الدولة الاسلامية..... مباديء و خصائص .... اهمية العمل في الاسلام و دور الحكومة
1- أثبتنا في حلقة سابقة ان الآية (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم .....) لا تختص فقط بالاعمال العبادية بل كل عمل يقوم به الانسان وحيث اننا نبحث حول موضوع (اهمية العمل في الاسلام ودور الحكومة) التي هي على راس السلطة السياسية والتنفيذية في البلد، اذ عليها تقع مسؤولية تهيئة فرص العمل وخلقها او على الاقل التوجيه والدلالة على موارد استحصالها، وان تدعوا الناس و خاصة الشباب للاشتغال بها وادارة عجلة البلد الاقتصادية بشكل عام، وكذلك الحصول على المورد المالي او ما يصطلح عليه بالرزق .
2- وكمثال على ما أشرنا اليه من مهمة الحاكم الأعلى في فتح فرص العمل او الإرشاد والتوجيه والمساعدة في هذا الأمر ما جاء في هذه الرواية عما قام به الرسول الأكرم (ص) من التوجيه والادلاء بصفته كحاكم اعلى.
فعَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ (ص) يَسْأَلُهُ (اي يطلب منه حاجة) فَقَالَ النبي (ص) «أَما فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟ قَالَ: بَلَى، (حِلْسٌ ..(اي بساط او قطعة قماش كبيرة) نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ و قَعْبٌ (أي اناء) نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ النبي (ص): ائْتِنِي بِهِمَا، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ (ص) بِيَدِهِ وَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ: مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أو ثَلاثًا قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الأَنْصَارِيَّ وَقَالَ (ص) اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَامًا فَانْبِذْهُ إلى أَهْلِكَ وَاشْتَرِ بِالآخَرِ قَدُومًا (فأس) فَأْتِنِي بِهِ، فَأَتَاهُ بِهِ فَشَدَّ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ (ص) عُودًا بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ: اذْهَبْ فَاحْتَطِبْ وَبِعْ وَلا أَرَيَنَّكَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا، فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَحْتَطِبُ وَيَبِيعُ فَجَاءَ وَقَدْ أَصَابَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ فَاشْتَرَى بِبَعْضِهَا ثَوْبًا وَبِبَعْضِهَا طَعَامًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (ص) هَذَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَجِيءَ الْمَسْأَلَةُ (اي خير من الاستجداء او طلب الحاجة من اخرين).
3- ان تاكيد الآية الكريمة على ان عمل الانسان مما يكون باطلاع الله ورسوله والمؤمنين، ليس يمكن النظر اليها بنظرة سلبية بل ولها جنبة ايجابية حيث تحث الانسان على الاخلاص في العمل و أدائه على وجه أكمل، لأنه حين يشعر الإنسان بتلك المراقبة سوف يشعر بأهمية الإخلاص في عمله، وبهذا الصدد نورد ما ذكره الشهيد المرجع آية الله محمد باقر الصدر(رض) حول قيمة العمل في الاسلام في كتابه اقتصادنا وكما يلي:-
4- يذكر الشهيد الصدر (رض) .....فمن الناحية الفكرية حث الإسلام على العمل والإنتاج، وقيّمه بقيمة كبيرة، وربط به كرامة الانسان وشأنه عند الله تعالى وحتى عقله. وبذلك خلق الأرضية البشرية الصالحة لدفع الإنتاج وتنمية الثروة، وأعطى مقاييس خلقية وتقديرات معينة عن العمل والبطالة لم تكن معروفة من قبله، وأصبح العمل في ضوء تلك المقاييس والتقديرات عبادة يثاب عليها المرء... وأصبح العامل في سبيل قوته أفضل عند الله من المتعبد الذي لا يعمل ....الخ.
5- ان الله تعالى خلق الإنسان وسخر له كل متطلبات الحياة وما يحتاجه على هذه الأرض المعطاء، ووهبه نعمة كبرى وهي قدرة التعلم، وهذه موهبة عظيمة وكبيرة جدا، لو تأملنا فيها، فالآية (علم الإنسان ما لم يعلم) ليس المقصود منها انه علمه معلومة معينة وانتهى الأمر، بل هي القدرة على التعلم المستمر والاحتفاظ بالمعلومات وتراكم العلوم وتراكم الخبرات العلمية في جميع مجالات الحياة خلافا لكل الحيوانات الأخرى، ومتميزا بها عنها والتي من خلالها سبر أعماق العلوم وابدع وابتكر من خلالها مختلف الصناعات، ونرى في كل يوم وسنة تطورا وابداعا جديدا.
6- وجاءت الآية الثانية لتذكّر بأن الله تعالى علم داوود النبي (ع) بعدما اختاره واتاه الحكم (اتيناه حكما وعلما) علمه الدخول في مجال حيوي ومهم وهو مجال الصناعة والتصنيع (ان اعمل سابغان وقدر في السرد ) و كما جاء في أية سابقة (وعلمناه صنعة لبوس) وفتح له باب الدخول في عالم الاستفادة من المعادن التي اودعها الله في الأرض وعلى راسها الحديد كما في أية أخرى (و النا له الحديد...)، وهنا ننظر الى داوود (ع) بنظرة ان له دور الملك او الحاكم الأعلى في البلاد و ما عليه الا ان يدل شعبه على ولوج عالم الصناعة والتي كانت البوابة الرئيسية للانفتاح على هذا المجال الواسع من موارد جديدة، وفتح افاق فرص العمل والتطور البشري و عدم إلبقاء فقط ضمن بوابة المجال الزراعي والإنتاج الزراعي على الرغم من اهمية هذا المجال الحيوي والمهم جدا كما سنبينه في حلقات قادمة أن شاء الله.
7- الرسول الأكرم (ص) وكذلك الأئمة الكرام المعصومين (عليهم السلام) و من خلال استبيان سيرتهم يتبين لنا ان أغلب علماء المسلمين كانوا هم الذين أسسوا لمختلف العلوم الأساسية سواءا في الطب او الكيمياء او الرياضيات أو الفيزياء أو النجوم والفضاء وإلى آخره، وكانوا إنما تتلمذوا على أيدي الأئمة الكرام (عليهم السلام)، ولست هنا اوؤرخ لهم، إذ أن هذا لا يخفى على الكثيرين وليراجع التاريخ من لم يطلع عليه . وان المدنية والعلوم الحاضرة ماهي إلا مدينة إلى الذين أسسوا أسس تلك العلوم من علماء المسلمين، وكانت الأساس في فتح مجالات العمل في مختلف مجالات الحياة. .. و الحمد لله رب العالمين
إقرأ أيضا: رؤى سياسية قرانية.. ح 21 (العمل وقيمته في النظام الإسلامي)