في ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع).. الصلح مع معاوية وآثاره‏

الثلاثاء 14 سبتمبر 2021 - 08:43 بتوقيت غرينتش
في ذكرى شهادة الإمام الحسن المجتبى (ع).. الصلح مع معاوية وآثاره‏

أهل البيت-الكوثر: تمر علينا في مثل هذا اليوم السابع من صفر سنة خمسين للهجرة استشهاد سبط رسول الله الامام الحسن المجتبى مسموما بتوجيه من معاوية بن ابي سفيان من اجل تثبيت حكم بني أمية على رقاب المسلمين.

وتُعتبر المرحلة التي عاصر بها الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان من أصعب مراحل حياته (ع) وأكثرها تعقيداً وحساسية وأشدها إيلاماً. وقد أصبح صلح الإمام (ع) مع معاوية من أهم الأحداث في التاريخ الإسلامي بما يستبطنه من موقف بطولي للإمام المعصوم (ع) وبما أدى إليه من تطورات واعتراضات وتفسيرات مختلفة طوال القرون السالفة وحتى عصرنا الحاضر.

مبررات الصلح في كلمات الإمام عليه السلام
1- روى الشيخ الصدوق في "علل الشرائع" بسنده عن "أبي سعيد" الذي يسأل الإمام الحسن (ع) عن السبب الذي دفعه إلى الصلح مع معاوية مع أنه (ع) يعلم أنه على الحق وأن معاوية ضال وظالم، فأجابه الإمام (ع):
(يا أبا سعيد، ألستُ حجة الله تعالى ذكره على خلقه، وإماماً عليهم بعد أبي (ع)؟ قلتُ: بلى، قال: ألستُ الذي قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لي ولأخي: الحسن والحسين، إمامان قاما أو قعدا؟ قلت: بلى، قال: فأنا إذن إمام لو قمتُ، وأنا إمام إذا قعدتُ.
يا أبا سعيد عِلة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله (ص) لبني ضُمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية، أولئك كفار بالتنزيل ومعاوية وأصحابه كفار بالتأويل.
يا أبا سعيد إذا كنتُ إماماً من قبل الله تعالى ذكره لم يجب أن يُسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة، وإن كان وجه الحكمة فيما أتيته مُلتبساً، ألا ترى الخضر (ع) لما خرق السفينة وقتل الغلام وأقام الجدار سخط موسى (ع) فعله لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي؟ هكذا أنا، سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة فيه، ولولا ما أتيت لما تُرك من شيعتنا على وجه الأرض أحدٌ إلا قُتِل".
2- ذكر "زيد بن وهب الجهني" أنه جُرِح الإمام عليه السلام في المدائن، فسأله عن موقفه الذي سيتخذه في هذه الظروف، فأجاب عليه السلام: "أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء، يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لإن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وآمَن به في أهلي خيرٌ من أن يقتلوني فيضيع أهل بيتي وأهلي، والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سِلْماً، فوالله لإن أسالمه وأنا عزيز خيرٌ من أن يقتلني وأنا أسيره أو يَمُن علي فتكون سُبةً على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يَمُنُّ بها وعقبه على الحي منا والميت...".
3- ذكر "سليم بن قيس الهلالي" أنه عندما جاء معاوية إلى الكوفة؛ صعد الإمام الحسن (ع) المنبر بحضوره، وبعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه، قال: "أيها الناس إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً، ولم أر نفسي لها أهلاً، وكذب معاوية، أنا أولى الناس بالناس في كتاب الله وعلى لسان نبي الله، فأُقسم بالله لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قَطْرَها، والأرضُ بركتها، ولما طمعتَ فيها يا معاوية، وقد قال رسول الله (ص): ما ولت أمة أمرها رجلاً قط وفيهم من هو أعلم منه إلا لم يزل أمرُهم يذهب سِفالاً، حتى يرجعوا إلى ملة عَبَدَةِ العجل...".
نتائج الصلح‏

أولاً: انكشاف حقيقة معاوية والحكم الأموي

فعندما تسلَّمَ معاوية زمام الأمور استسلم لزهو الانتصار، ولم يتمالك نفسه حتى كشف عن سريرته ومكنونات أهوائه، فأعلن لأهل العراق عن أهدافه الحقيقية وهي تتلخص في الوصول إلى قمة السلطة، كما جاء ذلك في خطابه حين قال: "إني والله ما قاتلتكم لتصلوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجوا، ولا لتزكوا، إنكم تفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم".

ثانياً: انكشاف انحراف معاوية وعدم وفائه بالشروط
لقد كشف الصلح نوايا معاوية في عدم الوفاء بالعهود والمواثيق التي قطعها على نفسه وقال: "ألا إن كل شيء أعطيته للحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به". وكان لهذا التصريح دور واضح في كشف حقيقة الصراع وأنه ليس بين قبيلتين أو شخصين، وإنما هو صراع بين منهجين: منهج الاستقامة الذي يمثله الإمام الحسن وأهل البيت عليهم السلام، ومنهج الانحراف والجاهلية الذي يمثله معاوية والأمويون.

ثالثاً: توسع القاعدة الشعبية لأهل البيت عليهم السلام
استثمر الإمام الحسن (ع) الفرصة المتاحة له في ظروف وأجواء الصلح في توسيع القاعدة الشعبية لأهل البيت (عليهم السلام) بنشر الأفكار والمفاهيم السليمة، ونشر فضائل أمير المؤمنين (ع)، ونشر الأحاديث التي توجه الأنظار إلى إمامة أهل البيت (عليهم السلام) ودورهم القيادي في الأمة، ونشر مطلق أحاديث رسول الله (ص) بعد أن منع الخلفاء الثلاثة نشرها في العهود السابقة.
واستطاع الإمام الحسن (ع) أن يضع اللبنات الأولى لمشروع تعرية الحكم الأموي وبيان حقيقته الجاهلية لكي تأتي اللبنة الأخرى المتمثلة في ثورة الإمام الحسين (ع) فيما بعد. فقد تفاعل صلح الامام الحسن (ع) مع ثورة الامام الحسين (ع) ليؤديا بالنتيجة إلى تبني الجهاد المسلح لإيقاف انحراف الحاكم وإزالته.

ما بعد الصلح حتى الشهادة
بقي الإمام الحسن (ع) في الكوفة أياماً، ثم عزم على مغادرة العراق، والشخوص إلى مدينة جده المصطفى (ص). وقد أظهر عزمه ونيته إلى أصحابه الذين طلبوا منه المكث في الكوفة فامتنع عليه السلام عن إجابتهم قائلاً: "ليس إلى ذلك من سبيل".
مكث الإمام الحسن (ع) عشر سنين، استطاع أن يُبرز فيها مرجعيته العلميّة والدينيّة والاجتماعيّة والسياسية، وهذا ما سنعرضه بإيجاز:

1-  مرجعيته العلميّة والدينيّة
وتمثلت في تربيته لكوكبة من طلاب المعرفة، وتصديه للانحرافات الدينيّة التي كادت تؤدي إلى مسخ الشريعة، كما تصدى لمؤامرة مسخ السنة النبوية الشريفة التي كان يخطط لها معاوية بن أبي سفيان من خلال تنشيط وضع الأحاديث واختلاقها والمنع عن تدوين الحديث النبوي.
أنشأ الإمام (ع) مدرسته الكبرى في المدينة تخرج منها كبار العلماء وعظماء المحدثين والرواة. وقد ذكر المؤرخون بعض أعلام تلامذته ورواة حديثه وهم:
ابنه الحسن المثنى، والمسيب بن نجبة، وسويد بن غفلة، والعلا بن عبد الرحمن، والأصبغ بن نباتة، وعيسى بن مأمون بن زرارة وإلخ...، وقد ازدهرت المدينة المنورة بهذه الكوكبة من العلماء والرواة فكانت من أخصب البلاد الإسلامية علماً وأدباً وثقافةً.

2- مرجعيته الاجتماعيّة
والتي تمثلت في عطفه على الفقراء وإحسانه إليهم وبذله المعروف لهم، وتجلت في استجارة المستجيرين به للتخلص من ظلم الأمويين وأذاهم.
وكان الامام (ع) مثالاً في الكرم والإحسان. وقد روي أنه قاسم الله تعالى ماله مرتين، ولنعم ما قال فيه الشاعر:

يا ابن النبي المصطفى ** وابن الوصي المرتضى
يا ابن الحطيم وزمزم * وابن المشاعر والصفا
يا ابن السماحة والندى * وابن المكارم والنُّهى

3- مرجعيته السياسية
لقد صالح الإمام الحسن (ع) معاوية من موقع القوة، كما نصت المعاهدة على أن يكون الأمر من بعده للإمام الحسن (ع) وأن لا يبغي معاوية له الغوائل والمكائد.
ومن الطبيعي أن يكون الإمام عليه السلام محور المعارضة وأن ينغص على بني أمية ومعاوية ملكهم، ولذا نجد في لقاءاته بالولاة ورسائله وخطبه نشاطاً سياسياً واضحاً، وتجلى ذلك بوضوح في مناظراته مع معاوية وبطانته في المدينة ودمشق على حد سواء.
شهادة الإمام عليه السلام
حاول معاوية أن يجعل الخلافة ملكاً عضوضاً ووراثةً في أبنائه، ومن هنا قرر اغتيال الإمام المجتبى (ع) بما اغتال به من قبلُ "مالك الأشتر وسعد بن أبي وقاص" وغيرهما. وقد دعا معاوية مروان بن الحكم وطلب منه إقناع "جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي" - وكانت من زوجات الإمام (ع)- بأن تسقي الحسن (ع) السم، فإن هو قضى نحبه زوجها يزيد، وأعطاها مائة ألف درهم، وتم لمعاوية ما أراد حيث دست السم للإمام الحسن (ع)، واستشهد عليه السلام بالمدينة يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر سنة خمسين من الهجرة أو تسع وأربعين.

يا اَبا مُحَمَّد يا حَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ اَيُّهَا الْمُجْتَبى يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، يا حُجَّةَ اللهِ عَلى خَلْقِهِ يا سَيِّدَنا وَمَوْلانا اِنّا تَوَجَّهْنا وَاسْتَشْفَعْنا وَتَوَسَّلْنا بِكَ اِلَى اللهِ وَقَدَّمْناكَ بَيْنَ يَدَيْ حاجاتِنا يا وَجيهاً عِنْدَ اللهِ اِشْفَعْ لَنا عِنْدَ اللهِ.