وبعد قرأ الإمام الحسن (ع) كتاب أمير المؤمنين (ع) وخطب في أهل الكوفة، استجاب الناس إلى نصرة الإمام علي (ع) بقوة، فارتجل قيس بن سعد بن عبادة الانصاري هذه الأبيات:
جزى الله أهل الكوفة اليوم نصرة *** أجابوا ولم يأتوا الخذلان من خذل
وقالوا عليٌّ خيرُ حافٍ وناعل *** رضينا به من ناقِض العهد من بَدَلْ
هما أبرزا زوج النبي ّ تعمدا *** يسوق به الحادي المنيخ على جمل
فما هكذا كانت وصاة نبيكم *** وما هكذا الإنصاف أعظم بذا المثل
فهل بعد هذا من مقال القائل *** ألا قبّحَ الله الأمانيَّ والعِلَلْ
وفي موقف آخر في الكوفة خطب قيس بن سعد في أهل الكوفة يستنهضهم لقتال أصحاب الجمل، فقال: أيها الناس إن هذا الأمر لو استقبلنا به أهل الشورى لكان علي (ع) أحق الناس به لمكانه من رسول الله (ص)، وكان قتال من أبى ذلك حلالًا فكيف بالحجة على طلحة والزبير وقد بايعاه طوعًا ثم خلعا حسدًا وبغيًا وقد جاءكم علي (ع) في المهاجرين والأنصار وأنشأ يقول:
رضينا بقسم الله إذ كان قِسمنا *** علياً وأبناء النبي محمدِ
وقلنا لهم: أهلاً وسهلاً ومرحباً *** نمدُّ يدينا من هوىً وتوددِ
فما للزبير الناقض العهد حرمةً *** ولا لأخيه طلحة اليوم من يد
أتاكم سليل المصطفى ووصيُّه *** وأنتم بحمد الله عارضة الندي
فمن قائم يرجى بخيل إلى الوغى *** وصُمِّ العوالي والصّفح المُهَنَّدِ
يُسوِّدُ من أدناه غير مدافع *** وإن كان ما نقضيه غير مسوَّدِ
فإن يأت ما نهوى فذاك نريدهُ *** وإن نُخطِ ما نهوى فغير تعمُّدِ
وذكر ابن عساكر: لما عقد علي بن أبي طالب (ع) الألوية لأجل حرب صفين أخرج لواء رسول الله (ص)، فعقده ودعا "قيس بن سعد" فدفعه إليه، فاجتمعت الأنصار وأهل بدر، فلما نظروا إلى لواء رسول الله (ص) بكوا فأنشأ قيس:
ما ضرَّ من كانت الأنصار عصْبتَهُ *** أن لا يكون له من غيرهم أحدُ
قومٌ إذا حاربوا طالت أكفُّهُمُ *** بالمشرفيةِ حتى يُفتحَ البلدُ
والناسُ حربٌ لنا في الله كلُّهمُ *** مستجمعون فما ناموا ولا فُقدوا
هذا اللواء الذي كنا نحفُّ به *** مع النبي وجبريل له مدَدُ
فاليوم ننصره حتى يقيم لهُ *** أهل الشَّنان ومن في دينه أودُ
أهل الصلاة قتلناهم ببغيهم *** والمشركون قتلناهم بما جحدوا
حتى تطيعوا علياً إن طاعته *** دين عليه يُثيبُ الواحدُ الصمدُ
من ذا له في قريش مثل حالته *** في كل معمعةٍ أو مثله أحدُ
لو عدَّدَ الناس ما فيه لما برحت *** تثنى الخناصر حتى يفند العدد
هلا سألت بنا والخيل سائحةٌ *** تحت العجاجة والفرسان تطَّردُ
وخيل كلب ولخم قد أضر بها *** وقاعنا إذ غدوا للموت فاجتلدوا
من كان أصبر فيها أزمتها *** إذا الدماء على أجسادها جسدُ
وله قصيدة بعد معركة الجمل يذكّر الناس بفضائل أمير المؤمني علي (ع) وما أوصى النبي محمد (ص) في بيعة غدير خم:
قلت لما بغى العدوُّ علينا *** حسبنا ربنا ونعم الوكيل
حسبنا ربنا الذي فتح البصـ *** رَةَ بالأمس والحديث طويل
وله شكر ما مضى وعلى ذا *** إن هذا من شكره لقليلُ
وعليٌّ إمامنا لا سواه *** في كتاب أتى به التنزيل
حين قال النبيُّ: من كنت مولا *** هُ علي مولاه، هذا دليل
أينما قاله النبيُّ على الأمّـ *** ـة فرضٌ وليس قالٌ وقيلُ
يا بن هندٍ أين الفرار من المو *** تِ وللموت في الفجاج ذيولُ
ولواء النبي يخفق في كفـ *** ـف عليّ نصيره جبريل
ثم حامت عليه من سلف الخز *** رج قوم كأنهم إكليل
عند ذاك العيان يخلفه الظنـ *** ـن وما غيره هناك سبيل
عيّن الإمام علي (ع) قيس بن سعد الانصاري والياً على مصر، وقال له: (سر إلى مصر فقد وليتكها، وأخرج إلى رحلك فاجمع فيه من ثقاتك مَن أحببت أن يصحبك حتّى تأتيها ومعك جند، فإنّ ذلك أرهب لعدوّك وأعزّ لوليك، فإذا أنت قدمتها إن شاء الله فأحسن إلى المحسن، واشتد على المريب، وارفق بالخاصّة والعامّة، فإنّ الرفق يمن).
خرج قيس (رض) في سبع نفر من أصحابه حتّى دخل مصر فصعد المنبر، فقرأ كتاب الإمام علي (ع) على الناس، ثمّ قام خطيباً، فحمد الله وأثنى عليه وقال: (الحمد لله الذي أمات الباطل وأحيى الحقّ وكبت الظالمين، أيّها الناس، إنّا بايعنا خير مَن نعلم بعد نبيّنا (ص) فقوموا فبايعوا على كتاب الله وسنّة نبيّه، فإن نحن لم نعمل فيكم بكتاب الله وسنّة رسوله فلا بيعة لنا عليكم. فقام الناس فبايعوا، واستقامت له مصر وأعمالها).
إقرأ أيضا: رجال حول أمير المؤمنين (ع).. (41) قيس بن سعد (رض) ناصر الإسلام وحاميه