استعاد الجيش الإثيوبي، أخيراً، زمام المبادرة في معاركه مع «جبهة تحرير شعب تيغراي»، مُحقّقاً تَقدُّماً في عدّة جبهات، تَمثّل آخر وجوهه في إعلانه استعادته السيطرة على كامل إقليم أمهرة شمالي البلاد، بعد أسبوعين من استعادته إقليم عفر شمال شرقيها. وبحسب مراقبين، فإن دخول سلاح المُسيَّرات على الخطّ، أعطى القوات الحكومية أفضلية عسكرية على متمرّدي «تيغراي»، ومكّنها من إلحاق خسائر بهم، ودفْعهم إلى الانسحاب من مواقع كثيرة في الإقليمَين، بقرار من قيادتهم، على رغم التضحيات الكبيرة التي بذلوها للسيطرة على تلك المواقع. ودافعت قيادات في الجبهة عن ذلك الانسحاب بأنه جاء نتيجة لاعتبارات استراتيجية، دونما هزيمة فعليّة على الأرض، وهو ما لا يمكن التحقّق منه عملياً، بسبب الرقابة الحكومية الشديدة.
ويعزو مراقبون هذا التحوّل إلى فشل استراتيجية «تيغراي»، التي قامت على مبدأ توسيع رقعة القتال، وتصعيد وتيرته، بما يؤدّي إلى انهيار معنويات قوات «الدفاع الشعبي الإثيوبي» من جهة، وخلْق ضغط سياسي قد يؤدي إلى اضطرابات داخل أديس أبابا، يَنتج منها سقوط حكومة آبي أحمد تلقائياً. وبنتيجة فشل الخطّة التي رُسمت لإسقاط العاصمة، وَجدت قيادة الجبهة أن الأسلم لها حالياً المحافظة على الهدف الأساسي الذي تَحقّق من خلال فكّ الحصار عن إقليم تيغراي، خصوصاً مع اضطرار الحكومة الفيدرالية إلى إرخاء قبضتها عن الإقليم وسكّانه، لتخليص المدنيّين من معاناة الجوع الناجمة عن انعدام المساعدات الإنسانية. من جهة أخرى، نجح آبي أحمد، بالتأسيس على التحالف الذي بناه مع كلّ من إرتيريا والصومال، في استدعاء قوّاته سريعاً من الصومال، في حين شاركت القوات الإرتيرية مبكراً ولا تزال في المعارك ضدّ «تيغراي». أمّا جيبوتي، فقد أعلنت رفضها السماح لأيّ قوّات أجنبية بمهاجمة أديس أبابا انطلاقاً من أراضيها، ما سمح للقوات الإثيوبية بتركيز جهودها على جبهة واحدة. كذلك، نجحت حكومة آبي أحمد، باستئنافها القتال مع القوات السودانية في منطقة الفشقة المتنازَع عليها بين البلدَين، في إفشال الجهود الأميركية لخلق ضغط عليها، من خلال حدودها الشمالية الغربية، كما في تثبيت الاتهامات المُوجَّهة إلى الخرطوم بتجاوُز دعمها «تيغراي»، حدود المساندة المعنوية والإعلامية، إلى الإمداد بالسلاح والمواد التموينيّة.
في خضمّ ذلك، برز موقف صيني لافت جلّته زيارة وزير الخارجي الصيني، وانغ يي، إلى أديس أبابا مطلع الشهر الحالي، في أوّل زيارة لمسؤول أجنبي إلى إثيوبيا منذ احتدام المعارك نهاية تشرين الأوّل الماضي. وأكّد وانغ، خلال محادثاته مع المسؤولين هناك، رفْض بكين أيّ محاولة للتدخّل في الشؤون الداخلية الإثيوبية، ودعْمها حكومة آبي أحمد، في رسالة واضحة من الصين بأنها ستقف إلى جانب حليفتها، ولن ترضى بأن تخسر موطئ قدمها في القرن الأفريقي، حيث تنفّذ العديد من المشاريع المشتركة مع إثيوبيا. وإلى جانب الدّعم الصيني، طلبت حكومة آبي أحمد المساعدة من أطراف دوليّين وإقليميّين آخرين، كروسيا وتركيا، بالتوازي مع فتْحها البلاد علناً لاستقطاب منتِجي السلاح غير الغربيّين، وهو ما انعكس تحسُّناً في فعاليّة جيشها، بعد حصولها على إمدادات من الدول المذكورة، بتمويل من دولة الإمارات، بحسب متابعين.
ومن شأن هذا التحسّن، الذي وازاه تراجعٌ في أداء «تيغراي»، أن يفتح الباب على عودة الصراع إلى المربّع الذي رغبت الحكومة الإثيوبية في أن يظلّ رازحاً فيه، أي صراعاً داخلياً بين إقليمَي «تيغراي» و«أمهرة». كذلك، تسمح الظروف المستجدّة، لحكومة آبي أحمد، بتقليص مساحة النزاع الجغرافية، بحيث يتسنّى لقوّات «الدفاع الشعبي الإثيوبي» إدخال قوميّة «تيغراي» في حالة استنزاف طويلة الأمد، تسمح بإعادة إحكام الحصار على الإقليم وسكّانه، وبالتالي دفْع جبهته الداخلية إلى الانهيار، ومن ثمّ إجلاس قيادات جديدة من داخله إلى طاولة المفاوضات. وتأمّل الحكومة في أن تتمكّن، من خلال ذلك، من وأْد مشروع التيّارات الانفصالية، وإنهاء طموحها إلى ضرب التوجّه المركزي الذي يسعى آبي أحمد لترسيخه، من طريق محاربة الموروث السياسي لرئيس الوزراء الأسبق، ملس زيناوي، والمتمثّل في إنهاض إثيوبيا على قائمة نظام فيدرالي، يحترم الخصوصيات الثقافية والدينية والتاريخية للقوميات الإثيوبية الكبرى.