وبدون مناعة القطيع سيعود الفيروس إلى مساره الأصلي النشط بمجرد توقف الإجراءات والتدخلات الضرورية. كما أن تصاعد موجات السلالات المتحورة من الفيروس ستشكل عائقا إضافيا في مكافحة انتقال العدوى.
يمكن لنا فهم مدى فاعلية التطعيم الجماعي من خلال مفهوم مناعة القطيع؛ فالتطعيم الجماعي يحسن القدرة على مقاومة الفيروس؛ وبالتالي تتحقق مناعة القطيع. وفي الواقع، عندما يواجه الفيروس المزيد من الأشخاص المطعمين باللقاح تنكسر سلسلة العدوى الفيروسية ويتوقف انتشاره ويتراجع تدريجيا.
ومن الجدير بالذكر أن أولوية التطعيم يجب أن تكون للشرائح الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس للوصول لمناعة القطيع المراد تحقيقها في المناطق التي يعيشون فيها.
الطريق نحو مناعة القطيع والفرق الكبير الذي تصنعه اللقاحات
إن عدد المطعمين والمحصنين الذي يتوجب الوصول إليهم لتحقيق مناعة القطيع يعتمد على عدة عوامل؛ أولها رقم الفيروس المستنسخ المعروف باسم "آر نات"، والذي يقيس متوسط عدد الأفراد الذين يصابون بالعدوى؛ فإذا كان رقم الفيروس المستنسخ يساوي 1، فهذا يشير إلى أن كل مصاب ينقل الفيروس لشخص واحد في المتوسط، وهو يعني استقرار الوضع الوبائي. أما في حال كان رقم الفيروس المستنسخ أعلى من 1، فذلك يدل على حدوث طفرة في الوباء والعكس صحيح.
إجراءات السلامة
يمكن تقليل رقم الفيروس المستنسخ من خلال الالتزام بإجراءات السلامة، مثل تعقيم اليدين بشكل منتظم، وارتداء القناع، والتباعد الاجتماعي، والإغلاق العام، ووضع قيود على السفر، والوصول إلى مناعة القطيع.
ويمكن الوصول لمناعة القطيع بطرق طبيعية من خلال السماح للفيروس بإصابة نسبة كبيرة من المجتمع. وعلى الرغم من أن هذه الإستراتيجية مثيرة للجدل؛ فإنها طُبقت على سبيل الاختبار في بعض البلدان مثل إنجلترا والسويد خلال الموجة الأولى من كوفيد-19 في ربيع 2020. ولكن سرعان ما استُبعدت هذه الإستراتيجية؛ حيث لم تستطع المستشفيات التعامل مع أعداد الأشخاص المصابين ممن يحتاجون لإمدادات الأكسجين والعناية المركزة، فضلا عن أن هذه الإستراتيجية يمكن أن تكون ضارة للغاية إذا سمح بها حتى في المناطق المحصنة جزئيا باللقاح، لأنها تتيح مجالا للفيروس للتحور والتطور متجنبا بذلك المناعة المكتسبة.
ويمكن الحد من رقم الفيروس المستنسخ عن طريق حملات التطعيم المكثفة، وتعتمد النسبة المئوية للأشخاص الذين يحتاجون إلى التطعيم لتحقيق مناعة القطيع على مدى قوة عدوى المرض. فعلى سبيل المثال، كانت تقديرات الحصبة وشلل الأطفال 95% و80% على التوالي. وقد أفادت معظم التقديرات الحاجة لتجاوز نسبة 65-75% من السكان المطعمين ضد الفيروس لتحقيق مناعة القطيع، إلا أنه ومع ظهور سلالات جديدة وأكثر عدوى -مثل سلالة دلتا- توجب أخذ الحذر وإعادة التقييم باستمرار. أما العامل الثاني المهم فهو حركة الناس داخل وخارج المنطقة المصابة، إذ يؤدي استمرار تطبيق قيود على الحركة في التقليل من رقم الفيروس المستنسخ.
إلى متى ستستمر مناعة القطيع لفيروس كوفيد-19
إن التجارب السريرية التي أجريت مؤخرا تشير إلى أن اللقاحات آمنة وفعالة للغاية في الوقاية من أشد أنواع الفيروس تحورا، ولكن ما يزال الأمر غير واضح حول أي مدى ستستمر المناعة الوقائية، ولكن إذا كانت مدة المناعة للقاحات المشابهة لفيروسات كورونا الأخرى -مثل فيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية- فإن التطعيم المتكرر كل سنتين أو 3 سنوات ضروري للحفاظ على مناعة القطيع.
وستساعدنا الدراسات الحركية للأجسام المضادة الناتجة عن التطعيم في التنبؤ الدقيق بالجداول الزمنية المتوقعة للتطعيم باللقاحات. كما أن اللقاحات التي تؤدي إلى استجابة متجانسة وموحدة في مجموعة سكانية ما توفر مناعة طويلة الأمد بشكل أفضل من اللقاحات التي تنتج استجابة غير متجانسة. ولكن إجمالا ستكون هناك حاجة إلى سقف تحصين عال جدا على مستوى العالم والتزام بالتباعد الاجتماعي وارتداء القناع لمنع الانتشار المستدام للفيروس بين السكان.