ابن نوح:
لم يكن النبي نوح (على نبينا وآله وعليه السلام) هذا النبي العظيم أبا فحسب، بل كان مربيا لا يعرف التعب والنصب، ومتفائلا بالأمل الكبير بحيث لم ييأس من ابنه القاسي القلب، فناداه عسى أن يستجيب له، ولكن – للأسف – كان أثر المحيط السيء عليه أكبر من تأثير قلب أبيه المتحرق عليه.
لذلك فإن هذا الولد اللجوج ظن أنه ينجو من غضب الله تعالى، أجاب والده نوحا و ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾ ولكن نوحا لم ييأس مرة أخرى فنصحه أن يترك غروره ويركب معه و﴿قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾ ولا ينجو من هذا الغرق إلا من شمله لطف الله ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾.
وفي هذه الحالة التي كان ينادي نوح إبنه ولا يستجيب الابن له ارتفعت موجة عظيمة والتهمت كنعان بن نوح وفصل الموج بين نوح وولده ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ (هود، 43).
يا نوح انه ليس من أهلك:
حين رأى نوح إبنه تتقاذفه الأمواج ثارت فيه عاطفة الأبوة وتذكر وعد الله في نجاة أهله فالتفت إلى ساحة الله مناديا ﴿فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ (هود، 45).
ولكنه سمع الجواب مباشرة.. جواب يهز هزا كما إنه يكشف عن حقيقة كبيرة.. حقيقة إن الرباط الديني أسمى من رباط النسب والقرابة.. ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ (هود، 46).
فهو فرد غير لائق، حيث لا أثر لرباط القرابة بعد أن قطع رباط الدين. ﴿..فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ (هود، 46).
فأحس نوح أن طلبه هذا من ساحة رحمة الله لم يكن صحيحا، ولا ينبغي أن يتصور نجاة ولده مما وعد الله به في نجاة أهله، لذلك توجه إلى الله معتذرا مستغفراو ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾(هود،47).
مقتبس من تفسير الامثل للشيخ مكارم الشيرازي