رسالة الحقوق في ذكرى استشهاد الامام علي السجاد (عليه السلام)

الخميس 2 سبتمبر 2021 - 16:11 بتوقيت غرينتش
رسالة الحقوق في ذكرى استشهاد الامام علي السجاد (عليه السلام)

أهل البيت-الكوثر: ولد الامام علي بن الحسين (عليهما السلام) في العام 38 هجرية، وعاش سنتين في عهد أمير المؤمنين الامام علي (عليه السلام) وعشر سنوات من حياة الامام الحسن السبط (عليه السلام) وعشر سنوات اخرى من حياة ابيه الامام الحسين الشهيد (عليه السلام)، واستشهد (عليه السلام) علي يد طاغية زمانه "الوليد بن عبد الملك الأموي" حيث دسّ له السم على يد عامله على المدينة في سنة 95 للهجرة.

    ألقابه:

لقد لُقب الإمام علي بن الحسين (ع) بمجموعة من الألقاب، ومنها:

1- زين العابدين: لقبه النبي الأكرم (صلی الله عليه وآله) بهذا اللقب، وإنما لُقب به لكثرة عبادته، وقد عُرف بهذا اللقب.

2- سيد العابدين: لُقب به لما ظهر منه من الانقياد والطاعة لله، فلم يُؤَثر عن أي أحد من العبادة مثل ما أثر منه عدا جده الإمام أمير المؤمنين (ع).

3- ذو الثفنات: لُقب بذلك لما ظهر على أعضاء سجوده من شبه ثفنات البعير؛ وذلك لكثرة سجوده، وعن محمد بن علي الباقر (ع) قال: كان لأبي في موضع سجوده آثار ناتية، وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات؛ فسمي ذا الثفنات لذلك.

4- السجّاد: قال أبو جعفر محمد الباقر (ع) إن أبي علي بن الحسين (ع) ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع جسده فسمي السجاد لذلك.

ونظم ابن حماد أبياتا يصف فيها كثرة سجود الإمام علي بن الحسين (عليهما السلام) وعبادته، وهي:

   وراهب أهل البيت كان، ولم يزل      يــلقب بالسجــاد حيــن تعبده

   يقضي بطول الصوم طول نهاره       منيـــباً، ويقــــضي ليله بتهجده

   فأين به مــن علمه ووفائـه منيـــباً      وأيـن به من نسكــــــه وتعبده؟

5- الزكي: لُقب بالزكي لأن الله زكاه وطهّره.

6- الأمين: ذُكر في التاريخ ان الامام علي بن الحسين (ع) لُقب بـ "الأمين"، فقد روي عنه أنه قال (ع): لو أن قاتل أبي أودع عندي السيف الذي قتل به أبي لأديته إليه.

     شهادة الامام السجاد (ع):

الطاغية الوليد بن عبد الملك، هو سادس حكّام بني أمية، تولى الحكم بعد هلاك عبد الملك بن مروان سنة 86 هـ، وصف أنه كان جباراً عنيداً، ظلوماً غشوماً، ووصف عمر بن عبد العزيز عصره إنه ممّن امتلأت الأرض به جوراً.

ومن جرائم الوليد الزنديق الذي تفأل يوما من المصحف فخرج الآية الشريفة: (واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد) فرمى المصحف من يده، وأمر أن يجعل هدفا ورماه بالنشاب وأنشد:        

        تهددني بجبار عنيد  ****  فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر **** فقل يا رب مزقني الوليد!

كان الطاغية الوليد يرى أنه لا يتم له الملك والسلطان مع وجود الإمام علي بن الحسين (ع)، فدسّ له السم على يد عامله على المدينة، فاستشهد الإمام عليه السلام على أثر ذلك السم في سنة 95 للهجرة.

ودُفن الامام علي السجاد (ع) في البقيع مع عمه الإمام الحسن (ع)، بقرب مدفن العباس بن عبد المطلب (رض)، وهناك عدة آراء عند المؤرخين في تاريخ شهادة الإمام زين العابدين (ع)، ومنها ان الامام (ع) قُبض وهو ابن "سبع وخمسين سنة"، في الخامس والعشرين من شهر محرم الحرام سنة خمس وتسعين للهجرة النبوية ، فسلام على الامام علي زين العابدين يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

    رسالة الحقوق:

من الذخائر النفيسة في دنيا الإسلام (رسالة الحقوق) للإمام زين العابدين (ع)، فقد وضعت المناهج الحية لسلوك الإنسان، وتطوير حياته، وبناء حضارته، على أسس تتوفر فيها جميع عوامل الاستقرار النفسي، وقد كتب الإمام (ع) هذه الرسالة الذهبية أو أتحف بها بعض أصحابه، وقد رواها التابعي الكبير ثقة الإسلام "ثابت بن أبي صفية"، المعروف بأبي حمزة الثمالي (رض) تلميذ الإمام السجاد (ع)، وقد رواها عنه بسنده المحدث الصدوق وحجة الإسلام محمد بن يعقوب الكليني والحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحرّاني في (تحف العقول) وننقلها عنه، وفي ما يلي شذرات مضيئة ومقتطفات من هذه الرسالة:

    حق الله: 

فأما حق الله الأكبر فإنك تعبده، لا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحب منهما...

   حق النفس:

وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه، وإلى سمعك حقه، وإلى بصرك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وإلى بطنك حقه، وإلى فرجك حقه، وإلى يدك حقها، وإلى رجلك حقها، وتستعين بالله على ذلك....

   حق اللسان:

وأما حق اللسان فإكرامه عن الخنى، وتعويده على الخير، وحمله على الأدب، وإجمامه إلا لموضع الحجة والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاءه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة، التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها وبعد شاهد العقل والدليل عليه، وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم....

   حق السمع:

وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيراً، أو تكسب خلقاً كريماً، فإنه باب الكلام إلى القلب، يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر، ولا قوة إلا بالله...

   حق البصر:

وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك، وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصراً أو تستفيد بها علماً فإن البصر باب الاعتبار.

    حق الرجلين:

وأما حق رجليك فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها، فإنها حاملتك، وسالكة بك مسلك الدين، والسبق لك، ولا قوة إلا بالله...

     حق اليد:

وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك، فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة، في العاجل ولا تقبضها مما افترضه الله عليها، ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت، وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل.

   حق البطن:

وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاءً لقليل من الحرام، ولا لكثير، وأن تقتصد له في الحلال، ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين، وذهاب المروءة، وضبطه إذا همّ بالجوع والظمأ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة، ومثبطة، ومقطعة عن كل بر وكرم، وأن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومذهبة للمروة....

يا سيد العابدين أيها الزكي الأمين، يَا أَبَا الْحَسَنِ يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ، يَا زَيْنَ الْعابِدينَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ يَا حُجَّةَ اللهِ عَلى خَلْقِهِ يَا سَيِّدَنا وَمَوْلانا إِنّا تَوَجَّهْنا وَاسْتَشْفَعْنا وَتَوَسَّلْنا بِكَ إلى اللهِ، وَقَدَّمْناكَ بَيْنَ يَدَيْ حاجاتِنا، يَا وَجيهاً عِنْدَ اللهِ اِشْفَعْ لَنا عِنْدَ اللهِ.

إقرأ أيضا: في ذكرى استشهاد الامام السجاد.. الفرزدق يقول كلمة حق أمام سلطان جائر