بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا النبي الكريم وآله الطيبين الطاهرين.
اخوتي وأخواتي الأعزاء الكرام.. عظّم الله أجوركم، عظّم الله أجور الأمة المؤمنة في كل مكان بمصابها بسيدنا أبي عبدالله الحسين عليه السلام، وإنّه لمصابُ دينٍ ومصابُ أمّة، مصابٌ لا يُنسى حتى ينتصر الحقُّ تمام الانتصار، مصابٌ تهون أمامه كلّ المصائب الأخرى.
عنوان الموضوع، “النهوض الجماعي.. المُقوِّمات والتحديات”.
هناك حالتان تعرضان على الإنسان: حالةُ ركودٍ وحالةُ نهوض، قعودٌ وقيام، استسلامٌ ومقاومة.
أمّا الإسلام فقد جاء للنهوض، للقيام، للمقاومة، للبناء، للتقدّم، للصعود.
مسارُ الحياة في الإسلام كلُّه من أجل أن ننهض، أن نتصحح، أن نتغيّر إلى إيجاب، أن نعظُم، أن نكتمل. لا لحظة من لحظات الحياة في الإسلام للركوع، للركود، للهوان، للتخلّف، للثبات في الموقع من بعده موقعُ تقدّمٍ وموقع رقيّ.
نعم، قد تقعد قابليات الإنسان به لضعفٍ وتلاشٍ عن القدرة على النهوض، لكن تبقى قدراته الأخرى، فالحياة من حيث العلم ومن حيث كلّ شيءٍ آخر، يمكن الاستمرار على طريق النهوض فيه، الحياةُ كلّها من المهد إلى اللحد كلّها نهوض في كلّ مسارٍ من مسارات الذات الإيجابية والمواهب الكريمة الإلهية عند هذا الإنسان.
هذه هي رسالة السماء، هذه هي رسالة الحياة. النهضة تلازم الحياة.
موتُ أيُّ بُعدٍ من أبعاد الإنسان هو خلاف ما تتطلّبه حياته.
المقصود هو النهوض للتغيير الإيجابي -كما تقدّم- تصحيح التقدّم الصاعد، وإلا فهناك نهوضٌ للتخريب، نهوضٌ يتراجع بحياة الناس المُتقدّمة. النهوض يعني الحركة، بذل الجهود، تجميع الجهود، تفعيل هذه الجهود، كلّ هذا يصلح أن يبني، ويصلح أن يهدم، يصلح أن يُعطي للحياة تقدّماً، كما يصلح أن يتخلّف بحركة الحياة.
الشيوعية كانت نهضة، تحمل معنى النهضة إلاّ الاستقامة على الطريق الصحيح، فيها تغيير لكنه تغيير سلبي لا تغيير إيجابي. تغييرٌ يحمل طابع الفساد، وليس طابع الصلاح.
النهوض في الإسلام على خِلاف ذلك، كلّهُ نهوضٌ للبناء وللإصلاح والصلاح، ولإعطاء الإنسان في هذه الحياة كماله الذي يتبوأ به موقع السعادة الدائمة يوم الآخرة. هنا البناء، وهناك الاستثمار.
النهوض له مقوِّمات، منها ناجز، ومن عطاء الله تبارك وتعالى في النفس، عقلُك فيه عامل نهوض، إرادتُك هي عامل نهوض، فطرتُك السويّة هي عامل نهوض، قوّتك البدنية هي عامل نهوض، خبراتك المتجمعة هي عامل نهوض. عندنا عوامل نهوض ناجزة، مهيّئة، تمثّل إعداداً لنا من الله عزَّ وجلّ لحركة النهضة.
وهناك عوامل للنهوض ليست ناجزة، وإنما مكتسبة هُيئ الإنسان لاكتسابها، واستعداداته الأولية، الخلقية، ومواهبه التي وُلِد وهو غنيٌ بها، وهي مواهب من الله، هذه هي رصيده الأولي لبناء استعداداته المتراكمة، استعداداته المكتسبة التي تزيد من قوّته الأولية قوّة، وتضيف إليها مستوىً جديداً، أرأيت كيف نولدُ ونحن لا نفقه شيئاً؟ ثم ومن خلال المواهب الذاتية، موهبة العقل، أساسيات العقل، أوليّات العقل، بديهيات العقل، ومن خلال هذه البديهيات نكتسب فكراً جديداً، تقوم عندنا بنية فكرية عالية عند هذا وذاك، من خلال الاستفادة من مواهب الله الأولى في هذه النفس الإنسانية التي أراد لها الله عزَّ وجلّ أن تكون كريمةً وأن تكون قويّة وأن تكون راقية.
وكما توجد مقوِّمات فطرية خلقية أوليّة ناهضة هي عوامل نهوض، وعوامل حركة متقدمة إلى الأمام، يخرج بها المخلوق من درجةٍ على خطّ الكمال إلى درجةٍ أعلى وأعلى، فكذلك هنالك موانع من الكمال، موانع من النهوض، موانع من الحركة المتقدّمة، هذه العوامل أيضاً كثراً، ومنها جبهة القعود في الأرض في الصفّ الإنساني، والجبهة الطاغوتية، الجبهة الفرعونية، هذه كلّها نشاط وجهد لا تترك جهداً إلا بذلته في الانحراف بخطّ الحياة، ابتداءً بالانحراف بخط الفطرة، وتحاول أن تغتال الفكر، وتحاول أن تغتال كلّ قوةٍ يمكن أن تعطي للإنسان احتراماً لله وثباتاً على خطّه، ليرقى هذا الإنسان، أنا لا أقبل أن أكون عبداً للآخر إلاّ إذا استطاع الآخر أن يُنسيني الله، أن يُنسيني ديني، أن يُنسيني كرامتي، حينئذٍ يكون عندي كامل الاستعداد من حالة الانحطاط لأستجيب لـ أن أركع له، لـ أن أسجد له، لـ أن أكون عبداً ذليلاً بين يديه.
لا أريد أن أقف عند موانع النهضة كثيراً، ويكفي هذا العنوان على إجماله، وكلّنا يذوق مرارة هذا العنوان في طوال عمره، يؤثر على نهضته، على فكرته بنفسه، على رغبته في الاستقامة، يقوده إلى الذلّ والهوان والصغار، ويقلب كلّ الأوضاع إلى الفساد والضعف والتخلخل والفوضى.
هذه مقوّمات مكتسبة، علينا إذا أردنا النهضة أن نفكّر في مقوّمات النهوض، ثم من بعد ذلك كان لابد علينا أن نعمل على إيجاد هذه المقوّمات للنهضة. أن نبتدئ محاولة النهضة من غير أن نبحث عن مقوّماتها، ومن غير أن نبحث عن إيجاد هذه المقوّمات، فهي محاولة عبثية، وهي محاولة مكتوب عليها الفشل منذ بدايتها.
وجود العدد القادر المتميّز في مكوّناته الشخصية، العدد المدرك لحالة النقص التي يعيشها المجتمع، ومدرك لجوانب الخلل، والمشكل المحيط به. معرفة البيئة، نواقصها، خللها، ضعفها، وأيضاً قوتها، إمكاناتها، ما لم أعرف البيئة التي أريد أن أنهض من أجل تطويرها، أن أعمل من غير معرفة الموضوع، وأحاول أن أحكم على موضوعٍ وأنا أجهله، الجهل بالموضوع يستتبع الجهل بالحكم.
والنهضة نهضتان، نهضة الفرد في نفسه ولنفسه، وانعكست نهضته بقدرٍ وأخرى على الآخرين إيجاباً، هذا من مستوى النهضة، فيصير الجاهل بنهضته عالما، علماً لنفسه. ويصير الضعيف بترويضه ومجاهدته البدنية قويّ العضل، شديد البنية، صلب العود، وهذا له. يرى الإنسان نفسه فقيراً فيُجهِد نفسه على طريق العمل المنتج فيغنى، وهذه نهضة شخصية. هذه النهضات تتطلّب جهداً كبيراً ولا شكّ، ولكنها أقل بساطة، أقل تعقيداً، تتطلّب عدّةً أقلّ من النهضة الجماعية. النهضة بالوطن، بالمجتمع، بالأمة، بالإنسانية، ورسول الله “صلَّى الله عليه وآله” كانت نهضته للإنسانية، الأئمة “عليهم السلام” كانت نهضتهم للإنسانية، وهي أرهق نهضة، وأكثر نهضة تحديّاً، وأكثر نهضة عطاءً. فـ فرقٌ بين نهضة شخصية، ولكن وأنت تريد أن تنهض بمجتمعك، تنهض بوطنك، بمجتمعك، عليك أضعاف أضعاف الجهد الذي يتطلبه طموحي من تطوير نفسي بعض الشيء، والتطوير الذاتي والتطوير الجماعي يختلف جهده بمقدار ما يختلف طموحه، وأمة تريد أن تحسّن من وضعها الاقتصادي تحتاج إلى جُهد، أمة تريد أن تحسّن من وضعها الأمني تحتاج إلى جهد، الاجتماعي، العسكري، إلى آخره، ولكن أمّة تريد أن تنهض بكلّ أبعادها الإنسانية وبكلّ جنباتها، وهذا لا يكون إلاّ بنهضة إسلامية، لأنّ ما يعالج مشكلات الإنسان جملةً وتفصيلاً، والذي ينظر إلى الإنسان بكلّ جزئياته وتفاصيله ليس هو غير الإسلام، ولا رؤية تستوعب الإنسان بكلّه وبكلّ أبعاده غير الرؤية الإسلامية، ولا أطروحة تنزّلت من عند غير الله العليم الخبير لكل مَن خلق وما خلق.
فالنهضة الإسلامية نهضة هي أكبر النهضات مسؤولية، والنهضة الإسلامية أكبر النهضات، وهي أكثر النهضات حاجةً للاعداد والاستعداد، والتضحية، ومواجهة التحديّات.
نعم أيُّها الأخوة الكرام والأخوات الكريمات.. وجود العدد القادر، ابحث عنه، موجود؟ اجمعه. ناقص؟ ابنه، فلابد من وجود جماعة ولو صغيرة تسعى على طريق البناء من أجل العدد الكبير الكفؤ القادر على النهوض بالذات وبالمجتمع.
بعد وجود العدد الذي يتمتع بالقدرة على النهوض بالمجتمع، تأتينا مسألة التوافق على النهوض، موجود قدرات متفرّقة لديها قناعات شخصية مستقلّة بقيمة النهضة، وبامكانية النهضة، وضرورة النهضة، هؤلاء وهم أفرادٌ متفرّقون أو جماعات صغيرة مشتتة لا يكفون لتحقيق النهضة. لتحقيق النهضة لابد من جمع العدد الكفؤ القادر الكافي من ناحية الكم والنوع لحمل أعباء النهضة. سيواجه النهضة -كانت على يد عدد كثير أو على عدد قليل- مجتمع جاهل بقيمة النهضة، كافر بها، متربٍ سنين وسنين على خلاف ما تتطلّب هذه النهضة، له مصالح كثيرة في بقاء الوضع الحاضر، الوضع الطاغوتي، الوضع الجاهلي، وضع السحر، إلى آخر الأوضاع المتخلّفة، فأنت لن تتحرك في طريقٍ مفتوح، ستتحرك وأمامك ألوانٌ من الجيوش المضادّة، فإذا تحركت بالعدد القليل فسترجع إلى مكانك الأول بلا إشكال. إبنِ الكتلة المؤمنة الكفوءة المزوّدة بالقابليات الفكرية والنفسية والإرادية والخبرات بشكلٍ كاف وحينئذٍ إبدأ تحركك. إذا تحركت بالعدد الصغير تحرّك على مشروع صغير، وأجعل في طموحك إلى أن تصل بهذا المشروع إلى مشروع كبير، وذلك باستمرار البناء وباستمرار تضخيم الكتلة وتضخيم قابلياتها.
يجب أن يكون هناك إيمان عميق بالتغيير. قناعة التفكير بالتغيير قناعة عقلية فقط، من غير إيمان في القلب بأنّ التغيير واجب، من غير ما يعطيك الاحساس والقناعة والشعور المؤكد لوجوب التغيير كإيمانك بالله تبارك وتعالى، فإنّك وإنّي لن نكون مهيئين للتغيير ولا لتحصيل مقدماته، عليَّ أن أؤمن بأنّ عليَّ واجباً أخسر بدون امتثاله، أربح بامتثاله، واجب بتغيير الوضع، هذا شرطٌ ومقوِّم من مقوّمات التحرك الاجتماعي والنهوض الجماعي.
يأتي التوافق على النهوض وهدفه. ما هو النهوض؟ تصحيح الوضع الاقتصادي؟ تصحيح الوضع الاجتماعي؟ رفعة الشأن القومي؟ رفعة الشأن الوطني؟ أي هدف؟ إذا كان لديك هدف، وأنا هدف، وذاك هدف، فهل ينجح التحرك الجماعي والنهوض الجماعي، ويصل إلى هدفه؟ طبيعي لا.. فلابد من التوافق على أصل التحرّك، وأصل النهوض، وهدف النهوض، وأسلوب النهوض، والابتداء بوضع الخطّة. يحتاج الناس إلى الابتداء بوضع الخطّة والنظام الذي يضبط علاقات المصممين على التصحيح والتغيير والنهوض، أمّا أن يتحركوا بلا خارطة، بلا خطّة، بلا اتفاق على هذه الخطّة وعلى هذه الخارطة، فهي حركةٌ عشواء، وحركة خابطة خبطاً أعمىً في الظلام، فلا تنجح.
اعتماد مبدأ محدّد يُرجَع إليه في كلّ ما يتصل بالنهوض من هدف وأسلوب وأخلاقية وغير ذلك. إذا كان مبدأ شيوعية، ويتحرّك التحرّك الجماعي من منطلق الرؤية الشيوعية، وذاك من منطلق الرؤية الإسلامية، وذاك من منطلق الرؤية القومية، وذاك من منطلق الرؤية الرأسمالية، وذاك من منطلق الرؤية العلمانية، هذا التحرك من الممكن أن يشيد؟ أن يستمر؟ أن ينجح؟ أن يناسق؟ أن ينجح ينسجم؟ أن يتفّق على خطوات؟ على طريق معيّن؟ هذا عين الفوضى وعين الصراع، هذا ليس تجمع للنهوض، وإنما هذا اجتماع للفوضى والصراع والمقتلة والتشتت.
حصلنا على أعداد وافية وقادرة مزوّدة بالكفاءة المطلوبة للنهوض الجماعي، كم هو المجتمع؟ خمسة ملايين مثلاً، كم هم الذين انصاغوا هذه الصياغة، وأتموّا الدورة الجهادية للتمتع بالمستوى القادر على التغيير؟ يحتاجون إلى جمهور عريض، حتى يوصلوا قناعة التغيير، وقناعة ضرورة النهوض إلى جمهور عريض بنسبة عالية تكون يدهم الضاربة، تكون يد المغيرين الفاعلة الضاربة المدافعة التي تدرأ عن الحركة أن تُجهض، وتدعو عن المغيرين لئن يبادروا، الصفوة والنخبة ضرورية، ولقد كان لرسول الله “صلَّى الله عليه وآله وسلّم” صحبة النخبة، ولكنه كان يوصل القناعة الإسلامية، والحاجة إلى التغيير على أساس الإسلام إلى بدوي الصحراء، وإلى الجاهل، وإلى الغني المترف، وإلى الجماهير التي لا تمتلك فكراً قادراً على التغيير، لكن تمتلك سواعد، وتمتلك إرادة، وتمتلك جرأة، ما لم تكن لك هذه الجماهير، وما لم تستطع أن توحدها على خط القناعة على وجوب التغيير فبعدُ أنتَ لم تكتمل إعداداتك للتغيير، لابد من صناعة جمهور عريض في الوطن، في الأمة، من أجل أن ينهض معك، تنهض به، وينهض بك، على طريق التغيير، فإنّك تحتاجه، وهذا الجمهور يحتاجك، الحاجة متبادلة من كلّ الطرفين، والتبعة ستلحق الطرفين لو كانت خسارة، والربح سيعمّ الطرفين لو كان هناك ربح، وقد وعد الله عزَّ وجلّ أهل التغيير بالربح: (وإن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم).
النهوض لابد من الاقدام عليه، من دراسة ظروفه البيئية بدقّة، محيطك الداخلي، محيطك الخارجي، قابلياتك، النواقص. على كلّ حال أنت ستتحرك على أرض إمّا ستكون مجهولةً لك، ولو في بعد من أبعادها، فأكون أعمى بالنسبة لهذا البعد، وإمّا أن تتحرك على أرض درستها، استقصيت أحوالها، فيكون تحركك هنا على بصيرة موضوعية، وكما نحتاج إلى البصيرة النظرية في التحرك، نحتاج إلى البصيرة العملية في التحرّك، والبصيرة العملية في التحرك تحتاج إلى وقوف على تجارب التغيير، وتجارب النهضات، وتحتاج إلى دراسة البيئة بكل ما أمكن من تفاصيلها الدخيلة للتأثير على التحرّك، هذا عنصر أيضاً، وهو دراسة البيئة دراسة دقيقة، والاستعانة بالخبرات الأخرى المتاحة، كلّ ذلك مطلوب لحركات النهوض الجماعي.
التحديات:
الحاجة إلى جهد الجماهير وتوافقها على التغيير. التغيير المضاد لما عليه البيئة المتخلّفة الضارّة. إذا كان تجميعنا لأفراد النخبة، ولأصحاب المستوى الفكري الراقي، صعباً، إقناعنا لهم بالتغيير صعباً، وتحصيل العدد الكافي صعب، وهذه الفئة عندها تنافسها، وعندها آرائها المختلفة، وإلى آخره، فإنّ الجماهير الشعبية لها تعقيداتها الكبيرة، وجمعها على رأي واحد لا يكاد يثبُت. المجتمعون على رأي واحد من هذه الجماهير، القناعة الأولية التي حصلت عندهم قابلة دائماً للتغيير، وأي عمل على التأثير عليها تتصدع وتتراجع وتنقلب، قناعات الكبار تنقلب، والمتساقطون على طريق التغيير كثيرون، هذا بالنسبة للخاصّة، لعلماء، مثقفين كبار، وما إلى ذلك، أمّا هذا ففي الجماهير يكون أوسع، واليوم لك وغداً عليك، الجماهير تحتاج إلى رعاية كثيرة، اليوم مؤمنة بك، يتراءى لها خطأ من كلماتك فتسقطك في لحظة، الجماهير قد ترفع سريعاً وقد تسقط كثيراً، وهذا محلّ خطورة شديدة جدّاً، وهذا من التحديات.
والاشتغال بالنخبة عن الجماهير، اشتغال يضيّع على التحرك الاجتماعي مطلبه، أنت عندك عينين، عينٌ على الجماهير، وعين على النخبة، وكلٌّ منهما تكون قوّة العينين، حتى يستقيم لك الأمر إذا أردت التغيير.
من الطبيعي في الجماهير، كما في النخب من يعادي التغيير لمصالحه المضادة له، فكذلك في الجماهير، المتعلقون بالسلطان مستفيدون منه، المتعلقون بالأغنياء الكارهين للتغيير لأنه على خلاف مصلحتهم، لكلّ جهة ذات تأثير كبير، وتعيش حالة من الانحراف، لكلٍّ منها في الجماهير الشعبية أنصار، لكلٍّ منها مخدوعون، لكلٍّ منها مستفيديون، هؤلاء المستفيدون، المخدوعون، موقفهم إلى من؟ إلى المغيرين الجدد الذين يريدون الإصلاح والنهضة بالآخرين؟ أو ولائهم وجهودهم ونصرتهم ستكون للقوى المتخلفة، للقوى الرجعية، للقوى المضادة، طبعاً الثانية وهذا تحدي كبير لفئة المغيّرين.
المجتمع المتخلّف يملك مؤسسات، أملاك، ليس هناك مجتمع إلا وله مؤسسات، وهذه المؤسسات العملاقة هي مؤسسات للتخلّف، مؤسسات للظلم، للاستغلال، لاستعباد الآخرين، لاستذلالهم، كلّ مصالح هذه المؤسسات في بقاء الوضع المتخلّف، هناك الأفراد، وهناك المؤسسات، هذه المؤسسات تمثّل قوة كبيرة جدّاً ومتماسكة في حماية الوضع القائم الذي أنت تستهدف أن تُغيِّره، هذا تحدي.
طبيعي كما سبق، إذا كان هناك وجود طاغوتي بالمعنى السياسي، الطاغوت السياسي وهو أملك للقدرات، والتخطيط، وتسيير القوى الأخرى بدرجة أكبر، هذا أخطر شيءٍ على التغيير، وهو المستهدف الكبير النهائي للحركة الإسلامية المكتملة الشروط، والمكتملة القوّة، وفي أشدّ أوجها، وحالة نضجها. الإسلام صبر على حكم الكفر في مكة ثلاثة عشرة سنة، والمسلمون يداسون فيها ويُقتّلون ويسحبون على الأرض، وكل شيءٍ يُفعل بهم، والقائد الأعظم للإسلام الذي لا غيرة مثل غيرته، ولا إسلامية مثل إسلاميته، ولا شجاعة مثل شجاعته، بدل أن يستثير المسلمين يُهدّؤهم. فكل مرحلة من مراحل التغيير لابد أن يُحدّد سقفها، والسقف يُحدَّد تبعاً لامكانات النهضة، تبعاً للقدرات الفعلية للنهضة.
الإسلام أراد منّا أن نُحدث التغيير، ولابد أن نُحدث التغيير في ذواتنا وفي الوضع الخارجي، إلى مصلحة الإنسان كلّ الإنسان، لكن قال لنا بالموضوعية، بالواقعية، ومثالية الإسلام لا تهدم واقعيته، وواقعية الإسلام لا تهدم مثاليته.
وغَفَرَ الله لي ولكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.