اولا... القران الكريم يعرض نماذجا من أنواع الحكم في التاريخ، طبعا هذه النماذج هي لبعض الحضارات التي كانت قائمة في التاريخ ويكون على رأس السلطة، الملك و لكل ملك مواصفات تختلف عن الآخر قد ترينا ما يشابه بعضها في أيامنا هذه .
ثانيا... أن للقرآن الكريم مصطلحاته التي يجب ان تعرفها من خلاله وليس من خلال ما نحن نعيشه من تعاريف و كلمات دخلت في ثقافتنا و فكرنا نتيجة التوسع في العلوم في كل المجالات ومنها السياسية ، فمثلا كلمة دكتاتور التي نستخدمها قد يقابلها كلمة فرعون في القرآن الكريم سواءا أكانت كلمة فرعون اسما لأحد ملوك مصر او لقبا ، و كذلك فان كلمة التفرعن صارت تعني عندنا الدكتاتورية ودخلت المعجم او القاموس السياسي.
ثالثا... قد نعلم الفرق بين اختلاف معنى الملكية من ناحية منشأ منصب الملك بلحاظ امتلاك المال و الثروة الطائلة او الانتماء إلى العوائل الإشرافية والمهيمنة، و من الناحية الثانية.. اختلاف الملكية من حيث النظام الإداري حسب تعريف اليوم، فإنه يدور بين الملكية الفردية المطلقة و الملكية الدستورية .
رابعا... التاريخ القراني يبين لنا مواصفات الملكية الفردية المطلقة التي تتحكم بالمال والبلاد و العباد وان الملك هو المالك للأرض وللرقاب و يتحكم بها كيف يشاء، وانه يتحكم بالسلطات الثلاث حسب تعريفنا اليوم (التتفيذية و التشريعية و القضائية )و القران الكريم يشير إلى ذلك بالآيات التالية:
1- الملك يرى نفسه في مكان الإله المطاع و لا يجوز مخالفة طاعته و حتى كل المراسم او الطقوس يجب ان تبدأ باسمه وتوجه له. (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) (القصص/ آية 38)
2- هو المشرف بل المتحكم في كل شؤون الناس و الموجه لكل نشاطاتهم و تحركاتهم و أسلوب تربيتهم و اعمالهم لننظر الآية الكريمة عن قول فرعون : (فقال انا ربكم الأعلى) (النازعات/ آية 24)
3- أن كل ما هو موجود من مال وأرض وأنهار إنما هي ملكه و يتصرف بها كيفما يشاء (ونادى فرعون في قومه يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي أفلا تبصرون) (الزخرف/ آية 51)
4- مصادرة كل حقوق الإنسان حتى حق العيش و الحياة كما تقوم الدكتاتوريات اليوم بقتل كل من يعارضها ولو سياسيا، سواءا كان القتل غيلة او علنا، (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر/ آية 26)
5- مصادرة الحريات كلها حتى الفكرية و العقيدية، وفرض الفكر والعقيدة الخاصة بالملك وجميع توجهاته، كما في قول فرعون (ما اربكم إلا ما ارى...) (غافر/ آية 29 )
6- الاتهام كذبا و زورا بالتامر ثم الحكم القضائي لكل من يعارضه و بمجرد مخالفته و الامر بالقتل ومصادرة منصب القوة القضائية او فرض تابعيتها لأمره كيف يشاء كما في الاية (.. انه لكبيركم الذي علمكم السحر ..) (الشعراء/ آية 49)
7- استخدام كل أساليب البطش و أشد انواع التعذيب لكل من يعارضه او يختلف معه (...لأقطعن أيديكم وارجلكم من خلاف...) (الشعراء/ آية 49)
8- تسخير كل امكانات الدولة وخبرائها و علمائها لإثبات أقواله والتشكيك بأقوال معارضيه ولو بأسلوب الأعمار الحضاري و ما يمتلكه من تقنيات حديثة كما نرى في الأمر ببناء الصرح و قيل انها الأهرام التي مازالت من العجائب السبعة في العالم (وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ) (أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا ۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ ) غافر/ آية 36-37)
9- عدم السماح بالايمان باي فكر يطرح على الساحة بدون موافقة الملك و مصادرة حق حرية النشر و الاطلاع و هي ادنى ما يمكن ان يحصل عليها الإنسان الذي خلقه الله تعالى حرا و حتى لم يجبره خالقه على الايمان به و لكن الفرعون يعلن عن هذه المصادرة و عدم السماح للناس الاعلان عن اعتقادهم و إيمانهم بالفكر المنشور او الفكر المطروح وذلك بقوله (قال امنتم له قبل أن آذن لكم ...) (الشعراء/آية 49)
10- نعت كل المعارضين بمختلف ألوان النعوت المشينة و تشويه صورتهم أمام الناس و وصفهم بأنهم يريدون الإفساد في مختلف مرافق دولته القائمة، (... إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر/ آية 26 (
11- المعروف ان الإنسان لا يؤخذ بجريرة غيره إلا ان المنطق الفرعوني يعاقب حتى أبناء و نساء من عارضه بجريرة رب الأسرة لمجرد انه آمن بما خالف عقيدة الملك (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَ اسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَ ما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (غافر/آية 25)
خامسا... طبعا هذه الصفات لو أردنا قرأتها ومقارنتها بالحالة السياسية في يومنا هذا، نجد انها تنطبق ليس على الملوك المتفرعنين او الامراء بل حتى على الكثير ممن يرأس الجمهوريات والدول المدنية الجمهورية، وقد يكون على راس ألسلطة اعتى ديكتاتور تتمثل فيه تلك الصفات الفرعونية وهي تمثل عين الملكية لفرعون موسى.
سادسا... أن هذه الإشارات القرآنية السريعة التي يطرحها القران الكريم لمن يتدبر آياته إنما هي أسس سياسية مهمة تدعو الأمم و الشعوب الى الالتفات لها و الاهتمام بها اذا ما أرادوا أن يملكوا حريتهم الحقيقية و أرادوا العيش الكريم بلا ذل ولا خضوع، وان يعوا واقعهم جيدا، وكذلك هي إضاءات لكل الملوك او الأمراء او الرؤساء اذا ما ارادوا أن يجنّبوا أنفسهم تلك الضلالات ويعيشوا بسلام و وئام مع شعوبهم.
و الحمد لله رب العالمين
علي العلوي / قم المقدسة
إقرأ أيضا: رؤى سياسية قرانية.. ح 19 (النظرة إلى نظام الحكم الامثل)