رؤى سياسية قرانية.. ح 6 (الدولة الاسلامية والتعايش السلمي)

الأحد 9 مايو 2021 - 08:50 بتوقيت غرينتش
رؤى سياسية قرانية.. ح 6 (الدولة الاسلامية والتعايش السلمي)

القرآن الكريم-الكوثر: يقول الله عزّ وجلّ في محكم كتابه العزيز: (وَما أَرْسَلْناكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ).. (الأنبياء: 107) .

الدولة الاسلامية...مباديء و خصائص    

بينا في الحلقة السابقة سبب تواجد اليهود في يثرب (المدينة المنورة) و سبب هجرتهم إليها وانهم كانوا يبشرون بظهور النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وانهم سوف بتسلطون على كل المدينة وعلى العرب، إلا أنهم تفاجؤا ان النبي (ص) ليس منهم، فقد كانت إرادة الله تعالى هي الغالبة، وعليه فإنهم عادوا المسلمين وبدأوا يثيرون الفتن بينهم، كما في التفسير الإجمالي للآيتين (89- 90) من سورة البقرة (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90).

        (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم) من التوراة  (وكانوا من قبل) قبل مجيئه النبي الأكرم (ص) بالقرآن الكريم كان اليهود (يستفتحون) يستنصرون (على الذين كفروا) الاوس والخزرج، يقولون اللهم انصرنا عليهم بالنبي المبعوث آخر الزمان (فلما جاءهم ما عرفوا) من الحق وهو بعثة النبي (كفروا به) حسدا وطمعا بالرئاسة، وجواب لما الأولى دل عليه جواب الثانية (فلعنة الله على الكافرين)

    ولإكمال البحث من خلال الآيات الكريمة نجد انها تندد بالذين يصرون على العناد والكفر ، فالآية تشير إلى لعن الكافر، وطبعا فالبعض قد يفهم اللعن والكفر بما يرتبط بالذهن عادة، اي الكفر بالله وهو ليس صحيحا دائما، فإن نفس رفض القيم الإنسانية و تجاوزها وظلم الآخرين هو بنفسه يعني الكفر بهذه القيم، وأن اللعنة المشار إليها في الآية تعني الأبعاد عن الرحمة، فهم إنما يختارون بأنفسهم ذلك الابتعاد عن الرحمة بتنصلهم عن تلك القيم وظلمهم، بل واصرارهم على الإيذاء والتآمر لضرب الداخل، والطعن بابناء مجتمعهم، وهم بذلك إنما يعرضون أنفسهم للظلم، اذ ان مبدا الاسلام العدل و قاعدته ..(لا تظلمون و لا تظلمون) ..

      الرسول الأكرم (ص) عندما ورد إلى يثرب (المدينة المنورة (واجه حالة واقعية وهي ان كثيرا من تلك القبائل اليهودية كانت تسكن المدينة، وحيث لأنه جاء رحمة للعالمين ولم تكن دعوته للمسلمين فحسب، بل وكان من دعوته ارحموا يرحمكم الله، والكثير قد سمع كيف انه (ص) كان يعامل اهل الكتاب من يهود او نصارى بالرحمة، وحتى انه كان يعود مريضا يهوديا في مكة، وفي المدينة قام (ص) وامر اصحابه بالقيام حينما راى جنازة  وقيل له انها جنازة يهودي، فقال اليست نفسا، غير ان اليهود أنفسهم لم يراعوا تلك المشاعر الجياشة بالعطف والرحمة بل كانوا قساة متجبرين بل ومتأمرين على الدولة  الفتية.

    ان السلم الأهلي والتعايش السلمي مصطلحان يستخدمان كثيرا على لسان السياسيين وفي مختلف وسائل الإعلام، وهما مصطلحان متتقاربان في المعنى، وان السلم الأهلي هو أكثر شيء من مسؤولية الحكومة، كما شرحنا ذلك في حلقات سابقة، وكيف ان الرسول الاكرم (ص) انهى الحروب الاهلية بين القبائل، وكيف انه آخى بين المهاجرين والأنصار، وكذلك عقد مختلف ألوان العهود والمواثيق مع اتباع الأديان الأخرى وضمان حقوقهم، بينما نجد التعايش السلمي فهو أكثر شيء من مهام أفراد المجتمع  وكعمل خلقي مطلوب بين أفراد المجتمع .

       إذن فإن التعايش السلمي يمثل حالة أكثر تكاملية من الناحية الأخلاقية والاجتماعية ، وهي في نفس الوقت تؤثر في نسبة الاستقرار والثبات في الدولة، والذي يعتبر ركيزة مهمة لتطور المجتمع ونمو البلاد وضمان الأمن الاجتماعي، اذن فيمكن القول ان القرآن الكريم ذهب ابعد من ذلك في موضوع الاستقرار الاجتماعي وثبات الحكم فيه، وذلك بالتأكيد على مبدأ التعايش السلمي وهو التأكيد على التمازج الاجتماعي والتعاون فبما بينهم وإرساء قواعد الرحمة الإنسانية، (وما ارسلناك إلا رجمة للعالمين) وهي تكمل مسألة السلم الأهلي الذي يضمن عدم الاعتداء او التقاتل، وتذهب بالناس الى ضرورة التحلي بالخلق الإنساني، (ان لم يكن لك أخ في الدين فهو أخ لك في الإنسانية).

إقرأ أيضا: رؤى سياسية قرانية.. ح 5 (الدولة الاسلامية وحقوق الأقليات)

    

 

أما الدور الحكومي في موضوع التعايش السلمي فهو دور إعلامي لأجل التثقيف بهذا الاتجاه عن طريق المقالات او الصحف او الخطب و نشر السيرة النبوية العطرة بمختلف وسائل الإعلام المرئية او الصوتية وغيرها.

علي العلوي / قم المقدسة