الأدب الإلٰهيّ عند الإبتداء بالعمل:
1- انّ سورة الحمد المباركة الّتي هي أوّل سورة في كتاب الله تبدأ بالآية الكريمة: ﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيم﴾ المتضمّنة لاسم الذات وبعض الأسماء والصفات الإلٰهيّة. وعليه فانَّ (بسم الله) قد جاءت في بداية السورة وفي بداية الكتاب الإلٰهيّ أيضاً، وبهذا النحو يعلّمنا الله سبحانه الأدب الدينيّ لدىٰ الدخول في العمل والابتداء به.
2- والنبيّ الأكرم (ص) أيضاً يقول في مقام بيان هذا الأدب الدينيّ: «كلّ أمر ذي بال لم يُبدأ فيه باسم الله فهو أبتر»، والأبتر معناه (منقطع الآخر) والّذي لا نتيجة له، وحيث انّ الفاعل يرجو ان يحقّق هدفه في نهاية عمله، فالعمل الّذي لايحقّق هدفه عمل أبتر، ولهذا فانّ الفطنة والذكاء الّذي لايستعمل في طريق الحق، حيث انّه لايصل إلىٰ هدفه الحقيقيّ الأصيل، يقال له «فِطانة بتراء».
3- وابتداء العمل «باسم الله» اشارة لطيفة ورمزيّة الىٰ وجوب أن يكون الفعل حقّاً والفاعل مخلصاً، أي الجمع بين «الحُسن الفعلي» و«الحُسن الفاعلي»، وعلىٰ هذا فانّ العمل الّذي يمكن الابتداء فيه باسم الله هو العمل الّذي يتمتّع بالحُسن الفعلي والحسن الفاعليّ أيضاً، يعني أن يكون حقّاً ويكون أيضاً منبعثاً من قلب طاهر ونيّة خالصة. والعمل الفاقد لهاتين الصفتين أو احداهما هو غير قابل للإبتداء باسم الله ولا يحقّق هدفه أيضاً، لانّ العمل الباطل ينتهي الىٰ الباطل. إذاً فلأجل أن يبلغ العمل غايته الحقيقيّة والأصيلة وهي الحقّ ولاجل أن يكون محفوظاً من الفشل والخيبة الّتي هي آفة العمل يجب أن يبتدئ العمل باسم الله وبالحقّ.
4- ولذلك يعلّم الله سبحانه نبيّه الأكرم (ص) أن يسأله التوفيق للدخول في العمل صادقاً والخروج منه منتصراً ناجحاً... ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْق...﴾ فالانسان إذا دخل في العمل بسم الله وحافظ علىٰ ذلك حدوثاً وبقاءً فإنّه لايتوقّف وسط الطريق: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِب﴾. والله سبحانه يعلّمنا في هذه السورة انّه حتّىٰ الحمد والعبادة إذا لم تبدأ باسم الله، فهي علىٰ الرغم ممّا فيها من حسن فعليّ تكون بتراءَ لانّها فاقدة للحسن الفاعليّ.
5- وفي الثقافة الدينيّة، كما يسند العمل الأبتر والفاشل الىٰ الفعل كما في حديث النبيّ الأكرم (ص) المذكور فإنّه يسند الىٰ الفاعل أيضاً كما في قوله تعالىٰ: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَر﴾. يعني الإنسان المفسد الّذي يعمل الباطل وهو الّذي فيه (قبح فعلي) و(قبح فاعلي) فهو أبتر ولن يصل إلىٰ مقصده أبداً.
إقرأ أيضا: آداب قرآنية.. (1) آداب تلاوة القرآن الكريم