وقال الله تعالى في محكم كتابه الكريم: (وَإِذْ قَالَتِ ٱلْمَلَٰٓائِكَةُ يَٰامَرْيَمُ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاٰكِ وَطَهَّرَكِ وَٱصْطَفَاٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعاَٰلَمِينَ) (سورة ال عمران المباركة، آية: 42).
ليس من باب التساب او التشاتم او التوسل بالأساليب المشؤومة، ثم و لأجل ان نبتعد عن حالة التعنصر او ما يطلق عليه الطائفية ، نقول من المهم ان يكون كل رد لشبهة او مقولة ان يكون مبتنيا على اساس من الدليل والحجة والبيان والمنطق العقلي والمسند الى مصادر معتمدة ومقبولة، وحينها يكون الحوار عقلانيا يعتمد اسلوب الحجة بالحجة والدليل بالدليل، وهو منهج مقبول عند كل المنصفين والعقلانيين في العالم المتمدن وعند العلماء الاعلام....
ورد على كثير من صفحات النت وخاصة مواقع (وكذلك كتب) الوهابية، مقولة مفادها أن لفاطمة (سلام الله عليها) منزلة وهي سيدة نساء العالمين، كما ان مريم سيدة نساء العالمين، إلا انه وحسب اقوالهم لا يمكن أن نفضل الزهراء عليها، فضلا عن قول بعضهم بتفضيل مريم، ويستدل على ذلك بما ورد بحق مريم الآية المذكورة اعلاه..
فهل من رد مقنع في تفضيل الزهراء عليها
و ما هو الدليل على ذلك...
و نقول و باختصار ....
لما نستقرأ النصوص الشرعية من كتب روائية، سنجد أنها تؤكد على حقيقة ثابتة وهي إذا كان أنبياء أولي العزم قد حصروا في خمسة وهم نوح و ابراهيم و موسى و عيسى ومحمد سلام الله على نبينا وعليهم اجمعين، فالروايات قد حصرت النساء باربع وهن: (مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد).
فأما الروايات التي تحصر الأفضلية باربع نسوة فقد ذكرت هذا المعنى بصيغ متعددة كقوله (ص) «حسبك من نساء العالمين مريم وخديجة وفاطمة وآسيا». وكقوله (ص):” كفى بك من نساء العالمين مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون ، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد” .
وقد وردت بعض هذه الأحاديث باسانيد معتبرة في عدة كتب روائية سواء من مدرسة الخلافة أو مدرسة أهل البيت (ع) منها ( مسند أحمد ج3 ص135/سنن الترمذي ج5 ص367/المستدرك للحاكم النيسابوري ج3 ص157/فتح الباري لابن حجر ج6 ص340/المعجم الكبير للطبراني ج22 ص402/الاستيعاب لابن عبد البر ج4 ص1822/الجامع الصغير لجلال الدين السيوطي ج1 ص574 /شرح الأخبار،القاضي المغربي ج3 ص21/المناقب لابن المغازلي ص363./ذخائر العقبى لاحمد بن عبد الله الطبري ص43….الخ)
والسؤال المطروح هو : ما الذي يُثبت بأن فاطمة عليها السلام هي أفضلهن ؟
الإجابة سنجدها لما نستقرأ النصوص الشرعية الروائية ، فمن المعلوم ان النصوص الشرعية تفسر بعضها بعضا ، فمن تلك الروايات
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله) أيضاً انه قال: (ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة، استأذن ربّه أن يُسَلّمَ عليَّ ويبشرني بأنَّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنَّة » وقد روي هذا الحديث في مصادر الفريقين وخصوصاً في مصادر مدرسة الخلافة نذكر منها( كنز العمّال : ١٢ / ٩٦ ح ٣٤١٥٨ و ص ١٠٢ / والصواعق المحرقة : ١٨٥ ص ١٨٩ ، والفتح الكبير: ١ / ٢٨ وص ٢٤٩ وص ٤٢٦. وسعد الشموس : ٢٠٣ ، والإدراك : ٤٩ ، وحسن الأسوة : ٢٩٠ ، وينابيع المودّة : ١٦٥ وص ٢٦٤ ، ومرقاة المفاتيح : ١١ / ٣٩٣ ، وأحمد في مسنده : ٥ /٣٩١ ، عنه الفصول المهّمة : ١٢٧ وتاريخ دمشق على ما في منتخبه: ٤ / ٩٥ وص ٢٠٦ ، وترجمة الإمام الحسين 7من تاريخ دمشق : ٥١ ح ٧٣ …الخ).
والظاهر من خلال مراجعة هذه الأحاديث أنَّها ممن أتفقت عليه مدرستي الخلافة وأهل البيت (ع).
وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في سندها ، وأما مضمونها فهو واضح وصريح بأن فاطمة (ع) هي سيدة نساء العالمين، وهي من افضلهن، اذاً فمن كانت افضلهن في الجنة فهي ممن كانت افضلهن في العالمين سيدة نساء هذه الأمة وما قبلها.
ولكن ربما يعترض البعض قائلاً: ان قولكم بأن فاطمة عليها السلام هي سيدة نساء العالمين يعارض ما صرّح به تعالى في كتابه بأن مريم عليها السلام هي سيدة نساء العالمين ، قال تعالى ( وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) (آل عمران : آية ٤٢)؟
ويمكننا الأجابة على هذا التساؤل وفق النقاط التالية :
1) كلمة العالمين الواردة في قوله تعالى (وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ) هل هي مطلقة حتى يكون معناها أن مريم هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين ! أم هي مقيدة بزمانها بمعنى أنها سيدة نساء عالمها وزمانها فقط !! فهل يجب ان نحمل لفظ (العالمين) على اطلاقه ؟
إذا كان الأمر كذلك فلزم ان نحمل لفظ “العالمين” على اطلاقه أيضاً في آيات أخر !! في حين أن الجميع يرفض مثل هذا الحمل ، ولبيان ذلك :
1- وردت كلمة تفضيل علىٰ العالمين لأنبياء بني إسرائيل في كتابه الكريم، قال تعالى (وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ) (الأنعام/86). فالآية الشريفة بيّنت أن الله تعالى فضل أنبياء بني إسرائيل على العالمين هذا هو الظاهر منها، ولكن من منا يقول إن هؤلاء الأنبياء أفضل من نبينا محمد صلى الله عليه و اله، بل من من المسلمين يقول بذلك ؟
2- وردت كلمة تفضيل علىٰ العالمين لبني إسرائيل ،قال تعالى (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)(البقرة/47). فإذا التزمنا بان لفظ العالمين يُحمل على اطلاقه فلزم منه ان يكون اليهود أفضل من المسلمين وهذا ما لا يتفق عليه. ثم ان هذا القول سيعارض قوله تعالى بأن أمة محمد صلى الله عليه وآله هي خير أمة ، قال تعالى (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ )(آل عمران/110).وسيعارض نصوصاً شرعية أخرى قرآنية وروائية تثبت ذلك.
وكذلك فان هذا المدح بكونهم افضل الأمم سيتعارض مع الذم النازل بحقهم، قال تعالى (ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الحَقِّ ) (البقرة/61).( فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ )(النساء/155).
وعلىٰ هذا الاساس تكون كلمة الاصطفاء على العالمين مثل كلمة التفضيل. إذن من نفس مفردات القرآن الكريم نستفيد من كلمة عالمين أي عالم زمانها سواء كانت كلمة عالمين في قضية تفضيل اليهود أو تفضيل الأنبياء أو تفضيل مريم عليها السلام. اذن تكون كلمة عالمين يعني عالم زمانها ليس إلاّ.
وعندما ناتي ونستقرأ الروايات المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، سيتبين بأن الروايات تنسب السيادة المطلقة لفاطمة الزهراء عليها السلام وليست لمريم عليها السلام، علماً أن هناك روايات تُصرّح بهذا القيد ، منها ما ورد عن "سعيد بن المسيب عن ابن عباس" قال : « ان رسول الله (ص) كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين: فقال : اللهم إنك تعلم ان هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس علي فأُحب من أحبهم وأبغض من ابغضهم وأُوالي من والاهم وأُعادي من عاداهم … إلىٰ أن يقول الرسول (ص) في حق فاطمة … وإنها لسيدة نساء العالمين. فقيل يا رسول الله ، أهي سيدة نساء عالمها ؟ فقال (ص) : ذاك لمريم بنت عمران ؛ فأما إبنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين ، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون : يا فاطمة إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)..الىٰ آخر الحديث.(1)
(1) أمالي الصدوق :٣٩٣ / ح ١٨ ، عنه البحار : ٤٣ / ٢٤ ح ٢٠ / تأويل الآيات : ١ / ١١١ ح ١٧ نور الثقلين : ١ / ٢٨١ ح ١٣٥. اثبات الهداة : ١ / ٥٣٨ ح ١٦٦. بشارة المصطفى : ٢١٨ روضة الواعظين ١٨٠ ، غاية المرام ٥٢ ح ٣٢.
فيكون الحديث بمثابة تحديد لاطلاق كلمة العالمين التي وردت في الآية القرآنية فتكون النتيجة أن مريم سيدة نساء عالمها وفاطمة سيدة نساء العالمين من الاولين والآخرين.
و الحمد لله رب العالمين.