الكثير يتساءلون عن ما جرى في يوم المباهلة وما هو هذا اليوم .. في هذا المقال نوضح لكم ماذا حدث في يوم المباهلة.
قدم على رسول الله صلى الله عليه واله وفد نجران فيهم بضعة عشر رجلا من أشرافهم ، وثلاثة نفر يتولون أمورهم : العاقب وهو أميرهم وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه وأمره ، واسمه عبدالمسيح ، والسيد وهو ثمالهم وصاحب رحلهم ، واسمه الايهم ، وأبوحارثة بن علقمة الاسقف ، وهو حبرهم و إمامهم وصاحب مدارسهم ، وله فيهم شرف ومنزلة ، وكانت ملوك الروم قد بنوا له الكنايس ، وبسطوا عليه الكرامات لما يبلغهم من علمه واجتهاده في دينهم ، فلما وجهوا إلى رسول الله جلس أبوحارثة على بغله وإلى جنبه أخ له يقال له : كرز أو بشر بن علقمة يسايره ، إذا عثرت بغلة أبي حارثة ، فقال كرز : تعس الابعد يعني رسول الله صلى الله عليه اله ، وقال له أبوحارثة : بل أنت تعست ، قال : له ولم يا أخ ؟ فقال : والله إنه للنبي الذي كنا ننتظر فقال كرز : فما يمنعك أن تتبعه ؟ فقال : ما صنع بنا هؤلاء القوم ، شرفونا ومولوناو أكرمونا وقد أبوا إلا خلافه ، ولوفعلت نزعوا منا كل ما ترى ، فأضمر عليها منه أخوه كرز حتى أسلم ، ثم مر يضرب راحلته ويقول : إليك تغدو قلقا وضينها * معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها .
فلما قدم على النبي صلى الله عليه واله أسلم ، قال : فقدموا على رسول الله وقت العصر وفي لباسهم الديباج وثياب الحيرة على هيئة لم يقدم بها أحد من العرب ، فقال أبوبكر : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، لو لبست حلتك التي أهداها لك قيصر فرأوك فيها ، قال : أتوا رسول الله صلى الله عليه واله فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام ولم يكلمهم فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم ، فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا : إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمناعليه فلم يرد سلامنا ولم يكلمنا ، فما الرأي ؟ فقالا لعلي بن أبي طالب : ما ترى يا أباالحسن في هؤلاء القوم ؟ قال : أري أن يضعوا حللهم هذه وخوانيمهم ثم يعودون إليه ، ففعلوا ذلك فسلموا فرد سلامهم ثم قال : والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الاولى وإن إبليس لمعهم ، ثم ساءلوه ودارسوه يومهم ، وقال الاسقف : ما تقول في السيد المسيح يا محمد ؟ قال : هو عبدالله ورسوله ، قال : بل هو كذا كذا ، فقال عليه السلام : بل هو كذا وكذا فترادا ، فنزل على رسول الله من صدر سورة آل عمران نحو من سبعين آية يتبع بعضها بعضا وفيما أنزل الله : " إن مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب " إلى قوله : " على الكاذبين " فقالوا للنبي صلى الله عليه واله : نباهلك غدا : وقال أبوحارثة لاصحابه : انظروا فإن كان محمد غدا بولده وأهل بيته فاحذروا مباهلته ، وإن غدا بأصحابه وأتباعه فباهلوه .
قال أبان : حدثني الحسين بن دينار ، عن الحسن البصري قال : غدا رسول الله آخذا بيد الحسن والحسين تتبعه فاطمة ، وبين يديه علي ، وغدا العاقب والسيد بابنين على أحدهما درتان كأنهما بيضتا حمام ، فحفوا بأبي حارثة ، فقال أبوحارثة : من هؤلاء معه ؟ قالوا : هذا ابن عمه زوج ابنته ، وهذان ابنا ابنته ، وهذه بنته أعز الناس عليه وأقربهم إلى قلبه ، وتقدم رسول الله صلى الله عليه واله فجثا على ركبتيه ، فقال أبو حارثة : جثا والله كما جثا الانبياء للمباهلة فكع ولم يقدم على المباهلة ، فقال له السيد : ادن يا باحارثة للمباهلة ، فقال : لا ، إني لارى رجلا جريئا على المباهلة وأنا أخاف أن يكون صادقا فلا يحول والله علينا الحول وفي الدنيا نصراني يطعم الماء ، قال : وكان نزل العذاب من السماء لو باهلوه ، فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نباهلك ولكن نصالحك .
فصالحهم رسول الله على ألفي حلة من حلل الاواقي قيمة كل حلة أربعون درهما جيادا ، وكتب لهم بذلك كتابا ، وقال لابي حارثة الاسقف : لكأنني بك قد ذهبت إلى رحلك وأنت وسنان فجعلت مقدمه مؤخره فلمارجع قام يرحل راحلته فجعل رحله مقلوبا فقال : أشهد أن رسول الله صلى الله عليه واله. (1)
-----
(1) البحار ج21 ص3336