إن لم تكن حركة الجهاد العلمي والعقائدي التي تبناها ائمة آهل بيت الرسول عليهم السلام خلال 250 عاما، لكان مرتزقة بين أمية وبني العباس ووعاظ السلاطين بدأ من سقيفة بين ساعدة، قد جردوا الاسلام من محتواه ومغزاه، حيث لم يكن يبقى من الدين الحنيف لا اسما ولا رسما، وبهذه المناسبة المباركة نعرض قبسات من حياة وجهاد الامام الكاظم (ع) .
ولد عليه السّلام بالأبواء - منزل بين مكة والمدينة .. عن أبي بصير قال: كنت مع الامام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) في السّنة التي ولد فيها ابنه موسى (ع) فلمّا نزلنا الأبواء وضع لنا أبو عبد الله (ع) الغداء ولأصحابه وأكثره وأطابه، فبينا نحن نتغدى إذ أتاه رسول "السيدة حميدة ام الإمام موسى الكاظم (ع)" ....... فقام أبو عبد الله (ع) فرحا مسرورا، فلم يلبث أن عاد إلينا، حاسرا عن ذراعيه ضاحكا سنّه فقلنا: أضحك الله سنّك، وأقرّ عينك، ما صنعت السيدة حميدة ؟ فقال: وهب الله لي غلاما، وهو خير من برأ الله، ولقد خبرتني عنه بأمر كنت أعلم به منها, قلت: جعلت فداك وما خبرتك عنه السيدة حميدة ؟ قال: ذكرت أنه لما وقع من بطنها وقع واضعا يديه على الأرض رافعا رأسه إلى السماء، فأخبرتها أن تلك أمارة رسول الله وأمارة الامام من بعده.
الإمام الكاظم (ع) وحكّام عصره
عاصر الإمام عليه السلام حكام بني العباس كالمنصور (بالشيطان) وولديه المهدي والهادي وهارون (السفيه)، وقد قضى أكثر من 15 سنة من عمره الشريف في سجون الحكام الظلمة.
وطوى عليه السلام عشر سنواتٍ من إمامته في عهد المنصور بالشيطان، وكانت من أقسى أيام حياته، وأشدّ أيّام الإسلام ظلاماً وشدّةً، فقد كان المنصور بالشيطان يلقي القبض على أصحاب الإمام مجموعةً بعد أخرى، ثم يقضي عليهم بعد أن يسومهم صنوفاً من التعذيب، ويدفن أجسادهم في السّجون سراً، وقد اكتشف الأمر بعد موته، إذ فتحت السّجون، وعثر فيها على الجثث والعظام، وعرف الناس ما ارتكبه هذا الطاغية من مظالم، في معتقلاته الرهيبة.
وبعد هلاك المنصور بالشيطان، خلفه ابنه الماجن، المهدي بالشيطان، وكان هذا لا يخفي عداوته لأهل بيت الرسول (ص)، وجرى بينه وبين الإمام الكاظم بينهما حوار حول قصة «فدك»، وهي المزرعة التي قدّمها الرسول (ص)لابنته الزهراء (ع) نحلةً (أي هبةً)، لكنّها انتزعت منها بعد وفاته، وتناقلها الحكام فيما بينهم.
ويروى أنّ المهدي (بالشيطان) العباسي عرض على الإمام الكاظم (ع) أن يردّ له مزرعة «فدك»، فرفض قبولها. ولما سأله عن سبب رفضه أجاب بأنّه لا يقبلها إلا بحدودها، فسأله: وما حدودها؟ فأجاب: إنّي إن حددّتها لم تردّها، فألحّ عليه الحاكم العباسي، فحددّها عليه السلام كما يلي:
الحدّ الأول: عدن إلى الجنوب. فتغيّر وجه المهدي (بالشيطان)، ثم قال (ع): والحد الثاني: سمرقند إلى الشرق، فاربد وجهه، ثم قال: والحدّ الثالث: إفريقية إلى الغرب، فقال المهدي (بالشيطان): والحدّ الرابع؟ قال: سيف بحر الخزر وأرمينية. عندها قال المهدي (بالشيطان): لم يبق لنا شيء. فتحول إلى مجلسي. (أي تفضّل واجلس مكاني على كرسي الحكم). فكان جواب الإمام (ع): لقد أعلمتك بأنّي إن حدّدتها، لم تردّها.
ويتبيّن من هذه الحادثة أنّ الإمام عليه السلام، كان يرمي إلى إفهام المهدي (بالشيطان) العباسي، أنّ البلاد الإسلامية كلّها في ذلك الحين، هي حقّ لأهل بيت الرّسول (ص)، وقد اغتصبت منهم، وليس مزرعة «فدك» فحسب.