أشارت جملة من الروايات المعتمدة الى أن المأمون الشيطان العباسي طلب من الإمام الرضا (ع)، أن يكون ولي عهده في الخلافة، فرفض الإمام ذلك، ماجعله يلجأ إلى التهديد بالتصريح تارة وبالتلويح أخرى، وبالتالي اضطر الإمام ولحفظ الدماء، الى قبول ولاية العهد بشرط أن لا تكون له أي سلطة تشريعية أو تنفيذية في الحكم من قبيل: التنصيب والعزل، فقبل المأمون بالشيطان ذلك، حيث كانت دوافعه في فرض منصب ولاية العهد على الامام عليه السلام:
1- تهدئة الأوضاع الداخليّة: بعد تسلّم المأمون الحكم بسنة واحدة أي سنة 199 هـ، اندلعت ثورات واسعة قادها العلويّون، حيث خرج أبو السرايا السريّ بن منصور الشيبانيّ بالعراق، ومعه محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل الحسنيّ، فضرب الدارهم بالكوفة بغير سكّة العبّاسيين، وسيّر جيوشه إلى البصرة، وقد توزّعت الثورة على عدّة جبهات:
جبهة البصرة بقيادة العبّاس بن محمّد بن عيسى الجعفريّ.
جبهة مكّة بقيادة الحسين بن الحسن الأفطس.
جبهة اليمن بقيادة إبراهيم بن موسى بن جعفر عليه السلام.
جبهة فارس بقيادة إسماعيل بن موسى بن جعفر.
جبهة الأهواز بقيادة زيد بن موسى.
وجبهة المدائن بقيادة محمّد بن سليمان،
ولأجل كل هذا كان الهدف الأوّل من دعوة الإمام الرضا (ع) إلى خراسان تحويل ساحة المواجهة العنيفة والملتهبة إلى ساحة مواجهة سياسية هادئة.
2- سلب القداسة والمظلومية عن الثورة: فإنه لم تكن لثورات الشيعة لتقف عند حدّ، وهذه المواجهات كان لها خاصّيّتان:
الف - المظلوميّة: الّتي كانت تتمثّل بانتزاع الخلافة والاضطهاد والقتل الّذي تعرّض له أئمّة أهل البيت من عهد الإمام عليّ (ع) إلى عهد مولانا الرضا وما بعده.
ب - القداسة: فهي التي يمثّلها الإمام المعصوم من خلال ابتعاده عن أجهزة الحكم، وقيادة الناس وفقاً لمنهج الإسلام الذي يراه أصيلاً، فالمأمون بالشيطان العباسيّ أراد من خلال ولاية العهد أن يسلب هذه القداسة والمظلوميّة اللّتَيْن تشكّلان عامل النفوذ الثوريّ في المجتمع الإسلاميّ, لأنّ الإمام الرضا (ع) عندما يصبح وليّ عهد سينضمّ، حسب تصوّر المأمون، إلى أجهزة الحكم وينفذ أوامر الملك في التصرّف بالبلاد، إذاً فهو لم يعد لا مظلوماً ولا مقدّساً.
3- إضفاء الشرعيّة على حكومة بني العباس: فمبايعة الإمام الرضا للمأمون تعني حصول المأمون على اعتراف من العلويّين، على أعلى مستوى، بشرعيّة الخلافة العباسيّة. وقد صرّح هو بذلك بقوله: فأردنا أن نجعله وليّ عهدنا، ليكون دعاؤه لنا، وليعترف بالملك والخلافة لنا؛ لأنّ هذه البيعة تعني بالنسبة إلى المأمون: أنّ الإمام يكون قد أقرّ بأنّ الخلافة ليست له دون غيره، ولا في العلويّين دون غيرهم؛ ولذلك إنّ حصول المأمون على هذا الاعتراف - ومن الإمام خاصّة - يُعتبر أخطر على العلويّين من الأسلوب الّذي انتهجه أسلافه من الأمويين والعباسيين ضدّهم، من قتلهم وتشريدهم، وسلب أموالهم.
وقد صرّح الإمام الرضا (ع) في خصوص توليه لولاية عهد المأمون قائلاً: ما زادني هذا الأمر (ولاية العهد) الذي دخلت فيه في النعمة عندي شيئا، ولقد كنت بالمدينة وكتابي ينفذ في المشرق والمغرب، ولقد كنت أركب حماري وأمر في سكك المدينة وما بها أعز منِّي.
مناظراته مع العلماء
بعد أن قدم الإمام الرضا (ع) مُكرهاً إلى مرو في بلاد فارس، بأمرٍ من المأمون بالشيطان العباسي، عقد المأمون مجموعة من المناظرات العلمية التي حضرها مختلف علماء المذاهب والأديان، وطلب من الإمام الرضا مناظرتهم، فكانت تتمحور هذه المناظرات في غالبيتها حول المسائل العقائدية والفقهية، أدرج منها الشيخ الطبرسي قسماً في كتابه: (الاحتجاج)، ومنها:
الاحتجاج في التوحيد والعدل
الاحتجاج في الإمامة
الاحتجاج مع المروزي
الاحتجاج مع أبي قرة
احتجاج مع الجاثليق (مع أهل الكتاب)
الاحتجاج مع أهل الكتاب (رأس الجالوت)
الاحتجاج مع المجوس
الاحتجاج مع رأس الصابئة
ويذهب عموم علماء الشيعة الإمامية إلى أنّ غاية المأمون من عقد المناظرات، هي: إزالة الاعتقاد السائد لدى عامّة الأمّة حول أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من أنّهم ذوو علم لدُنيّ، وهذا ما أشار له الشيخ الصدوق في مصنّفه "عيون أخبار الرضا"، حيث قال: كان المأمون يجلب على الرضا (ع) من مُتَكَلّمِي الفرق والأهواء المُضِلّة كل من سمع به، حِرْصَاً على انقطاع الرضا عن الحجّة مع واحد منهم، وذلك حسداً منه له، ولمنزلته من العلم، فكان لا يُكلم أحداً إلاّ أقرّ له بالفضل، والتزم الحُجَّة له عليه .
ولما أدرك المأمون بالشيطان في نهاية المطاف، أنّه لا يوجد نظيرًا للإمام الرضا (ع)، وأنّ الأمر بدأ ينعكس عليه سلباً، أخذ بالحدّ من هذه المناظرات، وقد أشار إلى ذلك عبد السلام الهروي.
مكانته عند عموم المسلمين
حاز الإمام علي بن موسى الرضا (ع) مكانة كبيرة عند الشيعة الإمامية، حيث كان الإمام الثامن من أئمتهم الاثنى عشر، وكذلك كانت له مكانة عند من لم يعتقد بإمامته، من أعلام المذاهب الإسلامية الأخرى، وتجلَّى ذلك في كلماتهم التي دوّنوها في مصنّفاتهم عنه:
قال ابن حجر: كان الرضا من أهل العلم والفضل مع شرف النسب.
قال السمعاني: والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب.
قال الذهبي: كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس،صيره المأمون ولي عهده لجلالته.
قال الواقدي: كان ثقة يفتي بمسجد رسول الله وهو ابن نيف وعشرين سنة.
قال اليافعي: توفّى الإمام الجليل المعظّم سلالة السادة الأكارم أبو الحسن علي بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أحد الأئمة الأثني عشر، أولي المناقب الذين انتسبت الإمامية إليهم ...
قال ابن حبان: علي بن موسى الرضا ... من سادات أهل البيت وعقلائهم، وأجلَّة الهاشميين ونبلائهم ... وقد زرته مرارا كثيرة وما حلت بي شدَّة في وقت مقامي بطوس فزرت علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراه فوجدته كذلك.
وفقنا الله تعالى للتمسك بسيرته والسير على منهاجة وأماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته (صلى الله عليه وعليهم أجمعين) ورزقنا شفاعتهم، إنه أرحم الراحمين... اللهم آميييين