وجاء الإعلان على شكل رسالة موجهة من قبل وزير خارجية بريطانيا آنذاك (آرثر جيمس بلفور)، في حكومة ديفيد لويد جورج إلى (اللورد روتشيلد، أحد زعماء الحركة الصهيونية العالمية)، وذلك بعد مفاوضات استمرت ثلاث سنوات دارت بين الحكومة البريطانية من جهة، واليهود البريطانيين و(المنظمة الصهيونية العالمية) من جهة أخرى.
واستطاع من خلالها الصهاينة إقناع بريطانيا بقدرتهم على تحقيق أهداف بريطانيا، والحفاظ على مصالحها في المنطقة.
نص الرسالة
وجاء في نص الرسالة "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قومي للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًّا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وقد عرضت الحكومة البريطانية نص تصريح بلفور على الرئيس الأمريكي ولسون، ووافق على محتواه قبل نشره، كما وافقت عليه كل من فرنسا وإيطاليا رسميا سنة 1918.
وعلى أثر ذلك اتخذت الحركة الصهيونية الوعد، بمثابة مستند لتدعم به مطالبها المتمثلة، في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وتحقيق حلم اليهود بالحصول على وطن، رغم أن هذا الوعد أعطى وطنا لليهود وهم ليسوا سكان فلسطين.
جرح لا يندمل
ورغم مرور أكثر من قرن كامل على صدور ما أُطلق عليه "وعد بلفور" في 2 نوفمبر 1917، لا تزال الذاكرة الفلسطينية مسكونة بهذا الوعد المشؤوم، وبقي آرثر جيمس بلفور الاسم الأكثر إثارة للوجع والجرح الفلسطيني المستمر.
بريطانيا بهذه الخطوة أسست وثبَّتت "الكيان الإسرائيلي" على أرض فلسطين التاريخية، وسعت من خلال ذلك إلى تقسيم المنطقة العربية ضمن ترتيبات ما بعد اتفاقية "سايكس–بيكو" عام 1916.
وبقيت الحكومات البريطانية المتعاقبة تفتخر بمساهمتها في قيام "إسرائيل"، وتصرُّ على الاحتفاء بوعد بلفور الذي فرضته على عصبة الأمم وثبَّتته ضمن صك الانتداب على فلسطين.
وترفض لندن الاعتذار عن وعد بلفور وعن آثاره، في حين يستحضره الفلسطينيون كحافز للنضال والدفاع عن الهوية والأرض.
وتحل الذكرى الأليمة، هذا العام على وقع اتساع رقعة التطبيع العربي، مع دولة الاحتلال، من خلال إبرام المزيد من الاتفاقيات لا تهدف فقط لإهمال القضية الفلسطينية فحسب، بل أيضا إلى ممارسة المزيد على الفلسطينيين لتقديم تنازلات لصالح الاحتلال، الذي بدوره يستغل التطبيع العربي، لتحسين صورته أمام العالم.
وفي الضفة الغربية، لا تزال آلة الحرب الإسرائيلية، مستمرة في توسعة الاستيطان، ونهب الأراضي وإنشاء وحدات استيطانية جديدة، بالإضافة إلى إقرارها خططا من أجل طرد سكان حي الشيح جراح، من مساكنهم وتسليمها للمستوطنين، وهي مساكن أقاموا بها منذ حلول النكبة، حين تركوا مساكن في أحد قرى القدس المحتلة، التي احتلتها العصابات الصهيونية قبل 73 عاما، ضمن مخطط استيطاني خطير يهدف إلى ترحيل السكان مرة أخرى.
ورفضًا لهذا الوعد، وبسبب التخاذل الدولي في نصرة الفلسطينيين، لجأ الفلسطينيون إلى محاكمهم لإدانة هذا الوعد، فقضت محكمة بداية نابلس، شمال الضفة الغربية، في فبراير الماضي، ببطلان “وعد بلفور”، وأكدت أنه ينتهك القواعد القطعية للقانون الدولي، وقد صدر القرار في جلسة النطق بالحكم، في القضية التي رفعتها عدة جهات ضد بريطانيا، بشأن الآثار الناجمة عن “تصريح بلفور”، والانتهاكات التي ارتكبتها بريطانيا فترة احتلالها وانتدابها لفلسطين.
وقدم محامون فلسطينيون دعوى قضائية في محكمة بداية بمدينة نابلس، نيابة عن التجمع الوطني للمستقلين، والمؤسسة الدولية لمتابعة حقوق الشعب الفلسطيني، ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، ضد حكومة بريطانيا التي يحملونها مسؤولية "وعد بلفور".