قبسات من وحي عاشوراء(1)
نقدم مجموعة من القبسات العاشورائية لسماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم.
ندعوكم لتلّمس كلمات القائد آية الله قاسم التي تمثل وهجاً من شمس عاشوراء، ونوراً أصيلاً لم تجعله كل هذه الحقبة الزمنية أن يكون غير ذلك؛ فهو يضع الأجيال كل الأجيال على خطّ تطلعاتها وآمالها في الوصول للحسين “عليه السلام”.
1
أن أكون من أنصار الحسين عليه السلام أو أنصار يزيد راجع إلى كيفيّة صناعتي لذاتي، وانتصاري في معركتي مع نفسي أو هزيمتي فيها.
2
لن أنصر الحسين ما غلبت لنفسي، ولن أتأخر عن نصرته ما انتصرت عليها. وكلّ مهزوم لنفسه مهيّأ لأن يكون مع معسكر يزيد.
3
إن معركة كربلاء ليست لمرة واحدة في التاريخ، ويوم عاشوراء ليس يومًا شاذًّا من بين كلّ الأيام، إنما كل أرض كربلاء، وكل يوم عاشوراء.
4
عاشوراء المعركة بين الدين والكفر، والتقوى والفجور على اختلاف مستوياتهما بين العقل والجهل، بين النفس الأمّارة بالسوء والنفس اللوّامة، بين قيم الدنيا وقيم الآخرة، بين إرادة الخير وإرادة الشرّ في كل مجتمع.
5
ثورة كربلاء ثورة الدين الحقّ على دين مغشوش مزوَّر ممزوج بالجاهلية، مسخَّر لخدمة الطواغيت، مخدّر للأمّة، إباحيّ إلى حدّ كبير، مبرّر للظلم، يشرّع للأثرة والنهب والاستحواذ بغير حقّ على الثروة.
6
ثورة كربلاء ثورة عقل في قّمة النضج والرشد والبصيرة على عقول قاصرة فجّة بلا رشد، ولا حكمة، ولا بصيرة.
7
كربلاء ثورة القيم الروحيّة الطاهرة في أعلى طهرها ونقاوتها، على قيم الطين الهابطة، والشهوات المادية المتدنّية، والحيوانية والبهيمية حين تكون السيادة لها على الإنسان.
8
ما لم نُدِم النظر في النفس ومعاقبتها ومحاسبتها وما لم نحملها على ما لا تشتهي النفس الأمارة بالسوء فإننا لا نملك أن نكون منتصرين على أنفسنا، وبالتالي لا نملك أن نكون في معسكر الحسين عليه السلام
9
ستبقى كربلاء تمدّ الأمّة ما عاشت بوعي الدّين، وتتجه بها إلى خطِّ الرّسالة، وتشدّها إلى قيادة الأنبياء، وقيادة وريثهم الموعود المنتظر عليه السلام
10
ما دام وعيُ كربلاء فلن يسمح بأن تأسنَ حياةُ الأمّة، أو تستسلم لمحاولات الهروب بها عن الإسلام، وتخسر هُويّتها وأصالتها، وتتراجع إلى الوراء.
11
شعارُ كربلاء بإصلاح أمّة رسول الله صلَّى الله عليه وآله هو الانطلاقة الجادّة لإصلاح العالم كلِّ العالم، لأنَّ العالم لا يُصلحه إلا هدى السماء، وكلمةُ الوحي، ولا هُدى للسّماء في الأرض كهدى الإسلام.
12
يوم كربلاء لشهادة لا إله إلا الله، ولتملأ هذه الشهادة بهُداها كل ساحات الحياة، ولتقود حركة الإنسان، وتقضيَ على الطاغوتية في الأرض، وتُذِلَّ المستكبرين.
13
في كل المواقف، وعند كل الامتحانات، عند كل رغبة، عند كل شهوة، عند كل تحد، هيات منا الذلة.
14
كل ما لكربلاء من قيمة عالية إنما هو من سموّ هدفها، من صدق إمامها، من تقيّدها بالحكم الشرعي في الموقف الكبير وفي الموقف الصغير، في الموقف الفردي، وفي الموقف الجماعي.
15
عاشوراء من أجل أمة قويمة تُحكِّمُ في حياتها كتاب الله وسنة رسوله والمعصومين من آله عليه وعليهم السلام، ولاتعبد غير الله، ولاترضى من دونه إلاهاً ولا حَكَماً…
16
على كل منّا أن يراجع نفسه، أن يراجع سلوكه، أن يراجع واقع أسرته، فكم منّا للحسين(ع)، وكم منّا ليزيد.
17
ما إن تتأخّر عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا ويكبر المنكر في الأمة ويضمر المعروف، وكلما كبر المنكر، وضمر المعروف كان الناس في كارثة ليست على مستوى الدين فقط، وإنما أيضا على مستوى الدنيا.
18
لا تعادوا أمريكا يوماً وتصالحوها دهراً، ونحن نفعل ذلك… نحن نعادي أمريكا يومَ أن تشهر أمامنا السيف، ويوم أن تتحدانا بالقنبلة، أما يوم أن تصدِّر لنا أفكارها الساقطة وأخلاقياتها المهترئة فنحن نفتح باعنا نستقبلها بكل سرورٍ وبكل ترحيب. إنه موقفٌ خطأ، إنه موقفٌ ساذج، إنه موقفٌ أبله، من المؤسف أن ترتكبه الأمة، وأن تقع في مستنقعه..
19
الجادّون في إحياء عاشوراء هم حضّار المجالس الحسينية في المأتم، والمشاركون فعلاً في المواكب بوعي حسيني وروح حسينية وأخلاق من أخلاق الإمام الحسين (ع).
20
أتدرون ماذا تعني واحسيناه؟ واحسيناه تعني وإسلاماه، تعني واعدلاه، تعني وا عفافاه، تعني وإنسانيتاه، كل شئ من هذا المعنى الكبير، من هذه القيم الرفيعة مفقود، والأمة والإنسانية فيه مفجوعة، حين تفجع الإنسانية في الإمام الحسين (ع)، لكن أيصح لنا أن ننعى الحسين؟ وننعى العدل؟ وننعى الدين؟ وننعى الإنسانية؟ لا، الحسين (ع) ليس للنعي، كيف ننعاه وهو يعطي هذه الأجيال ومدرسته تخرّج هؤلاء الأبطال، هذه الصفوف الثورية التي تعد ذاتها لمواجهة الكفر العالمي وإسرائيل اللقيطة (…)
21
السلام على القرآن الناطق مرفوعاً على رأس الرمح، السلام على كلمة الوحي تتضرج بالدماء على أرض كربلاء، السلام على رسالة السماء تخمد أنفاسها للتفجر وتملأ الفضاءات كلها نوراً وجمالاً وجلالاً، السلام على الصوت الهادر في أفئدة الأجيال يحييها، يبعثها، يسدد خطاها على الطريق اللاحب الصاعد إلى الله..
22
السلام على الثورة العارمة التي تخاطب الأجيال بلسان الاسلام، بكلمة الله أن تتشرب العزة والكرامة، وأن تثبت على الدرب، وتتصلب ارادتها في ذات الله.. السلام عليك يا أبا عبد الله الحسين.
23
يقولون لنا لماذا تتفجعون؟ نحن نبكي لغيابٍ الروح الإنسانية، وغذاء الذات الإنسانية العليا، وقائد المسيرة الإنسانية إلى الله، نحن نتفجع للضمير الإنساني يذبح على يد الفجرة، نحن نتفجع للقلب الزاخر بحب الله، نتفجع للروح تشع على الأرض شعاعات الإله، شعاعات العدل، إشعاعات الهدى..
24
السلام عليك يا أبا عبد الله.. السلام عليك يا ريحانة رسول الله (ص).. السلام على الجسد المضرج بالدماء.. السلام على الرأس المرفوع على رأس الرمح في السماء.. السلام على كل قطرة من دمك الفائر الثائر الزكي الذي ينبض بحياة الإسلام، ويقدّمُ للأجيال الوعي واليقظة، وينادي الأجيال كل الأجيال نداءً عل حد نداء إبراهيم “عليه السلام” أن حجوا لبيت الله، وكونوا دائماً لله، وأعطوا من أنفسكم كل شيء لله سبحانه وتعالى..
25
تبقى الأجيال يا أبا عبد الله تستمد من دمك الفائر، وتستمد من كلماتك الساخنات، وتستمد من آهاتك الحارة، وتستمد من تمتمات شفتيك المقدسة لله، المسبحة باسمه.. تبقى الأجيال تستمد من كل خاطرة من خواطرك، من كل نبرة من نبرات صوتك، من كل موقف من مواقفك؛ وعيها وحركتها واندفاعها وصمودها وإرادتها وصلابتها وإصرارها على الهدف، واتجاهها لله سبحانه وتعالى.
26
السلام عليك يا أبا عبد الله، يا ثائراً من أجل الله، يا شهيداً من أجل الله، السلام على دمك الفوار الذي تفور في القلوب لوعة بفورانه، السلام على أشلائك المبددة التي بددت من شعور الأمة مالا يعيد إليها استقامته واجتماعه إلا أن تجتمع وراء رايتك وتأخذ برأيك، وتنتمي إلى صفك، وصفك سيدي صف الفقهاء، وهم الدليل عليك، وأنت دليل الكل على الله عز وجل.
27
يا يوم عاشوراء الحسين عليه السلام.. نحتاجك إيمانا ورشدا وهدى ونورا، وخلقا كريما وطهرا، وإرادة صلبة وعزما، وصمودا ومضاء، وصدق دين وسلامة نيّة؛ نحتاجك لوعينا، لإيماننا، لعزّتنا، لكرامتنا، لهدانا، لتصحيح رؤيتنا، لانتشال إرادتنا، للإباء، للصمود، للشموخ، للوقوف كل حياتنا مع الحقّ وإن عزّ أهله في مواجهة الباطل وإن كثر ناصره، وكثر الناعقون به، نحتاجك في كل موقع ومنعطف يا مدرسة الأجيال، ويا معلّم الأمم.
28
علينا أن نقول لبيك ياحسين.. علينا أن نقول معك ياحسين.. ولكن علينا أن نصدق هذه الكلمة. وحين يكون علينا أن نصدقها فإنه علينا أن نصدقها في كل لحظات الحياة وفي جميع مساحة الحياة وعلى مستوى كل التحديات.
29
كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة كربلاء ثورة على تعملق الغرائز المادية وسيادتها وعلى حب الدنيا الذي يقضي على إنسانية الإنسان، قرار الإنسان ومسلكة وثورة على حب الدنيا الذي يقضي على إنسانية الإنسان ويوقعه في ألوان المحن، ويفصله عن هدف الحياة، وثورة على العمى والجهل والضلال.
30
كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على الأهداف الدونية الحقيرة التي تصدّ الإنسان بما هو إنسان عن هدفه الكبير. وأؤكد لكم أن كل هدف دون الوصول إلى الله ونيل مرضاته وأن كبر في عين أهل الدنيا فهو صغير حقير حقير.
31
كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على الخوف الذي يشل عن الحركة ويفسح الطريق للظلم أن يتبذخ ويتبجح، وعلى الرعب الذي يقتل النفس ويستعبدها للطامعين.
32
كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على الوقوف عند أي انتصار من الانتصارات الصغيرة، وكل انتصار منفصلٍ عن الانتصار على النفس، كان انتصارك سياسياً أو عسكرياً أو من أي نوع فإنه صغير ساقط حقير.
33
كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة كربلاء ثورة على خمود الإرادة وعلى فتورها وعلى استسلامها للظروف المحيطة وهي تملك -أي تلك الإرادة- أن تغير ولو على المدى الطويل.
34
كربلاء.. ثورة على ماذا؟ ثورة على نفس تقبل أن تهون أو تهان.
35
عاشوراء ليس للوقوف في وجه ظلم انطوى وجاهلية انحسرت ولفّها التاريخ، ليس لمواجهة فسادٍ ارتكبه يزيد الماضي، وإنما عاشوراء لمواجهة ظلمٍ قائمٍ الآن في الدنيا، أوضاع جاهلية تتستّر براية الإسلام، وهي تتآمر عليه وتنحرف به، وتقيم على الأرض أوضاع جاهلية صارخة تنقض البناء الإسلامي حجراً حجراً.
اقرا ایضا:
الحلقة الثانية... قبسات من وحي عاشوراء للعلامة الشيخ عيسى قاسم