نجوم في سماء الولاية...العلامة الأميني في زهده وعبادته ونوادر من حياته

الأحد 5 ديسمبر 2021 - 09:18 بتوقيت غرينتش
نجوم في سماء الولاية...العلامة الأميني في زهده وعبادته ونوادر من حياته

اسلاميات-الكوثر: في الذكرى السنوية لرحيل صاحب "موسوعة الغدير"، العالم الإيراني الكبير الشيخ عبدالحسين الأميني التبريزي (رض)، التي صادفت يوم امس السبت، الثامن والعشرين من شهر ربيع الثاني سنة 1390هـ –1970م ، سوف نتطرق الى زهده وعبادته ونوادر من حياته.

زهده وعبادته:

في مراحل حیاة الشيخ الأميني (رض) كان ملازماً للزهد والتقى ، ورِعاً ، متعبداً، على جانب كبير من الصلابة الدينية ، عفيف الطبع، لم يأمل اي أنسان ، متوكلا على خالقه بالانقطاع اليه ، رغدا في عيشه البسيط ، وحياته المتواضعة ، وكان (رحمه الله) ولِعاً بقراءة القرآن الكريم والدعاء والصلوات المسنونة، إذا قرب الفجر قام إلى صلاة الليل وقرنها بفريضة الصبح ، ثم یجلس إلى قراءة القرآن الکریم حتى ينهي جزءا كاملا كل يوم، مرتلاً آياته بتدبر وإمعان ، متزودا من حججه وبيّناته ، وبعد تناول طعام الصبح يأوي إلى مكتبته الخاصة ، ويعكف على المطالعة حتى يحضر عنده تلامذته للتزود من بيانه العذب ، وآرائه الحرة في الفقه والاصول ، ويبقى مستمرا على التدريس والبحث حتى يحين أذان الظهر، فيقوم إلى أداء الفريضة، ثم يتناول طعامه، ويأخذ من الراحة زهاء ساعة واحدة، ثم يعود للعمل في مكتبته حتى منتصف الليل.

كان العلامة الأميني (رض) كثير الزيارة للحرم العلوي الشريف، يقصده في أوقات مختلفة، فإذا استأذن بالزيارات المنصوصة ودخل الحرم المطهر تنكر لكل أحد وهيمن عليه الخضوع والخشوع، والكآبة والحزن، يجلس قبالة وجه الإمام (سلام الله عليه)، وبدأ ببعض الفاظ الزيارات المعهودة مخاطبا مولاه بكلماته، والدموع تسيل على لحيته الكريمة، لا تنقطع حتى يبارح ذلك المشهد المقدس. وكثيرا ما كان يقصد زيارة سيد شباب أهل الجنة السبط الشهيد الامام الحسين (سلام الله عليه) في كربلاء راجلا، طلبا لمزيد الأجر، ومعه ثلة من صفوة المؤمنين، يقضي طريقه خلال ثلاثة أيام ، لا يفتر فيه عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والوعظ والارشاد، وإلقاء مواعظ وتوجيهات دينية على أهل القرى التي يمر بها، حتى يصل كربلاء المشرفة، فيدخل مشهد الإمام الشهيد ودموعه تنحدر على وجناته من لوعة المصاب.

نوادر من حياة الشيخ الأميني:

حياة الشيخ الأميني مليئة بكل ما هو نادر من حوادث الدهر، على الرغم من أن النادرة كما يدل عليه لفظها هي الحادثة الطريفة أو المصادفة الغريبة وهي تمتاز بقلة الوقوع، غير أن الرجل الذي حباه الله بتسديد ورعاية خاصة كالشيخ الأميني تتكرر في حياته المفارقات النادرة وكأن الله شاء أن يشيد بذكر هذا الأنسان ويجعل من تاريخ حياته أنموذج خاص تتطلع إليه الأجيال جزاءً لإخلاصه وتفانيه في أداء رسالته، ونحن في هذه العجالة نذكر النزر اليسير من تلك الحوادث لكي تكون شاهداً على عظيم منزلة المصنف عند الله تعالى .

رؤيا العالم الخوزستاني في الشيخ الأميني:

نقل الشيخ حسين الشاكري عن آية الله العلامة الورع المرحوم السيد محمد تقي الحكيم صاحب كتاب (الاصول العامة للفقه المقارن) في النجف الأشرف، بعد وفاة العلامة الأميني (رض) قال : حدثني أحد علماء خوزستان الأجلاء قال : رأيت فيما يرى النائم، كأن القيامة قد قامت، والناس في المحشر يموج بعضهم في بعض، وهم في هلع شديد، وفي هرج ومرج، كل واحد منهم مشغول بنفسه، ذاهل عن أهله وأولاده، ويصيح: إلهي نفسي نفسي النجاة، وهم في أشد حالات العطش، ورأيت جماعة من الناس يتدافعون على غدير كبير، من الماء الزلال، تطفح ضفتاه، وكل واحد منهم يريد أن يسبق الآخر لينال شربة من الماء، كما رأيت رجلا نوراني الطلعة، مهيب الجانب يشرف على الغدير، يقدم هذا ويسمح لذاك أن ينهل ويشرب، ويذود آخرين ويمنعهم من الورود والنهل .

قال : عند ذلك علمت أن الواقف على الحوض والمشرف على الكوثر هو الإمام علي أمير المؤمنين (ع)  ، فتقدمت وسلمت على الإمام (ع) فاستأذنت منه لأنهل من الغدير وأشرب ، فأذن لي فتناولت قدحاً مملوءا من الماء فشربته ، ونهلت . وبينما أنا كذلك إذ أقبل العلامة الأميني (قدس سره) فاستقبله الإمام بكل حفاوة وتكريم معانقا إياه ، وأخذ كأسا مملوءا بالماء وهمّ ان يسقيه بيده الشريفة ، فامتنع الأميني في بادئ الأمر ، تأدبا وهيبة ، ولكن الإمام (ع)  أصرّ على أن يسقيه بيده الكريمة ، فامتثل الأميني للأمر وشرب .

قال الشيخ : فلما رأيت ذلك تعجبت ، وقلت : يا سيدي يا أمير المؤمنين ، أراك رحبت بالشيخ الأميني ، وكرمته بما لم تفعله معنا ، وقد أفنينا أعمارنا في خدمتكم وتعظيم شعائركم ، واتباع أوامركم ونواهيكم ، وبث علومكم ؟ ! ! فالتفت إلي الإمام (ع)  وقال : " الغدير غديره " فاستيقظت من نومي وقد عرفت -  حينذاك - ما للعلامة الأميني من منزلة عند الله عز وجل وعند رسوله الكريم وعند أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين .

حجة أخرست الألسن:

اجتمع بعض من رجال الدين من اتباع مدرسة الخلافة في سوريا، وبعض من الشخصيات البارزة في أجهزة الدولة، ومن العسكريين، والقضاة حينذاك وغيرهم. اجتمعوا بالحاكم الطائفي (نور الدين النعساني)، وطلبوا منه إحالة " العلامة الأميني " على القضاء ومحاكمته بإثارة الطائفية ، والتفرقة بين المسلمين بسبب تأليفه كتاب (الغدير)، الذي أثار الشبهات على الخلفاء الثلاثة بأحاديث الغدير وغيره . وأخذ هؤلاء النفر يحرضونه على الانتقام منه عن طريق القانون . قال الحاكم (النعساني): آتوني كتابه حتى أقرأه ثم اجيبكم على طلبكم ، فلما جاؤوه بالأجزاء المطبوعة من كتاب " الغدير " طلب منهم مهلة ليقرأه ، وليجد بعض الثغرات القانونية ، والمواد الجرمية ، وليقدمه إلى المحاكمة ويحكم عليه بأقسى مواد القانون دون رحمة أو شفقة . مرت أيام وتبعتها أسابيع والنعساني لم يتطرق إلى كتاب " الغدير " بشيء، على الرغم من الاجتماع بهم الذي كاد يكون يوميا ، ولما طال بهم الانتظار طالبه بعضهم بالجواب . قال : باستطاعتي الحكم عليه بالإعدام وتنفيذه وحرق كتبه ومصادرة أمواله وكل ممتلكاته ، وإجراء أشد التنكيل به وبمن يلوذ به بشرط واحد ، هل تستطيعون تحقيقه ؟ فتحمس المجتمعون وقالوا كلهم : نعم ننفذ ونحقق كلما تطلبه منا . عند ذلك قال : الشرط هو أن تحرقوا جميع مصادركم، ومسانيدكم ، وكتبكم، وصحاحكم، حتى لا تكون له الحجة علينا عند تقديمه للمحاكمة . فبهت الذين ضلوا وانحرفوا، واسقط ما في أيديهم وقالوا مستفسرين: كيف يمكن ذلك ؟ ! ! قال : لأن جميع الأحاديث والروايات التي نقلها هي من صحاحكم ، ومسانيدكم ، وسيركم . وأثبتها في كتابه " الغدير " في محاججاته ، ومناظراته ، ومناقشاته . عند ذلك اسقط ما في أيديهم ورجعوا بخفي حنين ، خائبين .

الأميني في الأعظمية:

 نقل علي جهاد الحساني مدير مكتبة الأمام أمير المؤمنين (ع)  العامة قائلاً : قد سمعت عن الشيخ الأميني هذه القصة: فيما كان العلامة الأميني ( قدس سره ) مشغولاً في تأليف موسوعته (الغدير)، فاحتاج إلى أحد الكتب النادرة فلم يحصل عليه ، فبدأ يسأل ويبحث عن الكتاب ولكن دون جدوى ، وأخيراً لجأ إلى حرم أمير المؤمنين (ع) يشكو لذلك العظيم ما يعانيه في طلب الكتاب ، وفي ليلة من الليالي رأى فيما يرى النائم أن الإمام أمير المؤمنين (ع) قد جاءه وقال له : إن الكتاب الذي تريده والذي فيه الرواية التي تحتاج إليها يوجد عند العلامة الآلوسي (وهو من أسرة العلامة صاحب تفسير روح المعاني) وكان كبير علماء  بغداد انذاك وموجود في مكتبته الخاصة ، وقد ذكر له (ع)  الرف والكتاب والصفحة والسطر الذي تبدأ فيه الرواية ، ومن الجدير بالذكر أن الألوسي هذا هو الذي أفتى بقتل الأميني .

وفعلاً توجه الشيخ الأميني إلى الأعظمية والتقى بالعلامة الآلوسي، وتمكن الشيخ الأميني من الحصول على ضالته ورجع ظافراً بقضاء حاجته، بعدها افتى الشيخ الالوسي هذه المرة بعدم قتله، وأصبح من خلّص أصدقائه.

الأميني يزور أحد علماء أهل السنة:

ذكر الشيخ الأميني (رض):( وقفت في (جريدة الساعة) البغدادية الصادرة في شهر محرم على قصيدة عصماء للاستاذ حسين علي الأعظمي وكيل عميد كلية الحقوق ببغداد في رثاء الحسين (ع)  واشار في التعليق على بعض أبياتها إلى أن له مؤلفا في حياة الامام أمير المؤمنين (ع)  فأحببت أن اقف عن كثب على تأليفه وأسبر طريقته في ذلك . وإن وجدت لديه نظما في واقعة (الغدير) جعلته ضمن شعراء القرن الرابع عشر الهجري .

فقصدت داره وكانت على مقربة من احدى سفارات الدول الغربية، فطرقت الباب فخرج اليّ خادمه فسألته عن الاستاذ فأجاب نعم هو موجود في الدار، فطلبت مواجهته فخرج اليّ الاستاذ وما أن رآني اخذ يفكر في السر الذي دعاني الى زيارته، لِمَ قصد هذا العالم الشيعي زيارتي ؟ أهو بحاجة للتوسط في قبول ابنائه في الجامعة ؟ أم للتوسط في توظيف أحد منسوبيه في احدى الدوائر ؟ فبدأته بالسلام وقلت : أنا أخ لك في الدين، فان كنت في شك من اسلامك فأنا قبل كل شئ اعترف باسلامك وايمانك لما سبرته في قصيدتك العصماء في رثاء سيدنا السبط الشهيد أبي عبد الله الحسين (ع) من نزعة دينية . وإن كنت في شك من اسلامي فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق . فخرج الاستاذ إلى خارج الدار ومد يده للمصافحة ، عند ذلك بسطت له ذراعي واحتضنته فتبادلنا القبلات وسار بي الى الغرفة الخاصة باستقبال زائريه.

عند ذلك افتتحت الحديث بالكلام حول قصيدته ، وتطرقت الى ما اشار إليه في التعليق على بعض ابياتها وأن له مؤلفا حول الامام علي بن أبي طالب (ع) وانني قصدته من النجف الأشرف لأشكره على قصيدته ورؤية مؤلفه .

وبعد المصافحة وتبادل عبارات الترحيب ، اغتنم الاستاذ الأعظمي الفرصة واراد أن يستخبر ميزان ثقافتي وعلمي ، وما أتحلى به من العلوم الاسلامية فقال : شيخنا ما رأيكم حول كتاب ( عبقرية الامام ) تأليف الاستاذ المصري عباس محمود العقاد ؟ ولم يكن مضى على عرض كتابه في الاسواق التجارية سوى اشهر عديدة ، وقد لاقى إقبالاً كبيراً بين الشباب العربي والاسلامي . قلت : لا اخال أن الاستاذ العقاد كتب ما يشفي الغليل ، إذ ليس بوسعه ولا بوسع أمة من أمثاله عرفان شخصية الامام على حقيقتها مهما جدوا واجتهدوا في ذلك .

عند ذلك سألت الاستاذ الأعظمي قائلا : هل يسعنا أن نقيس الاستاذ العقاد في الفكر والنظر بواحد من العلماء امثال : أبي نعيم الاصفهاني ، الفخر الرازي ، ابن عساكر ، الكنجي الشافعي ، أو أخطب خوارزم واضرابهم ممن كتبوا حول الإمام أمير المؤمنين (ع)  مؤلفاً خاصاً، أو تطرقوا الى ناحية من حياته في تآليفهم ؟ أجاب الاستاذ قائلا : شيخنا ، من الجفاء بحق العلم والعلماء ان نقيس مائة من امثال العقاد بواحد ممن ذكرتم ، إذ ان اولئك اساطين العلم وجهابذة الفكر الاسلامي ، ولا يتسنى لانسان أن يسبر ما كانوا عليه من مكانة سامية في الحديث والتفسير والحكمة والفلسفة وسائر العلوم الاسلامية .

قلت : إذن ما السر في أن اولئك حينما يتطرقون الى ذكر الامام (ع) لم يتفوهوا في وصفه ببنت شفة بآرائهم الخاصة ، بل يذكرونه بما وصفه الوحي الالهي وما روي عن النبي الأعظم (ص) في حقه ؟ قال الاستاذ الأعظمي : هذه نظرية مبتكرة نرجو توضيحها كي نستفيد منها ونقف على السر الكامن فيها . قلت : ألم نكن في دراستنا للمنطق قرأنا قول علمائه : يشترط في المعرَّف أن يكون أجلى من المعَرِف ؟ . فالصحابة وأئمة الحديث حيث وقفوا على قول النبي الأعظم (ص) : (علي ممسوس بذات الله).

وقوله (ص) (يا علي ما عرف الله الا انا وانت ، وما عرفني الا الله وانت، وما عرفك الا الله وأنا)، اهتدوا الى أن وجودا ، هذا جزء يسير من خصائصه وصفاته، من العسير على الامة عرفان حقيقته الا بما وصفه المولى عز وجل به . فاعلنوا الى الملأ أن عليا من المعنيين بقوله تعالى : [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]

وقوله تعالى : [ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ]

وقوله تعالى : [ إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ]

وقوله تعالى : [ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ ]

وان خير معرف للامام (ع) وخصائصه الذاتية هو ما صرح به النبي الاعظم (ص) من قوله " من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله "

وقوله (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق مع علي حيثما دار) وقوله : (علي خير البشر من أبى فقد كفر) وقوله : (علي مع القرآن والقرآن معه ، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض)، ونرى الاستاذ العقاد قبل اشهر عديدة نشر كتابا حول الشاعر ابن الرومي وهو من رجال القرن الثالث الهجري ، وله تراجم مسهبة في كتاب التاريخ والسير ، ولم يتحل بشئ من الخصائص فوق خصائص الإنسان في حين أخذ العلماء والاساتذة عليه شطحات كثيرة ، ونشروا حولها مقالات مسهبة لعدم عرفانه بسيرة الرجل وسلوكه ، أو اخطائه في تحليل تاريخ حياته ، أو بعده عن دراسة نفسيته ، أو سوء تفهمه لفلسفة الرجل وشعره.

فمؤلف هذا مبلغه من العلم في الكتابة عن انسان في شاكلته ، وهذه سعة اطلاعه عمن انبرى مئات من الكتاب في الكتابة عنه ، كيف يتسنى له أن يعرف بفكره ونظره شخصية ممسوسة بذات الله ، وان يكتب عن قطب رحى الحق الذي يدور الحق معه حيثما دار ؟ وان كنت أنت أيها الاستاذ قد اتبعت في تأليفك طريقة العقاد فأراني في غنى عن مطالعته ، وان اتبعت في كتابك سيرة السلف واعتمدت في بحثك على كتاب الله وسنة نبيه فسأكون شاكراً لك لو سمحت لي بمطالعته .

اجاب الاستاذ الاعظمي قائلاً : كلا يا شيخ ، انا سرت في كتابي على كتاب الله وسنة نبيه ، وسأكون شاكرا لك مدى الحياة لو سبرت كتابي بدقة وأخذت علي ما فاتني مع ما افضته علي من حديثك العلمي . قلت له : هات بحثك وأظهر رؤوس عناوينه . فاوعز الى أحد انجاله بذلك فأحضر ملفا ضخما كبيرا وقال : أنا قمت بتحليل شخصية الامام شرحا وبيانا في الكلام حول اربعة أحاديث . الاول : قوله (ص) : (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق معه حيثما دار) . قلت له : أترى هذه فضيلة تخص علياً سلام الله عليه ؟ قال : بلى ، ولم يشاركه فيه أي ابن انثى . قلت : فما تقول في قوله (ص) : (عمار مع الحق والحق مع عمار يدور عمار مع الحق حيثما دار) ؟ وأوعزت الى مصادر الحديث .

وجَمَ الاستاذ حينما سمع ذلك ، وطأطأ برأسه وطرأ على الحفل هدوء مشفوع بتأثر مزعج ، وبعد دقائق رفع الاستاذ رأسه وقال : شيخنا نسفت ربع البحث بحديثك وقضيت على الحول الذي بذلته دونه . قلت له : بل أحييت لك كتابك وأظهرت لك بالحديث الذي ذكرته ما خفي عنك وعن الصحابة قبلك السر الكامن فيه . قال : وما ذلك ؟ قلت : عندما أصحر النبي (ص)  بحديثه حول علي سلام الله عليه ، لم يدرك المجتمع الاسلامي الناحية الهامة الكامنة في الحديث ، لذلك أصحر بحديثه حول عمار ليدرك المجتمع مكانة علي سلام الله عليه الالهية بذلك . ففي حديث علي (ع) جعل النبي (ص)  عليا محورا للحق وقطب رحاه ، قال : (علي مع الحق والحق مع علي يدور الحق مع علي حيثما دار علي) . وفي حديث عمار قال : (عمار مع الحق والحق مع عمار يدور عمار مع الحق حيثما دار الحق) . وبهذا اراد النبي (ص)  أن يبين للعالم أن عليا (ع) هو قطب رحى الحق ، والحق يدور معه حيثما دار هو سلام الله عليه ، وكل طالب للحق عليه أن يكون على صلة في علي (ع) كي يتسنى له أن يعرف الحق ويتصل به ويسير على نهجه . هنا طرأ على الاستاذ وانجاله فرحة وسرور فقالوا بصوت عال : الله أكبر ، الله أكبر ، ما أحلاه من شرح وتوضيح يقام له ويقعد.

في الحلقة التالية سنتحدث عن انتقال العلامة الأميني الى جوار ربه الرحيم وعرض لمؤلفاته ومخطوطته والمطبوعة منها ومطالعاته.

إقرأ أيضا:نجوم في سماء الولاية...العلامة عبد الحسين الأميني في ذكرى رحيله