته لأمير المؤمنين عليه السّلام بعد أن سلب راية العدوّ:
يا صاحبَ الصوتِ الرفيعِ العالي إن كنتَ تبغي في الوغى قتالي
فادْنُ فإنّي كاشفٌ عن حالي تَفدي عليّاً مهجتي ومالي
وأُسرتي يَتبعُها عيالي
وعلى نحو الدعاء.. قال عديّ بن حاتم في الرَّجَز:
يا ربَّنا سَلِّمْ لنا عَلِيّا سلَّمْ لنا المباركَ التقيّا
المؤمنَ المسترشَدَ الرضيّا واجعَلْه هادي أُمّةٍ مَهْديّا
لا خَطِلَ الرأي ولا غَوِيّا واحفَظْه ربّي واحفَظِ النبيّا
فيهِ فقد كان لنا وليّا ثمّ ارتضاه بعدَهُ وصيّا
وقال: هذا لكمُ وَليّا مِن بعدُ إذْ كان بكم حَفِيّا
وفاته رضوان الله عليه:
تراوح المؤرّخون في تحديد وفاة عديّ بن حاتم بين أربع سنين: من 66 ـ 69 هجريّة، وبعضهم لم يحدّد السنة وإنّما اكتفى بأنّه تُوفّي في أيّام المختار الثقفيّ، علماً أنّ المختار كانت حكومته على الكوفة ثمانية عشر شهراً: من ربيع الأوّل سنة 66 إلى النصف من شهر رمضان سنة 67 هجرية.
وفي الحلقة اللاحقة سوف نستعرض اسلام سفانه بنت حاتم الطائي اخت حاتم.
إقرأ أيضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (47) عدي بن حاتم الطائي (رض) خالص الإيمان