تأملات قرآنية ح1 (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)

الإثنين 21 يونيو 2021 - 08:23 بتوقيت غرينتش
تأملات قرآنية ح1 (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ)

القرآن الكريم-الكوثر: تأملات في بعض آيات سورة التحريم .. زوجة طاغية إلى الجنة، آسيا (رض) حجة الله.

شاهدت آسيا (رض) مظالم زوجها فرعون عصره فلم تبرر عمله، ولم ترتضه، وقررت أن تخرج من دائرة إثم السكوت والرضا والاستسلام له إلى آفاق الإيمان بالله والعمل الصالح برفضها حكم الطاغوت، فآمنت وصبرت وناصرت النبي موسى (على نبينا وآله وعليه السلام)، وأصبحت بموقفها وإرادتها مثلاً عظيماً، (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ) سورة التحريم، الآية ١١.

    فلم تغرها حياة القصور ولهوها الفاسد، ولم تستلم لحياتها الناعمة بل تطلّعت ببصائر الدين إلى تفضيل نعيم الجنة وأجوائها الرائعة (إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)، إذ الجنة مكافأة الله على الولاء والعمل الإيماني.

إلا أن الوجه الآخر للتولي هو التبري من أعداء الله، فلا يجتمع حب الله مع حب عدوه الظالم، فتبرأت آسيا من زوجها الطاغية وأعماله العدوانية. فقالت: (وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)، فلم تغرّها كل إمكانياته المادية،  ولم تخف من بطش فرعون فرفضت منهجه وعمله، وطلبت أن يُنجيها الله من ويلات نكاله.

   بل شعرت آسيا (رض) أن عليها أن تكن خارج التكتل الظالم كله لتحرز آخرتها، فقالت: (ونَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.(

    بحق أنها صاحبة بطولة موقف إيماني في أصعب الظروف حين تحدت وهي إمراة برفض زوجها الجبار المتغطرس وهي في بيته وتحت هيمنته.

    هكذا هي إمرأة الإيمان المتقدم، فباتت مثلاً وقدوة للأجيال على مدى الحياة، وخلّدها الله تعالى في قرآنه العظيم بكلمات التبجيل والثناء لموقفها الصعب وتحديها لفرعون.

    ولذا لم تترك آسيا (رض) عذراً لأحد بالاستسلام والركون للطواغيت تحت أي ظرف كان، او للخضوع للظروف في عدم الإيمان بالله الواحد الأحد. وبحق إنها حجة الله في إيمانها وموقفها بتحدي حكم الطاغية وقرارته التعسفية.

   وكان الحر الرياحي قد شابه موقفها حين إنحاز الى جيش الإمام الحسين عليه السلام وترك منصبه، وآثر الجنة على دنيا العمل مع الظالمين فكان مثلاً وشهيداً عظيماً.

جعفر العلوي