ولعل الإنجازات الأخيرة للجيش اليمني واللجان الشعبية في محافظة البيضاء، والتي مكنتهما من الإشراف على محافظة شبوة الغنية بالغاز والنفط، دقت ناقوس الخطر لدى واشنطن ولندن، ما دفع الأخيرة تحديدا إلى الانخراط في حلقة جديدة من مسلسل مشاركتها في هذه الحرب.
حلقة تستهدف تعزيز وجودها في المواقع الاستراتيجية اليمنية، وتحديدا في السواحل والجزر والممرات البحرية، تمهيدا للسطْو على نفط البلاد وغازها وثرواتها الطبيعية الأخرى، في ما يمثل تجليا للحنين إلى الاستعمار الذي يبدو أنه لا يزال يراود لندن.
في ذلك السياق تحديدا، يمكن فهم قدوم قوة عسكرية بريطانية إلى محافظة المهرة اليمنية، في أعقاب استهداف الناقلة الإسرائيلية «ميرسر استريت» قبالة المياه العمانية في بحر العرب. إذ يبدو أن المملكة المتحدة تواصل احتلال موقع الصدارة في الانخراط الغربي في العدوان على اليمن، في إطار عملية انتشار أوسع تشترك فيها لندن وواشنطن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وصولا إلى خليج عدن.
وهذا ما يتماشى، أيضا، مع المراجعة التي أجرتها حكومة بوريس جونسون، بخصوص السياسات الخارجية، والتي من ضمنها تعميق التواجد البريطاني في آسيا بدوافع أمنية وعسكرية، ولو تحت ستار ذرائع كاذبة لتبرير التدخل العسكري الهادف إلى تثبيت الهيمنة مباشرة أو من خلال دعم الأنظمة القمعية.
تبقى مصالح المملكة المتحدة، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو الاستراتيجية، المتحكم الرئيس ببوصلتها في اليمن
في الأيام الماضية، حاول التحالف الأميركي - البريطاني - الإسرائيلي توظيف حادثة «ميرسر استريت» في أكثر من اتجاه. فإلى جانب السعي إلى تشكيل تحالف دولي تحت عنوان حماية الممرات البحرية والتجارة العالمية، عمدت لندن إلى توسيع بيكار التوظيف ليطال اليمن، وتحديدا حركة «أنصار الله» التي اتهمتها بالمسؤولية عن مهاجمة السفينة، في ما مثل ذريعة لإنزال قوات بريطانية جديدة في محافظة المهرة.
وكانت السعودية وقعت، بداية العام الجاري، اتفاقا عسكريا مع بريطانيا لتنفيذ ما سمتاه «أعمالا أمنية» في المحافظة المذكورة، بدعوى «تعزيز أمن وسلامة الملاحة الدولية ومكافحة تهريب المخدرات والسلاح».
ومذاك، تتواجد قوات عسكرية وأمنية بريطانية، إلى جانب قوات أميركية وسعودية، في مطار الغيضة وعشرة مواقع أخرى. وهو ما سبقه قيام وفد من كبار ضباط المخابرات البريطانية، برفقة مسؤولين سعوديين، بزيارة إلى المهرة.
كذلك، كشفت الأجهزة الأمنية في صنعاء، بداية العام الجاري، عن «خلايا» تدار مباشرة من قبل المخابرات البريطانية، وتعمل على رصد تحركات الجيش و«اللجان الشعبية» ومواقع إنتاج المنظومات الصاروخية والطائرات المسيرة.
والجدير ذكره، أيضا، أن 6300 خبيرا وفنيا بريطانيا يشاركون القوات السعودية في عملياتها، من خلال الإعداد والتجهيز، وصيانة الطيران الحربي، وإدارة غرف العمليات والتحكم والسيطرة والمراقبة. وتعترف لندن بوجود هذا العدد من خبرائها، والمهام التي يتولونها، إلا أنها تدعي أنهم يعملون في شركات أمنية خاصة.
أما على المستوى السياسي، فإن لندن تعد المسؤولة عن الملف اليمني في مجلس الأمن، حيث تتبنى المواقف السعودية بالكامل. وفي السنتين الماضيتين، ضغطت بريطانيا على الدول الأوروبية التي أوقفت بيع السلاح والذخيرة للمملكة بسبب قضية الصحافي جمال الخاشقجي، وقد نجحت في ثني تلك الدول عن قراراتها.
وفي خلفية ذلك، يمكن القول أن مصالح المملكة المتحدة، سواء الاقتصادية أو العسكرية أو الاستراتيجية، تبقى على الدوام المتحكم الرئيس ببوصلتها في مختلف الملفات، بما فيها الحرب على اليمن.
على أن لندن اعتادت تمويه هذه الحقيقة بالأساليب المضللة، التي لا تزال ماضية في استخدامها. وفي هذا الإطار، يصف الباحث البريطاني، مارك كيرتس، في كتابه المعنون «شبكة الخداع» (للكاتب مؤلفات هامة أخرى من مثل التباسات القوة، الخداع الكبير، التجارة مقابل الحياة، وغيرها)، بريطانيا بأنها «دولة مارقة، خارجة عن القانون الدولي في معظم الأحيان، بل ودولة تقوم بانتظام بانتهاك حقوق الإنسان، وتعمل كحليف رئيس للأنظمة القمعية في مختلف أنحاء العالم».
وفي الاتجاه نفسه، تعتبر وسائل الإعلام البريطانية أن «بلادها تعتمد سياسة الالتفاف على الرأي العام المحلي والعالمي، بالتنصل من مسؤولية المشاركة في العدوان على اليمن، واتباع الخداع والنفاق، والاستغلال المخزي للحرب بداعي الجشع».
المصدر: جريدة الأخبار